حكاية راشد في باب الدنيا

498

جدتي كانت تحكيلي زمان إن كل واحد فينا له من اسمه نصيب، كنت أضحك وأستغرب. لما كبرت وقابلت ناس كتير اتأكدت إن كلام
جدتي -الله يرحمها- حقيقي، لو ركزت في معنى اسمك هتلاقي مسار حياتك مبيخرجش عنه.

من 10 سنين وأكتر، اتولد ولد سيناوي أسمر جميل، ابن شيخ قبيلة كبيرة في منطقة سانت كاترين، فرحت القبيلة كلها، واتسمي راشد
واتكتبله يكون راشد من وهو لسّه في اللفة.. وبدأت الحكاية.. الحكاية اللي مش هتقابلها كتير ولا يمكن تعرف تخمنها من ورا صورة
راشد الصافية بس هو قرر يحكي الحكاية لتسنيم قابلته في سينا.

عارف يعني إيه تكون طفل سيناوي، حياتك بين الجبال والصحرا والطبيعية؟ الطبيعية اللي يوم حلوة ويوم قاسية، الطبيعة اللي زي ما
بتنحت الصخر بتنحت الروح، روح راشد اللي اتولد لقى نفسه لازم يبقى صاحب الحياة البرية بقسوتها وحلاوتها، هو صحيح طفل،
بس لو سألته فيه كام حباية رمل في الجبال اللي حواليك، هيجاوبك.

حتى الآن حكاية راشد الطفل السيناوي طبيعية، يومه بيبدأ برعي أغنام، خروج سفاري مع الزوار في الصحراء كدليل ليهم عشان
ميضيعوش وسط الطريق، طفل عارف كل صغيرة وكبيرة عن سيناء والصحراء والسفاري مقارنة بأي طفل في عمره، مرشد سياحي

عنده كم معلومات أكبر من عمره بسنين وسنين، يعرف لغات وإشارات علمتهاله حياة القبيلة، وشخصيته شكلتها الحياة البرية علشان
تناسب الظروف اللي هتقابله.

لكن لأن راشد، كان لازم يمرّ بتجربة تحول حياته 180 درجة، تأثر في روحه وعقله للأبد، مكانش يعرف إن نصيبه من معنى اسمه
هيكون بالقسوة دي.

في يوم من أيام الشتاء شديدة البرودة، كان فيه مجموعة شباب وبنات بيتسلقوا جبل باب الدنيا في منطقة سانت كاترين، الرحلة كانت
ماشية كويس جدًا، وبالفعل الشباب نجحوا في تسلق جبل باب الدنيا، اللي يعتبر من أعلى الجبال في سيناء، ويبلغ ارتفاعه 2.000 متر
فوق سطح البحر، بس طقس الصحرا ملوش أمان، كل حاجة اتحولت في لمح البصر، تلج ورعد ومطر، عاصفة تلجية، شباب تاهوا من
المرشد والدليل السيناوي معاهم، 6 ساعات تايهين في طقس شرس، 6 ساعات كمان على ما وصلتلهم إغاثة، كانوا خلاص اتجمدوا..
ورحلوا من باب الدنيا إلى الأخرة.. ماتوا الشباب -رحمهم الله- وطلع النهار على الصحراء القاسية.. جدًا.

حكاية لسّه تفاصيلها الموجعة محفورة في قلوبنا، قلوب اللي قرأ وكان يعرف الشباب من قريب أو بعيد أو حتى شاف بعض الصور ليهم،
بس يا ترى إيه ممكن يكون تأثيرها على اللي وصل لإنقاذهم وكان عنده أمل يلاقي في روحهم نفس.. وملقاش؟

بالظبط.. زي ما توقعتوا، راشد، الطفل راشد، كان من ضمن فرقة الإنقاذ اللي وصلت مع الطيارات لمحاولة إسعاف الشباب في جبل
باب الدنيا، كان دليل سيناوي وسط العاصفة والأجواء المرعبة عشان يحددوا مكانهم، بس للأسف وصلوا متأخر.. وأصبح على راشد
إنه يشيل فوق سنين عمره العشرة، شوية سنين كمان، إنه يربط وينقل الجثث المتجمدة للطيارات عشان ينقلوهم للمستشفى، وقتها بس
راشد عرف إنه مبقاش طفل، وإن الصحراء صديقته خذلته ووجعته، فمكتفاش بعملية النقل فقط لجثث الشباب.

وصل راشد المستشفى مع بقية أفراد عيلته، كان فيه شباب مصاب ممكن إسعافه، متأخرش عنهم بجهده، في نفس الوقت اللي إيده
الصغيرة بتكفن شباب ضعف عمره، وعيونه السمرا معادتش عيون طفل صغير، ولسانه اللي كان بيغني بتراث وفلكلور سينا وقت
السفاري، أصبح مهمته دلوقتي يلقنهم الشهادة بكل ثبات.

دي كانت حكاية راشد ابن شيخ القبيلة اللي كبر قبل الأوان، وخد نصيبه من اسمه بدري عن أي طفل في سنه.. لمّا الصحراء اختبرته
وقالتله يا تكون طفل.. يا تكون راشد.

المقالة السابقةعم ضاحي وغرام السجاد اليدوي
المقالة القادمةفي موسم الامتحانات.. أطعمة لزيادة التركيز والاستيعاب
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا