عم ضاحي وغرام السجاد اليدوي

835

تصوير تسنيم عبد اللطيف

 

في الخيامية مسقط رأس صناعة السجاد اليدوي ذي النقوشات والتصاميم الهندسية المبهرة، يجلس “عم ضاحي”، ذلك الرجل صاحب الوجه الأسمر والابتسامة الطيبة.

يكتنف دكانه القديم ألفة محببة مكسوة بألوان سجاجيده اليدوية التي تُدخل البهجة فورًا إلى القلب وتأخذ العين إلى بيوت أينعت أرضيتها بالسجاد اليدوي، الذي يحوي حب صانعه وإتقانه لحرفته التي تعود إلى عصر المماليك، ويقال إنها ترجع إلى ما هو أقدم من هذا، إلى العصر الفرعوني.

“عم ضاحي” الرجل الخمسيني في العمر، ما زال يمتهن صناعة الخيامية، حتى مع احتمالية اندثارها، مثلها مثل تلك الحرف التي اشتهرت بها مصر قديمًا بين سائر العالم، فحتى الآن ما زالت أسماء كالنحاسين والفحامين تُخلّد مهنًا زائلة مع التطور الذي أصاب الزمن، فذهبت الحرفة إلى النسيان تاركة وراءها اسمها على أحد الأزقة في منطقة مصر القديمة.

هكذا الحال مع الخيامية التي تخشى مصيرها كمهنة قديمة راكدة لا تلقى رواجًا تحت مظلة الركود السياحي، وغياب دور الدولة في رعاية هكذا مهن وصناعات تحمل الطابع المصري القديم المميز بتراثه وقيمته الجمالية.

ما زال “عم ضاحي” على عشقه لحرفته التي تعلق بها قلبه منذ 15 عامًا، ولم يفلت الخيوط والإبر وحب التصميمات المتفردة حتى الآن. يصنع السجاد اليدوي والمفروشات، ويضع فيها خالص عشقه ومحبته للمهنة التي شكّلته وترك بها بصمته المميزة، دكانه عامر بالسجاجيد الممتزجة ألوانها بتصميمات عربية أخّاذة للعين، جعلت منه قِبلة لمحبي المشغولات اليدوية الذين يتجاوزون العديد من المحلات والورش الأخرى حتى يصلوا إليه لشراء بضاعته الرائعة.

يؤمن “عم ضاحي” بأن مكسبه الحقيقي هو الزبون الذي يتردد عليه دون سواه، فعلى حد قوله “كل ما أريده أن يذهب زائري وهو مبسوط، شاعرًا أنه امتلك شيئًا أحبه سيرافقه إلى وقت لا بأس به من حياته”.. هو يؤمن أنه يقدم للزائرين فنًا مصنوعًا بإتقان وحب، وليس سلعة منسوخة بدون تقدير لجمالها وتفردها.

وإيمانه هذا بفنه الجميل جعله يقدمه بأسعار زهيدة مقارنة بالسائد حوله من نفس مهنته، ارتضى بالمكسب المتواضع مقابل حب الناس وإقبالهم على أعماله الفنية الفريدة التي ستزين بيوتهم بالجمال.

يتميز الرجل الأصيل أيضًا بالقناعة، فلم يفكر في استغلال شهرته بافتتاح فروع أخرى لدكانه، أو في ترك مكانه هذا والسعي خلف السائح الأجنبي، حيث وجاهاته المعروفة حين يحل على مصر ضيفًا، بل هو يرى في الخيامية (شارع قصبة رضوان سابقًا) جذوره التي مدها حتى تفرعت وأخذت من قِدم المكان وعبقه التراثي.. بدأت حياته هنا وستنتهى أيضَا بين منسوجاته ومشغولاته الفريدة.

يحكى عن اجتهاده وكَدّه في العمل حتى استطاع توفير شقة تمليك لعائلته في الحي، ليكون في قلب المكان دومًا، وقريبًا من ورشته، يحكي أيضًا عن حب الله له وكيف يراه في محبة الناس وإقبالهم على منتجاته، ويقول إن الله يبارك في صحته وعافيته لمحافظته على الجمال الذي يحبه الله، فهو يهب زواره الجمال دون استغلال أو طمع في مال أكثر.

“عم ضاحي” يقابل زائري دكانه بابتسامة مفتوحة وقلب محب لصنع يديه، يسامرهم وهو يعرض عليهم مشغولاته ولا يفارقونه إلا وقد ترك لديهم ما يتذكرونه به دائمًا.

قِطعه الفنية ستحكي دومًا عنه وتصميماته ذات الألوان الرائعة ستظل تعبر عن صانعها وحبه للفن والجمال.

 

 

المقالة السابقةلن أنجب صبيًا في هذه المدينة
المقالة القادمةحكاية راشد في باب الدنيا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا