بقلم: نهلة النمر
أونلاين.. أوفلاين.
هي دي حالة وجودك
ستاتس.. status
هي دي حالتك المزاجية.. اللي ممكن تكون وش بيضحك أو سطور طويلة من قصة حصلت معاك.
مرادفات لكل حاجة بتعيشها في الواقع بتلاقيها في العالم الافتراضي..
وكأنه ببساطة أصبح عالم آخر موازي بتعيش فيه نفس التفاصيل اللي بتعيشها يوميًا.. بس رقميًا !
مجتمع كامل، فيه ناس بتهني وتعزي، ناس بتفرح وتزعل، ناس بتشتغل، بتتكلم، بتدرس، بتقرا، ناس بتتعرف وكمان بتتجوز !
زمان كانت فكرة غريبة، تتجوز من على الإنترنت يعني كأنك وقفت حد في الشارع وقلتله أنا عاوز أتجوزك، ويمكن كمان يكون الشارع أأمن، لأنك شايف الطرف التاني وشايفك، لكن الإنسان عدو ما يجهله، وحيث إنك مش شايف الطرف التاني على الإنترنت، فإنت دايمًا خايف ومتوجس منه، وبتفترض الأسوأ.
لغاية وقت قريب الناس كانت بتعتبر الإنترنت نفسه وسيلة خيالية، الأشخاص اللي فيه أجهزة صماء، أو أفراد من عصابة مثلًا، مش ناس من اللي بنقابلهم في الحياة كل يوم.
لكن الفوبيا من الإنترنت شبه انتهت، والاعتراف بوجوده كوسيلة تواصل فعلية بين ناس حقيقية زاد، في أعقاب ثورات الربيع العربي، لما الناس شافت إن التواصل على الإنترنت أدى إلى فعل على الأرض، فهمت إنه مش مجرد وسيلة ترفيه، وإنه ممكن يكون أداة لأمور مهمة ومحرك رئيسي في الحياة.
من هنا زاد الشغف بالتعرف على هذا العالم، وأصبح ساحة رئيسية كل فرد بيعتبر إنه لازم يكون له كيان فيها.
وكأي تواصل بيحصل في أي مجتمع، بتنشأ عنه علاقات اجتماعية متنوعة، وبيتولد منه مشاعر، حب أو كراهية، احترام أو احتقار.
لكن في رأيي إنها بتكون مشاعر مبدئية فقط، لإن اللي بيبان على الإنترنت هو جزء غير مكتمل من كل شخصية، يبدو من خلال وسيلة غير مكتملة الأدوات، لا تتضح عليها مثلًا لغة الجسد، من صوت أو نظرات أو حركة يد أو تعبيرات الوجه المختلفة، بكل ما تحمل من دلالات موحية عن الشخصية.
بس للأسف فيه كتير ناس ممكن تعتبر المشاعر دي نهائية، وتبني على أساسها قرارات أو تصرفات.. فتلاقي مثلًا اتنين ينشأ بينهم نوع من الإعجاب على الإنترنت، فيتحول الإعجاب ده للتوهم بوجود علاقة حب، رغم إنهم عند مرحلة اللقاء بيبقوا خايفين إن الشخصية اللي في الحقيقة تطلع مختلفة عن الشخصية اللي كل طرف انجذب إليها أو افترض إنه بيحبها على الإنترنت.
وده بيحصل فعلًا مهما كان الشخص صادق في كلامه وتعبيره عن مشاعره في السابق، لأن بيفضل فيه جوانب كتير من شخصيته مش بتظهر غير بالتعامل المباشر، وخوض المواقف المختلفة واختبار رد فعله.
عشان كده اختبار جدية الشخص من كذبه أو تمثيله بيكون أصعب في حالة الإنترنت، وكتير شخصيات بتدعي صفات مش عندها وبتتقن أداءها لأنها متخفية ورا شاشة.
هذا لا يمنع من وجود علاقات نشأت على الإنترنت وكملت ونجحت، لكن فترة تأسيسها الرئيسية كانت خارج الإنترنت.
فالإنترنت لا يخلق أشرارًا، الأشرار موجودين في كل وقت وكل مكان، لكن تعاملنا مع الإنترنت وتغافلنا عن إنه وسيلة إلكترونية لها إمكانيات محدودة، وإن التواصل الإنساني له أبعاد أوسع من مجرد الكتابة أو حتى التخاطب المسموع في الفضاء الجامد، هو اللي بيوقعنا في المشاكل.
الإنترنت ممكن يشكّل خلق للفرص لناس مش بيلاقوا الشريك المناسب في الأماكن اللي بيتعاملوا معاها، أو معندهمش مجالات أصلًا للتعارف، لكن في نفس الوقت هو مرحلة مبدئية لازم يتبني عليها تواصل حسي، زيه زي الخاطبة اللي ممكن ترشح اتنين لبعض وتقرّبلهم الصورة، لكن في النهاية اللقاء الإنساني بين الطرفين هو اللي بيخلي الحكاية تكمل.. أو تفكرش من أساسها.