تأخرتُ على صديقتي.. فماتت

393

منذ فترة قليلةٍ، كانت تراودني فكرة ما.. أن أحاول الاستمتاع بصحبة من أحب، خشية أن أفقدهم فجأة، أو أن تشغلهم الدنيا أكثر مما ينبغي. تذكرت أختي الصغيرة التي جعلتْها الدنيا تكبُر فجأة وتضطر للسفر مع زوجها لنراها عدة أيامٍ كل عام. خفتُ أن أفقد لسبب لم يدُر ببالي ابني أو زوجي أو أمي. أنا مريضةٌ بالخوف. دائمًا ما يدور الاحتمال الأسوأ في ذهني ويستقر طويلاً. كنتُ أفكر حتى في كتابة مقالٍ عن هذا الشيء تحذيرًا للجميع من غضبة الزمن وخطفه الأحبة بكل الطرق. لكن يبدو أنني قد تأخرت. لم تأتِ “مها” ببالي وأنا أبحث عمن قد أفتقده لو فقدته.

 

تحادثني صديقتي لتسألني إن كنتُ عرفت بأمر مها. أسألها وفي بالي خبر خِطبةٍ أو ما شابه. لطالما رفضتْ فكرة الزواج. شيءٌ شريرٌ يحاول تحذيري لكنني لا أستمع له. تقول بخفوت “مها ماتت”.

 

“مها مين؟” سؤال لم يكن ينتظر إجابة. فقط يحاول إبطاء التأكد من الحقيقة. أتحدث إليها على هاتفها المحمول وبعض الأمل يعاتبني، سترد على هاتفها وتنتهي النكتة السخيفة. ترد أختها وتؤكد الخبر. أسألها عن العزاء.. أتحوّل بين لحظةٍ وأخرى إلى كتلة من التقليدية. ماذا سأستفيد بحضوري مجلس الحزن عليها؟

الحزن لا يحتاج دعوة ولا مكانًا خاصًا به ليحضر.

 

مها.. ماتت.

 

تقول إن قلبها كان في وضع سيء. كيف؟!

لم تخبرني أبدًا بذلك. ولا أندهش لذلك.. لم تكن تخبر أحدًا بالكثير.

 

صديقة المدرسة وما بعدها رحلت. أذكر كيف كانت علاقتي بها وكيف امتدت حتى أيامٍ قليلةٍ مضت.

في المدرسة كنتُ أتسابق مع زميلة أخرى عليها وأعاني من ذلك. كانت تكتب الشعر وكنت أحتفظ لديَّ بما تكتبه.

ترسم على الـ”سبورة” وجهًا ضاحكًا وتمضي باسمها تحته “Mahateto”.

واسمها إلى الآن على هاتفي مسجل بنفس الحروف التي كانت تمضي بها الأوتوجرافات: Mahateto

اقرئي أيضًا: شكرا صديقتي: أجمل رسالة شكر لصديقتي الغالية

أجلس صامتةً. أشعر بالغيظ من نفسي. دهشةٌ مكتومة.

لا أستوعب أننا لن نتشارك الحديث الطويل على ماسنجر الفيسبوك عن الأسى. لا أدرك بالفعل أن إحدانا لن تنبّه الأخرى لإحدى حفلات المولوية أو الموسيقى العذبة أو الشعر في بيت الست وسيلة.

شيءٌ ما عضَّني لتوّه في قلبي.

 

لم تكن ممن ينطلق لسانه بكل ما لديه كما أفعل أنا دائمًا.. قليلة الكلام والحكي. تبتسم طوال الوقت بلفتةٍ ساخرة، وكأنها لا تأمن للدنيا، وكأنها لا ترغب فيها. لم أكن معها حين فقدتْ أمها صغيرة، لكنني عرفتُ أن تلك الحادثة حفرت لنفسها مكانًا قاسيًا داخلها لم ينمحِ أبدًا.

 

ليس من حقي الآن أن أرفع الغطاء عن بعض ما أعرف عنها. لكنني لا أذكر الكثير من المتعة والرونق في حياتها القصيرة، غير بعض اللقطات الثابتة لها وهي تستمع لماجدة الرومي.

 

أحاول أن أستجمع أفكاري لكن أفكاري تأبى أن تتجمع وقد فاتها أن تقول لها سلامًا.

بعضُ الصور غير المرتبة تنحاز لذاكرتي فجأة. حضورها عيد ميلاد ابنتي الأول. “دودة القز” الجميلة التي كلما تاهت مها عن ذاكرة ابنتي قلتُ “اللي جابتلك دودة القز”، فتذكرها وتقول “آه آه نروحلها”.

 

ضربة الشمس التي أصبتُ بها فجأة بدأت تتفكك الآن.

مها رحلتْ.

أعرف عنها -رغم صداقتنا الطويلة- أقل القليل، فقط ما سمحت بمروره أمامي.. وهو على كلٍ يكفيني لأحبها بالقدر الذي أكتب به الآن.

 

كل عامٍ كنتُ أبارك لها عيد ميلادها في ٢٧ يوليو. وذات مرةٍ نسيت أو تكاسلت في خضم معاركي اليومية مع ابنتي. أرسلتْ مها لي تقول إنها أول مرة أنساها فيها. هل كان خنجرًا ذاك الذي حشرته في صدري؟ لم أكن أعرف أن كلمة مُعادةً مني كل عام تحمل تلك الأهمية لها.

 

يا مها.. ما أوجع الفقد يا صديقتي!

من سيربتُ الآن على قططك الصغيرة؟

لم أكن أرغب في رثائكِ بطريقة قديمة عهدتها مقززة لمن لم يعهد من مات.

الآن فقط أحسبني فهمت لهجة الرثاء وحسرتها.

 

لم أتخيل قط، أن أكتب عن مها بهذا الكم من “كانت”.

(ابتسامة ساخرة).

لم تعش إلا حياة المقصومين مثلنا.. فادعوا لها بالرحمة!

المقالة السابقة4 وصفات محببة باللحم المفروم
المقالة القادمةأولى جامعة – بكالوريوس رايح جاي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا