انسف الـ”TO DO LIST”

598

كل سنة في نفس المعاد، أبتدي أفكر وأقول لنفسي أنا لازم أبتدي السنة الجديدة على مية بيضا، ورقة بيضا وقلم حلو، وأبتدي أكتب بحرية كل الحاجات اللي نفسي فيها، دورات تدريبية هموت وآخدها، الكتب اللي كل شوية أصادفها في جروبات القراءة والثقافة وجنبها الجملة الشهيرة “MUST READ”، مش هنسى القايمة اللي قعدت نص ساعة أقراها عن أهم 100 كتاب لازم تقراهم في حياتك قبل ما تموت، الحمد لله مقرأتش منهم ولا كتاب لحد دلوقتي.

القايمة المحترمة اللي بكتبها آخر كل سنة، بحط فيها كمان الأماكن اللي عاوزة أزورها، الأفكار اللي نفسي أكتب عنها، كل المشاريع الجديدة اللي شايفة إن الوقت بيجري ولازم أبتدي أدوس فيها، على أمل تعمل نقلة كويسة في حياتي، وغيره وغيره بيتكتب في خمسين ستين نقطة على قايمة الـ”TO DO LIST” في السنة الجديدة.

واضح إن فيه اهتمام جامد بموضوع الـ”تو دو ليست”، لدرجة إنه بقى يتعملها أجندات مخصوص شايلة تاريخ السنة، ومتقسمة تبع الأهداف، بأغلفة تاخد العقل، مليانة ورود وعصافير ويوني كورن، واستيكرات وفواصل “جيرلي”، وتبويب رقيق، كل وجع القلب ده عشان نتوكل على الله ونعمل القايمة المحترمة ونحاول نخليها حقيقة. لكن الواقع إن في معظم الأوقات الحاجات اللي بنكتبها بحماس فجأة بتتحول لحمل تقيل، لما بنكشتف إننا مش عارفين نحقق نصها أو حتى ربعها على أرض الواقع.

فجأة يهل العام الجديد وأنا ماسكة قايمة المهام بسعادة بلهاء، أكتشف إن مهام اليوم العادية جدًا زاحمة اليوم لوحدها، أبتدي أقول لنفسي لا حاولي كده مينفعش، نحاول نحشر حاجة زيادة عشان نحس بالإنجاز ونحقق حاجة من التارجت، يوم ورا التاني بتتحول معاه قايمة المهام لقايمة صداع وضغط عالي، أول ما أبصلها يجيلي اكتئاب وأنا شايفة نفسي محققتش أي حاجة خالص خالص، هنا بقى يبدأ ضميري ينام ويبدأ شيطاني ياخد بيدي ويقولي معلش مجراش حاجة، عادي كل شيء بأوان، ربنا يسهل، قريب الظروف هتسمح، متجيش على نفسك، متعذبيش روحك يا حبيبتي.

سنين كتير عدت على هذا الحال، من وقت تخرجي في كلية الإعلام لحد النهارده، تقريبًا مفيش “تو دو ليست” توحد الله عملت حاجة منها، سنة ورا التانية وأنا بلتمس لنفسي الأعذار وبقول معلش، لحد ما حسيت أخيرًا بالضياع الشديد، وقتها شوفت إعلان عن المنحة اللي اتقدمتلها وقت تخرجي وقامت الثورة فمكملتش، قررت أروح أقدم فيها تاني وأبتدي من الأول خالص، وقلت لروحي “أن تبدأ متأخرًا خير من ألا تبدأ أبدًا”.

روحت المركز، ووقفت قدام موظف الاستقبال، وبدأت أسأل عن التفاصيل وأخدت أبليكشن عشان أملاها، وكان بيسألني عن شوية تفاصيل عشان يعرف أنا مستوفية ولا لأ،  وهوب أول ما عرف إن عمري 27 وتمن شهور، قالي جملة كانت أول مرة أسمعها في حياتي، قالي “معلش.. حضرتك فوق السن”، طبعًا كان نفسي أقوله فوق السن مين يا اللي تتشك في لسانك، بس احتفظت بوقاري وقولتله: فعلاً؟ هنا بدأ يفهِّمني إن الحد الأقصى للتقدم عند 27 سنة، فوق كده بيعتبروه بدأ يعجز والمفروض يكون أخد فرصته في الحياة ومبقاش يستحق المنحة المدعمة.

مكدبش عليكم قلبي وجعني قوي من الكلمة، عشان أكون دقيقة الجملة كان “ألم” على وشي بالمعنى الحرفي، ميقلش في ألمه عن المرة اللي قالتلي فيها البياعة في أحد محلات السوبر ماركت “يا طنط”.

الحقيقة إني من بعد الجملة دي شوفت ليالي سودا، أنا صحيح لسة متمتش 30 سنة، لكن بعيدًا عن كل الكلام الحلو اللي بيتقال عن العمر ده من نضوج وسكينة ونظرة مختلفة للحياة، ومن الآخر، لو مبانتش نفسك صح قبل الـ30 هتبنيها برضو بس بصعوبة أكبر، الظروف هتكون أتقل، هيطلعلك جهات هتشوف إنك مفروض تدفع فلوس في حاجات كان ممكن تاخدها ببلاش لو كنت أصغر كام سنة.

أخيرًا بعد سبع سنين من التسويف، قررت السنة دي إني مش هعمل قايمة مهام لسنة 2018، هتكون أول سنة أبتديها بدون “TO DO LIST”، مش لأني كفرت بقوايم المهام الكتيرة اللي مبرميهاش واللي منورين بعضهم في الدرج، حاشا لله! لكن لأني بكل جدية اتعلمت درس مهم جدًا، هو إن رصة المهام ورا بعض بتخلي شكلهم أسخف وأتقل وبتخلي البداية أصعب، ولأننا لو خدنا راحتنا في كتابة اللي المفروض نعمله هنكتب مجلدات.

السنة دي قررت قرار مختلف، مش هكتب أنا “عاوزة” أعمل إيه، لكن هكتب أنا محتاجة إيه؟ صحيح الوقت جري مني، لكنه منتهاش، هبدأ بحاجة واحدة فقط، أحب أحتفظ بيها لنفسي لحين ما أحققها، ولما ربنا يكرمني وأعملها أبقى أفكر في اللي بعدها، غير كده أي حاجة تخطر في بالي أعملها ضروري أدوس فيها على طول ما دمت قادرة، أحيانًا التخطيط مبينفعناش، لازم نورط نفسنا بالفعل في الحاجات اللي عاوزينها بدل ما نكتبها ونحس إنها في الجانب الآمن على قايمة المستحيلات “التو دو ليست”.

المقالة السابقةالأم المصرية من الحضانة لدار المسنين
المقالة القادمةأن تخفي كونك متزوجة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا