“البُعد ذنب كبير لا يُغتفر”.. قصص زوجات وحيدات

678

المعادلة الموزونة لأي زواج طبيعي هي زوج وزوجة متحدان معًا ضد ظروف الحياة الصعبة، إلا أن عندما تصبح ظروف الحياة والمادة والحاجة هي الطرف الأقوى، تتغير المعادلة قليلاً وتلعب الحياة لعبتها القاسية وتفرقهما، فيلجأ الزوج إلى السفر بحثًا عن لقمة العيش، وتلجأ الزوجة للانتظار، هذه القصص لنساء جمعتهن بأزواجهن الحب والعشرة والأولاد ففرقتهن الظروف الاقتصادية ولقمة العيش والعوز وجوازات السفر.

يا عين لا تدمعي ع اللي جفاني وراح

أحد عشر عامًا وأنا أنتظره في أروقة المطارات، أطارده كل ليلة في أحلامي، أحد عشر عامًا هي عمر زواجنا بحساب الزمن، أما بحسابات الغربة هي شهر عن كل عام. سافر زوجي الخليج وترك لي ثلاثة أولاد هم كل حياتي، أُقسِّم يومي ما بين المذاكرة لهم وتدريب النادي وبعض المهام المنزلية، لا أحاول أن أفكر في وحدتي كثيرًا، أقتل أوقات فراغي بإعداد الطعام والتنظيف المبالغ فيه.

يتهمني أبنائي بأنني عصبية ومتقلبة المزاج، ينصحني المقربون مني بضرورة الاعتناء بنفسي وبصحتي وأن أخفف من إيقاع يومي قليلاً، ولكني أخاف أن أستريح، أخاف أن أختلي بنفسي فأنهار، أخاف من الأسئلة التي أطرحها على نفسي كل ليلة: ماذا سأفعل عندما يكبر أبنائي ويصبح لكل منهم حياته المستقلة؟ ماذا سأفعل عندما تأخذهم خطواتهم بعيدًا عني ولم يكن زوجي قد عاد من غربته بعد؟ ماذا سأفعل بحياتي؟ هل سيقتلني الانتظار وأموت وحدي؟

سافر وخدني معك بفطر على دقة.. بصبر على الجوع ما بصبر على الفرقة

عمري 45 عامًا، متزوجة مع إيقاف التنفيذ، اثنان وعشرون عامًا قضيتها في الانتظار أُهدر الوقت وأسبق الأيام لأنتزعها من النتيجة يومًا تلو الآخر في انتظار الشهر الذي سوف يعود فيه زوجي من الخارج. أنا طبيبة وزوجي مهندس، أسكن في مكان راقٍ، لديَّ سيارة وابنتان واحدة تدرس في الجامعة الأمريكية والأخرى ما زالت بالمدرسة، لم تكن غربة زوجي أمرًا اختياريًا، فالظروف هي ما فرضت علينا هذا الوضع، في الحقيقة إذا ما تم تخييري سأختاره هو، سأختار أن نبقى معًا في بيتنا الصغير الدافئ، فهذا البيت الكبير لا يناسبني، لن أختار السيارة والحياة الفارهة، سأختار أن يشيب شعري وزوجي بجواري، سأختار أن ينام بجواري كل ليلة على أن أنام بجوار حزني ووحدتي.

والصبر أخدته معي خبيته بعيوني.. ع فراق أهلي يمَّة لا تلوموني

أنا زوجة منذ اثني عشر عامًا، في نظر الجميع أنا زوجة سعيدة، زوجي ضيف خفيف يأتي شهران في العام، طوال العام أنا المتصرف الأول والأخير في أُموري الشخصية وأمور أبنائي، صديقاتي المقربات يحسدنني على هذا الوضع الخالي من التحكمات والمسؤوليات التي يفرضها وجود زوج بشكل كامل في حياتهن. أذهب إلى عملي وأعتني بأطفالي، وأذهب إلى الجيم وأمارس الرياضة، حياتي مليئة بضجيج أطفالي المحبب، ولكن عندما يهدأ الضجيج ويأتي الليل لا أجد ما أفعله سوى الغزل بخيوط الكروشيه الملونة في محاولة لترويض الجزع واستحضار الصبر، أفرح لانتصاراتي الصغيرة في تحويل الخيوط إلى قطع مبهجة من الملابس، إلى أن يراودني شبح الوحدة من جديد، فتبتلعني الخيوط وأنام، لأعاود الكرة مرة أخرى مع كل صباح جديد.

سافر وخدني معك والله البُعُد حُرقة

لدينا ثلاثة أطفال، وضعتهم جميعًا وزوجي بالخارج. ظروف عمله لا تسمح له بالحضور في وقت ولادتي، أعيش في بيت عائلة زوجي مع أم زوجي وإخوته الأصغر سنًا، أعتنى بهم وبأبنائي ولا أجد من يعتني بي. أنا لا أعمل، ولكن لا وقت لديَّ. بحكم وجودي في مدينة ريفية فزوجة الابن هي من تقوم بكل الأعمال المنزلية، ليس لدي وقت لنفسي، أنا دون مبالغة أشبه الساقية الموجودة في أرض زوجي الزراعية، التي بالمناسبة اشتراها ليؤمِّن مستقبل أبنائنا الذين لا يعلمون عنه سوى أنه مسافر. منذ أن صرَّحت لزوجي بأنني أريده معي بحضني، أريد أن أشعر بأنوثتي معه ونهرني قررت أن أصمت للأبد، لقد تزوجته وأنا أعلم أنه يعمل بالخارج، على وعد بأن يأتي الوقت المناسب ويأخذني معه.. خمسة عشر عامًا ولم يأتِ الوقت المناسب بعد.

أمسى المسا يا غريب واتفتّحت الجراح

هناك أشياء لا تغتفر، لا يعوضها المال والمادة، ثقل المسؤوليات التي حملتها طوال سنوات سفر زوجي العشرين، الخوف من التقصير وهاجس الفشل في تربية ثلاثة أبناء من الذكور وبنت، دور الأم الصارمة الذي أتعبني، ودور الأب الحازم، ودور المفتش كرومبو في سنوات مراهقتهم -ربما لعبتها جميعها على أكمل وجه- لكنها أرهقتني وأفقدتني أهم أدواري، دور الأم الصديقة الحنونة، تلك النظرة المعاتبة في عين ابنتي لي تقتلني، نظرة المجتمع لي، لتلك المرأة الوحيدة التي سافر زوجها في شبابها فشاخت من الوحدة قبل الزمن. من يعوِّضني كل ذلك؟ّ! أنا ما زلت أحب زوجي كأول مرة التقيته، ولكني لن أسامحه على البعد، سافر زوجي ونحن على وعد بأن يعود، لكن سرقته الغربة، اليوم يعود كالغريب، لا أستطيع أن أحتفي بوجوده ولم أتأقلم مع غيابه بعد.

خمس قصص لنساء وحيدات، ربما تشابهت حكاياتهن.. زوج مغترب وزوجة وحيدة وإحساس بالوحدة، إلا أن الخوض في تفاصيل كل حكاية قد يصيبنا بالدهشة والألم، هؤلاء السيدات يحتجن إلى الدعم والرعاية، لذلك اخلقوا حلقات دعم حولهن، خففوا من وطأة الوحدة عليهن، انصتوا إلى شكواهن دون لوم أو عتاب أو اتهامات بالنكد والمبالغة، حتى وإن لم يكن لديكم حلول سريعة ومباشرة لمشكلاتهن، أحيانًا الاهتمام والإنصات الجيد يساعد على تخفيف الكثير من الأعباء ويحسن النفسية.. فرفقًا بهن. 

أخيرًا.. إلى كل الزوجات الوحيدات اللائي ودَّعن أزواجهن على أمل اللقاء، العالقات في دوائر الانتظار والأمل، الخائفات من شبح الفقد.. لا ترهقن أنفسكن بالكثير من المهام، حاولن أن تُشركن أزواجكن معكن في مسؤولياتكن، حتى وإن كانوا غائبين، على الأقل استحضرنهم معنويًا. أحيانًا بعض الكلمات الداعمة من الشريك تجعل الأمور تبدو أهون. تعاملن مع أنفسكن في حالات الضعف والوهن برفق، فأنتن بشر ولستن خارقات، حاولن أن تجدن مساحات للدعم سواء في جلسات الصديقات أو الجيران أو في الكتابة أو القراءة أو حتى الرقص، أفرغن الشحنات السلبية بأسرع وقت وبأي شكل، اشرحن للمقربين منكن ما تمررن به حتى يستطعون أن يتفهموا حالات الغضب التي تمررن بها. الاحتفاظ بالمشاعر السلبية سيقتلكن بالبطيء، معركتكن طويلة ومرهقة فتسلحن بأرواحكن المقاتلة وثابرن.. حتمًا هناك نهاية سعيدة.

 

* عناوين الفقرات من أغنية أمسى المسا يا غريب لريم بنا 

الأغنية على YOUTUBE

المقالة السابقةدور المسنين ليس بها سم قاتل
المقالة القادمةلمياء وتفاصيل الوحدة والونس
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا