منار
تم نشرة في 09/25/2016
وقت القراءة : 4 دقيقة
أتذكر جيدًا تعبير أمي في استياء عن سوء اختياري لصديقاتي في جملة مختصرة “إنتي كل صحباتك كده مطلقات؟!”، ذلك بعد أن وصل عدد صديقاتي المطلقات المقربات إلى أكثر من ثلثي صديقاتي. أيضًا أتذكر أحد أصدقائي الذي جلس في أحد الايام يشيد في أخلاقي وأدبي، وعبّر عن إعجابه بي، ولكن للأسف “الحلو ميكملش” فأنا كل من تحيط بي من صديقات مطلقات، وقال لي نصًّا “إنتي إيه غِيّتك فيهم؟ مش خايفة يشبهوكي؟”، الغريب أن معظم صديقاتي المطلقات مشتركات بيني وبين هذا الشخص.
الحقيقة أيضًا أن صديقاتي لم ينزلن من بطون أمهاتهن مطلقات، وأن هذا الوضع فرض عليهن تمامًا.. فأنا بعد زواجي أيقنت أن المرأة لن تختار الانفصال عن زوجها بسهولة خلعها لحذاء يؤلمها في قدمها، وأنها سوف تحاول جاهدة للوصول لبر سلام مع زوجها قبل أن تحصل على الطلاق، فتحمل مسؤولية أطفال وأسرة ومنزل أمر ليس من السهل أبدًا أن يقوم به شخص وحده، وقرار ليس من السهل اتخاذه. ولكن تلك المسؤولية التي تقع على كاهل المرأة بعد الطلاق لم تكن كافية، فاختار مجتمعنا أن يُحمِّلها أثقالاً فوق التي تحملها، فنحن لا نستطيع أن ننكر جميعًا أن مجتمعنا المتحفظ يتعامل مع المطلقة على أنها وصمة عار.
تعرفي على: قصة فيلم ولا عزاء للسيدات قصة كل مطلقة في عيون السينما
على سبيل المثال.. عندما تحدثت مع صديقاتي المطلقات وأنا أحاول أن أجمع معلومات عن موضوع محدد مرتبط بنظرة المجتمع لهن، أجمعن على أن معظمهن قد منعن من التعامل مع بنات عماتهن وأعمامهن وخالتهن وأخوالهن اللائي لم يسبق لهن الزواج بمباركة من أسرهن، ناهيك بمقاطعة معظم صديقاتهن وقريباتهن المتزوجات لهن خوفًا على أزواجهن.
ولكن لم يكن ذلك هو العقبة الكبرى التي واجهتهن في مجتمعنا، فنحن نون النسوة اعتدنا أن الاختلاف يقابل بالنبذ وأن المرأة التي تطلب الطلاق وتقبل أن تحيا وحيدة تربي أطفالها في مجتمعنا هي بالطبع امرأة مستقلة خرجت عن القطيع.
ولكن جل ما تعرضت له هولاء البطلات المستقلات هي مضايقات الذكور المحيطة لهن في المجتمع، فلكم أن تتخيلوا أن خمس من سبع نساء (هن اللائي أفصحن لي عما يتعرضن له من مضايقات) ذكرن لي أن لهن صديقًا لم يسبق أن كانت بينه وبينها أي علاقة غير علاقة دراسة أو عمل، كانت على يقين تام أنه شخص مهذب، لم يسبق له قبل زواجها بتعدي حدوده معها مطلقًا، ولم يُلمِّح لها سابقًا من بعيد أو قريب بأي نوع من الانجذاب لها، وبدون تحوّل سياق الكلام بينهما عن مساره الطبيعي ودون أي سابق إنذار، قد قام بدعوتها على العشاء في منزله بعد الطلاق. حتى أن إحداهن قد قالت لي إن رسالة على موقع التواصل الاجتماعي قد وصلتها من هذا الصديق تدعوها لهذا العشاء بعد أن عرف خبر طلاقها دون أي محاولات مسبقة للتمهيد مثل السؤال عن صحتها أو عملها أو حال ابنتها مثلاً.
ولكن ما أجمعن عليه جميعًا تلك النظرة التي تراها المطلقة في أعين معظم الرجال بعد أن يعرفوا للمرة الأولى أنها مطلقة.. لمعة عين كريهة ليس لها معنى أو تفسير سوى أنهم عثروا على فريسة سهلة، نظرة جعلت معظمهن حريصات على كتمان هذا السر العظيم عن معظم المحيطين في العمل والنادي ومدرسة الأطفال، سر يحفظ في أضيق الدوائر المحيطة، سر يباح به للمقربين والمقربات فقط، من وقع عليهم الاختيار بعد نجاحهم في اختبارات الثقة، حتى أن إحدى صديقاتي قد أخبرت حارس العقار الذي تقيم فيه، ومدرب السباحة لأبنائها ومحفِّظ القرآن أن زوجها مسافر في الخليج عندما سُئلت عنه، وسهّل عليها هذه الكذبة أن طليقها لا يسعى لرؤية أبنائه مطلقًا هو أو أي فرد من عائلته.
في وصف دقيق لحال المرأة في مجتمعنا قالت إحدى صديقاتي المطلقات إن المشكلة لا تكمن في اللقب الذي حصلت عليه، المشكلة في غشاء البكارة، فليست المطلقة فقط التي تتعرض لتلك المضايقات، بل تتعرض لها أيضًا من مات عنها زوجها أو من تزوجت من رجل يكبرها كثيرًا أو من سافر زوجها أو حتى إن كان زوجها ذا شخصية ضعيفة، ما دامت فقدت ذلك الختم ولا تقع تحت حماية أحد ذكور القطيع فهي حتمًا فريسة.
أيضا اتفقت ثلاث من صديقاتي أن الرجال في مجتمعنا يقيسون الرغبة لدى المرأة بمقياسهم واحتياجاتهم الشخصية، فالرجل يعتقد أن المرأة المطلقة هي امرأة تفتقد للعلاقة الحميمة وتبحث عنها، ونظرًا للقيود التي يضعها المجتمع على زواجها مرة أخرى، من قانون يحرمها من حضانة أطفالها لتؤول إلى والدتها حال أن تزوجت، أو أعراف مجتمع تفرض عليها الزواج من أرمل أو مطلق سبق له الإنجاب في حال لم يكن لديها أطفال، فالعلاقة الحميمة غير الشرعية في الخفاء هي أسهل ملاذ لها، ولذلك فهو في الأغلب يقدم لها خدمة بعرض نفسه عليها.
ما جعلني أشعر بالضيق حقًا، إجماع كل من استطاعت من صديقاتي الهروب من مصر إلى أي دولة أخرى حتى وإن كانت دولة عربية، بتوقف تلك المضايقات بعد خروجها من مصر تمامًا وفورًا، فهذه المشكلة توجد في مجتمعنا المصري فقط، بل أن إحداهن التي سافرت إلى دولة أوربية أخبرتني أن الأم المعيلة تعامل بشكل أفضل من أي امرأة أخرى، فهي لها احترامها لكفاحها من أجل أطفالها.
مدام سوسو.. أعتقد أنكم تذكرون جميعًا مدام سوسو التي أراد أحمد زكي أن يرتبط بها في مسرحية “العيال كبرت”، نبذنا جميعًا عند مشاهدتنا للمسرحية رغبة أحمد زكي في الزواج من مدام سوسو.. تلك الأنثى التي لم نعرف عنها شيئًا سوى أنها مطلقة وأم. أنا حقا في طفولتي لم أدرك ما الخطأ الذي ارتكبته مدام سوسو.. وظللت أبحث عنه ولم أجده حتى يومنا هذا، حتى يعطي مجتمعنا مدام سوسو قدرها الذي تستحقه، وأن يرى فيها أمًا عظيمة وامرأة ناجحة مكافحة.
سوف يحرق لهيب الواقع جباهنا وجلودنا دون أن ينير قلوبنا وعقولنا.