إني رزقت حبها

384

يخبرني الطبيب بميعاد الجراحة لابنتي الصغيرة “كارول” الأغنية المبهجة في حياتي، نستعد ونذهب للمستشفى وضحكتها لا تفارق وجنتيها الورديتين، تمازحني “مالك يا ماما عاملة كده ليه؟” وأنا أبتسم بصعوبة شديدة أمامها “مفيش يا حبيبتي” في محاولة مني لطمأنتها، ولكن قلقي جليّ في نبرات صوتي.

تستعد لإجراء الجراحة، تأتي الممرضة لقياس الضغط ووضع الكانيولا في يدها البريئة وأنا أحبس أنفاسي جزعة من اختراق يديها بوخز الإبر، يرى الطبيب ملامحي المضطربة، يقترح عليّ إمكانية وجودي معها في غرفة العمليات إن أردت.

أجاوب بالتأكيد، قبل أن أمرر الفكرة على ذهني، وأتحرك معها بعد أن ارتديت الملابس المعقمة وجلست في زاوية الحجرة أراها ممدة أمامي تغلق عينيها ببطء بعد أن سرى البنج في عروقها وتدفقت كل مشاعري وذكرياتي معها على مدار الساعة، من جراء جراحتها كما تدفق المخدر في جسدها الغض.

أحب ابنتي “كارول” قبل أن أراها، وهي ما زالت داخل رحمي لا أعلم نوع الجنين، لم أكن أنتظر مولودًا مغايرًا في النوع، حيث كان رزقني الله بـ”كلارا” وعندما أخبرني “طبيب السونار” أنها فتاة فرحت كأنها الطفلة الأولى، ووضعت يدي عليها وحدثتها قائلة “أنتظرك يا ترتيلة الفرح”، نكزتني في أحشائي وشعرت أنها تبادلني الحديث وطبعت على قلبي قبلة حب.

لا أعرف من أين تلبستني روح الشجاعة لأذهب على قدميّ معها إلى حجرة العمليات وأنا أتجنب رؤية أي مشهد دماء على شاشة التلفاز! لأرى الطبيب يجرح رأس ابنتي الغالية بمشرطه وأعجز عن إيقافه، فانهمرت دموعي خوفًا عليها، فتضرعت لله أن يبقيها سالمة.

مرت الساعة بصعوبة بالغة، كنت أهرب من ثقلها بذكرياتي مع قرة عيني من يوم ميلادها، تذكرت الأيام الأولى لها في حياتي عندما كانت تهدأ من بكائها بمجرد أن أربت على رأسها وأحدثها بصوت خافت، وعندما كانت تطيل صراخها كنت أضعها فوق صدري في وضعية النوم، فتسمع ضربات قلبي وتذهب في نوم عميق.

كنت أنظر للساعة المعلقة على جدار الحجرة بانزعاج من صوت عقاربها، فأنا أرهف سمعي تجاه جهاز القلب الموضوع بجانبها، وأحاول أن أفهم إرشادات الطبيب لمساعديه، ولكني أفشل في فهم مصطلحاته الطبية لهم، فأهرب لذكرياتي مع صغيرتي الحلوة واستكمل دعائي لله.

تنتهى الجراحة بسلام وتسترد ابنتي وعيها وتنطق “ماما أنا موجوعة أوي”، لتجدني ممسكة بيديها أخبرها أنها ستكون بخير، أقبّلها كما لو أنها قبلتي الأولى لها، ولا أكتفي منها إلا عندما تخبرني “كفاية بقى”.

أتعجب لغريزة الأمومة وما زلت أحاول جاهدة فهمها، كيف نحب أطفالنا ونهتم بهم رغم كل الصعوبات التي نقابلها في تنشئتهم؟! كيف نتخطى مخاوفنا الشخصية في علاقتنا بهم فقط لأننا نحبهم؟! نحبهم ونتمنى لهم الأفضل وننحني لنجعل من ظهورنا جسرًا يصلهم لشاطئ أحلامهم مهما كانت مرهقة أو تضع فوق أكتافنا أعباء جديدة.

تسترد ابنتي عافيتها، وفي طريقنا للبيت تعاودني ذكريات يوم مولدها، وفي أعماقي أشعر أنها ولدت من جديد وأني رزقت حبها كما اليوم الأول، فالحمد لله على رحمته حمدًا يليق بجلاله.

تنظر إليّ مازحة كعادتها في المواقف الصعبة “ماما شكلي إيه وأنا خارجة من العملية؟ حلوة مش كده؟” أنظر إلى الضمادة الموضوعة على رأسها شاكرة الله، وأجيبها “قمر يا حبيبتي”.

المقالة السابقةبمناسبة عيد ميلادي
المقالة القادمةحطم أصنامك

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا