حطم أصنامك

617

من منا ليس لديه مثل أعلى يحذو حذوه في الحياة؟

من منا لم تصدمه حقيقة كون قدوتنا بشر ولا يمكن أن يتصف بصفات الكمال؟

 

في كل مرة رأيت نموذجًا ناجحًا وحاولت الاقتراب منه بشغف، كسرتني الحقيقة، وكسرتني معرفة أكثر من اللازم. ولو اكتفيت بنصف الحقيقة التي أعرفها وتوقفت رحلتي في البحث لانكويت بنار الجهل.

وما أدراك ما نار الجهل!

 

في زهرة عمري، وأقصد بزهرة العمر العام الذي أكملت فيه العشرين من عمري، كنت أنجذب لأي شخص ناجح أو ظهرت عليه علامات النبوغ، ألازمه باعتباره القائد الذي لا يخسر معاركه أبدًا، ولي في ذلك مصلحتان:

الأولى: أحقق أنا أيضًا نجاحًا سهلاً دون الحاجة لاتخاذ قرارات صعبة.

الثانية: أتعلم فنون القيادة وإدارة الأمور وكيفية اتخاذ القرارات الصعبة، ومن ثمّ أوّظفها في تحقيق نجاحي الخاص.

 

مرت الأيام وكوّنت رؤيتي الخاصة في الحياة حتى أصبح لي رأي مخالف في الحياة، ورؤية كونية تختلف عن رؤية من سمّيته قدوتي، والذي بالمناسبة لم يكن يكبرني سوى ببضع سنوات، ولكني كنت أكتم ذلك بداخلي حتى لا أحطم الصنم الذي صنعته له.. أكتم اختلافي لأنه القدوة ورأيه الأصوب بالتأكيد.

ثم تظهر النتيجة لأمر اختلفنا عليه، لأكتشف أن رأيي كان الأصح، ولو أني تكلمت لأنقذت ما يمكن إنقاذه.

 

بدأت خطواتي الأولى لتفسير بعض آرائي لقدوتي، والتي كان مُرحِّبًا ببعضها ورافضًا لأخرى.

حتى انكسرأول حاجز بيننا وبدأت أشعر بأن قدوتي في الحياة أصبح ندًا لي، ثم تحول من كونه ندًا إلى كونه شابًا فوضويًا وجوديًا غير ناضج بما يكفى من وجهة نظري.

ولكنه ظل قدوتي حتى انكسر أمامي مع أول عمل فوضوي مخالف لشعاراته التي ظل يرردها على مسمعي كثيرًا عن تقبل الآخرين والابتعاد عن الأحكام الظاهرية.

 

قدوتي انكسر أمامي لما رفض أن يحترم اختلافي عنه في الأفكار. فانكسرت معه.

هذا لأننا يكون من الصعب علينا أن نستوعب أخطاء قدوتنا في الحياة، ونفقد قدرتنا على مسامحتنا لهم أكثر من مسامحة الآخرين.

 

في الحقيقة عندما نتعامل مع أي قدوة يجب علينا ألا ننسى أنهم بشر، وحين نتعامل مع البشر يجب ألا ننسى المقولة الشهيرة:

“لا تعامل الناس على أنهم ملائكة فتعيش مغفلاً، ولا تعاملهم على أنهم شياطين فتعيش شيطانًا، ولكن عاملهم على أن فيهم بعض أخلاق الملائكة وكثير من أخلاق الشياطين”.

 

تجربتي الأولى مع قدوتي علمتني كثيرًا.. علمتني أنه ليس معنى أن أنتمي لجماعة أو حزب أن أؤمن بأفكاره كلية، وتعلمت أيضًا أن بعض الناس يتخذ من الشر قدوة والبعض يتخذ من الوهم قدوة، لم يعد غريبًا عليّ في مجتمعي أن أرى البعض يتخذ من هتلر قدوة في القضاء على أعدائه، ولم يعد غريبًا أن نرى أطفالاً يشوهون وجوههم كممثلين وممثلات هم أسوتهم في الحياة.

والبعض جعل من آبائهم وأمهاتهم قدوة حتى أنجبوا أبناء وكانت كلماتهم الأولى لن نربيهم كما تربينا.

 

تعلمت أن أطبق ذلك في حياتي.. أذكر أن مرشحي الرئاسي أثناء الانتخابات كان يدلي بتصريحات تثير جنوني.

ورغم حبي له لم يمنعني ذلك أن يرتفع صوتي معارضة لأفكاره أحيانًا. تعلمت أن أستاذي له فضل عليّ ولكن رؤيتي تناسبني أكثر، أو ربما تناسب عصري بشكل أكبر.

 

إن معرفه الحقيقة تولّد شعورًا بالصدمة، والصدمات الأولى هي الأصعب، والدموع التي تنساب عند معرفة الحقيقة هي الأكثر إيلامًا، ولكنها السبيل للخلاص من القيود.

إجمالاً.. كل ما أردت قوله إن قدوتنا بشر، وعلينا ألا نصنع منهم أصنامًا ونعبدها، فنُعَاقَب بمزيد من التيه والضياع.

 

حطموا أصنامكم.. والتمسوا الأجمل من كل جميل، واتركوا القبيح، فهو صفة إنسانية لا يمكن استبدالها أو القضاء عليها، لا يمكننا أن نصبح جميعا ملائكة.. ولكن يمكننا ألا نصبح شياطين.

 

المقالة السابقةإني رزقت حبها
المقالة القادمةلا تحنو على قلوب النساء إلا النساء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا