الأصوات اللي في دماغي من زمان موجودة، طول الوقت بفكر، طول الوقت أصوات وأحداث وحواديت وحوارات، كلها بتحصل جوة دماغي وكلها جزء من حياتي.
زمان، قبل الجواز، كنت طول الوقت بفكر، طول ما أنا في الشغل كنت بفكر في حاجات تانية غير الشغل، طول الوقت بخطط وبتكتك للحاجات اللي هعملها بعد ما وقت الشغل يخلص، وطول ما أنا برة الشغل كنت بفكر في المصايب اللي مستنياني على مكتبي.
دلوقتي بعد الجواز، طول الوقت بفكر، بخطط لبكرة وبعد بكرة، وبفكر في عيلتي اللي بقت بعيدة عني، وبفكر في شغلي، وبفكر في الأكل، وبفكر هنعمل إيه الويك إند ده، زوّدي عليهم أصوات أغاني وإعلانات شغالة كخلفية لأفكاري، الحالة اتطورت جدًا وبقيت طول الوقت دماغي شغالة، لدرجة إني في لحظة ممكن أكون واقفة في المطبخ وألاقي نفسي بقول بسسسسسس بقى، وأقعد أعدّ من واحد لعشرة عشان الأصوات تسكت، وبرضو مبتكستش.
لما قلت اللي بيحصلي ده في جمع من الستات، اكتشفت إني مش لوحدي، اكتشفت إن الستات كلها فيه أصوات جوة دماغهم، والرجالة كمان، بس الستات همّ اللي مبيعرفوش يفصلوا دماغهم وينزلوا يقعدوا ع القهوة أو يشوفوا ماتش كورة أو حتى يناموا من التعب.
أنا عايزة أعيش، أنا والستات كلها عايزين نعيش، عايزة دماغي تفصل، عايزة لما أحط دماغي ع المخدة مقعدش أفكر في خمسين فكرة، عايزة لما أقوم من النوم مقومش مخضوضة وحاسة إني ناسية حاجة.. أنا عايزة أعيش.
الستات طول الوقت معندهمش رفاهية الفراغ، اكتشفت ده مؤخرًا، فيه ستات بيشغلها تدبير حياتها ومتطلبات البيت والشغل والعيال، وستات تانية بتفكر في الكوافير والجيم والشوبينج، بس العامل المشترك بينهم إن كلهم طول الوقت بيفكروا وطول الوقت دماغهم شغالة.
الستات طول الوقت بيفكروا، بيفكروا لدرجة إنهم في لحظة بيكتشفوا إنهم عايشين حياتهم يفكروا وبس، وناسيين يعيشوا، أنا بقى عايزة أعيش.
أعتقد لو الستات كلهم انتبهوا للحقيقة دي هيزعلوا أوي من نفسهم وعلى نفسهم، زي ما أنا زعلت بالظبط، هيكتشفوا رغبتهم في إنهم عايزين يعيشوا ولو شوية صغيرين من غير تخطيط وتدبير وتفكير، من غير استهلاك طاقاتهم وأرواحهم اللي طول الوقت بيتم انتهاكها من عقولهم اللي مش بتبطل شغل، هيكتشفوا إنهم زيي بالظبط، عايزين يعيشوا.
الست عايزة تعيش، عايزة لما تحط دماغها ع المخدة متفكرش في الطماطم اللي بقت بـ8 جنيه، ولا تفكر في مصاريف مدرسة الولد اللي لسه مكملش 3 سنين بس لازم يبتدوا يحوشوا لمدرسته من دلوقتي، عايزة متفكرش في جوزها اللي مزعلها أو حماتها اللي معكننة عليها، ومتفكرش كمان في أد إيه المشهد الفلاني من المسلسل الفلاني كان مؤلم جدًا، عايزة متفكرش في هتعمل أكل إيه بكرة، وإيه المصيبة اللي مستنياها الصبح في الشغل، مش عشان الحاجات دي مش مهمة، إنما عشان هي كده كده هتفكر في ده وهتعمله في وقته، فمفيش داعي للكلاب اللي بتجري في دماغها طول الوقت ومطيرة النوم من عينيها.
الستات عايزة تعيش، وأنا عايزة أعيش زيهم، أنا مش عارفة بالظبط ده ممكن يحصل إزاي، معنديش وصفة مجربة هتعمليها فهتعرفي تنظمي تفكيرك وتبطلي ترهقي نفسك وتستهلكي طاقتك طول الوقت، وده لأني مضروبة في نفس الخلاط زيك بالظبط. بس أعتقد إن الرغبة في حد ذاتها ممكن تساعدك في تحقيق الهدف.
فيه ناس هتقولك اشربي ينسون قبل ما تنامي، وناس هتقولك اقري حاجة خفيفة، وناس هتقولك استغفري ربنا لما تلاقي الأصوات عليت أوي جوة دماغك، فيه ناس هتقولك خدي دش دافي وناس هتقولك خصصي وقت من يومك ليكي لوحدك، ناس هتقولك اسمعي مزيكا وناس تانيين هيقولولك اهلكي نفسك في شغل البيت عشان متفكريش.
أنا مش هقولك حاجة معينة، أنا بس هقولك إنك مش لوحدك، يمكن ده يساعدك شوية ويخليكي تحسي إنك مش مجنونة ولا حاجة، وتعرفي إن دي طبيعة في كل الستات، من أول الست اللي مصروف بيتها مبيكفيش لحد الست اللي الكوافيرة بتاعتها أخدت أجازة وهي مش عارفة تصبغ شعرها قبل عيد ميلاد صاحبتها الأنتيم.
مش هقولك إنك كده غلطانة، إنما هقولك إن دي طبيعة عندنا كلنا، وإنك لو معرفتيش تفصلي دماغك متزعليش من نفسك ولا تزعلي عليها، لما تلاقي الأصوات مش عايزة تسكت فكري أد إيه إنتي مهمة لدرجة إنك طول الوقت بتفكري لكل اللي حواليكي وعندك مهام كبيرة أوي في حياتك شاغلة دماغك وواكلة وقتك.
هقول لنفسي وهقولك إن عندنا مسؤوليات كتير وإننا مهمين أوي، وإننا أوقات مبنعرفش نفصل، بس هنفضل نحاول، هنخرج خروجة حلوة أو هنعزم اللي بنحبهم عندنا في البيت ونقعد نرغي معاهم، هنفضل نعافر عشان نعيش.
هقولك بس إننا بين وقت والتاني هنحاول نفصل، وأنا هفضل أحاول، عشان أنا عايزة أعيش.