أصبح الآن عندي تلاتين سنة

1185

“إلى أحمد..

اللي خلى التلاتين أحلى مما كنت أتصور”.

 

أصبح عندي الآن تلاتين سنة، وهذا حدث لو تعلمون عظيم.

الحكاية وما فيها إني طول عمري بحلم باليوم اللي أوصل فيه لسن التلاتين، آه والله، تقدروا تقولوا إني من الستات القليلة اللي بتحب تكبر في السن. لدرجة إن آخر 10 سنين في حياتي كنت بتتبع مرور الأيام بشغف عشان أوصل لسني الحالي.

 

وعلى عكس ناس كتير مكنتش بفكر في التلاتينات من منطلق عايزة أكون محققة مجموعة من الأهداف لما أوصلها، أو حتى أبدأ أحقق أحلام معينة من بعدها، لأني كده كده ماشية في الحياة وسايبة الأحلام تاخد مجراها. لكن كنت بفكر إن ده السن الذهبي للمرأة، واللي المفروض تكون فيه في قمة كل حاجة، قمة الأنوثة، قمة النضج العقلي والأهم النضج العاطفي، حاجة كده زي الفنانين لما بيقولوا قمة المجد الفني، هو الواحدة هتكون عايزة إيه غير إنها تتربع فوق أعلى الهرم بتاع كل حاجة؟!

 

فضلت دي مشاعري تجاه التلاتينات لحد ما وصت لسن الـ29 وهنا أنا اتخضيت بقى! إيه ده أنا كبرت! أنا داخلة على التلاتين بجد؟ آه عارفة عارفة دي قمة الهرم وكل حاجة بس ما يعني بحسبة مش محتاجة ذكاء اللي بييجي بعد القمة بيكون انحدار وعودة تاني لنقطة الصفر. ومش بس كده لأ ده أنا تفكيري تطرق للموت وما بعد الموت… إلخ… إلخ، وأنا الأفكار دي بتخوفني جدًا فبدأت أتضايق.

 

مش أتضايق من وصولي للتلاتين أد ما أتضايق من رد فعلي، لأن أنا كده كده داخلة عليها ومش هينفع أعمل مارشيدير وألفّ وأرجع تاني. وبقى كل اللي بفكر فيه إني هضيع على نفسي البهجة اللي كنت مستنياها ولحظة اكتمال التلاتين، بدل ما هتعدي عليّ وأنا بضحك وفرحانة ومزأططة زي ما كنت بتمنى، هتعدي عليّ وأنا مكتئبة وخايفة وحاسة إني عَجِّزت.

 

الشعور السلبي ده مراحش فعليًا لحال سبيله إلا قبل عيد ميلادي بشهر تقريبًا، لما بدأت أستعد وأنفخ البلالين عشان عيد الميلاد، آه أصل أنا من ضمن الخطط اللي كنت مدَكِّناها لعيد ميلادي التلاتيني إني أعمل حفلة كبيرة وأعزم فيها المقربين من قلبي عشان نحتفل سوا، المقربين بس، ما خلاص بقى الواحد كبر على إنه يشوف ناس مش عايز يشوفهم أو يجامل ناس وجودهم في الحياة صفر على الشمال بالنسباله، وقد كان.

 

عزمت كل صديقاتي المقربات على عيد ميلاد مجنون جدًا، حيث إني قررت إن الاحتفال هيكون عبارة عن حفلة تنكرية نسائية بحتة عشان كل واحدة تكون على راحتها ونبَدَّع بقى، ومش هحكيلكم على اللي حصل، إيه ده! دي البنات كلها ما صدقت.

 

حفلة مبهجة جدًا ويوم مش هيتنسي بالنسبالي، وأرواح بنات بتضحك وتهفهف في كل جزء في المكان، ناهيكم عن التنوع الثقافي والحضاري في الأزياء التنكرية اللي حصلت، واللي كل ما أفتكرها لحد دلوقتي أبتسم من الودن للودن، والأهم إني أخيرًا حققت حلم من أحلام حياتي، بإني مش بس أحضر حفلة تنكرية، لأ ده كمان أنا اللي منظماها ومتنكرة فيها بالهيئة المقربة إلى قلبي على الإطلاق “الساحرة الشريرة”، صحيح اكتشفت إني مكنتش شريرة أوي بس ملحوقة تتعوض المرة الجاية، إحنا خلاص عرفنا السكة.

 

وكانت تلك هي بداية التلاتينات الجميلة، واللي ما زالت مدهشة في مفاجآتها، حيث إن جوزي الحبيب والعظيم فاجئني مفاجئة عمري بمناسبة هذا العيد ميلاد المجيد، وبقيت مش ملاحقة على السعادة من هنا ولا من هنا، وما زلت حتى هذه اللحظة فرحانة وحاسة إني عملت أكبر إعادة شحن كان ممكن أعملها لحياتي، بعد فترة طويلة من الاكتئاب المتصل وعدم القدرة على تحمل حتى أتفه الأشياء المزعجة. منه لله اكتئاب ما بعد الولادة.

 

وأخيرًا.. أحب أقول لكل واحد أو واحدة متضايقين من سنهم ودايمًا بيرددوا إنهم كبروا أو راحت عليهم حتى لو كان لسه عمرهم 23 و24! بالله عليكم حبوا سنكم وعيشوه، بلاش تضيعوا عمركم ما بين الحسرة على السنين اللي فاتت أو بين انتظار أحلام لسه هتتحقق في سنين جاية عشان ساعتها بدل ما هتعيشوا حياتكم هتقعدوا مستنيين وحاطيين إيديكم على خدكم لحد ما تكتشفوا فجأة إن الوقت جري.

 

كل سن وله جماله، وعمر الشباب ما كان بالشكل أو لون الشعر أد ما له علاقة بعمر الروح اللي جواكم، عشان كده كل ما تبصوا لصورتكم في المرايا وتشوفوا تجعيدة جديدة ولا شعرة بيضا ابتسموا، واعرفوا إن ده دليل الخبرة والتجربة وإنكم ماشيين لقدام مش واقفين في مكانكم متحركتوش.

المقالة السابقةانتبهوا.. إنهم يسرقون طفولة أبنائنا!
المقالة القادمةجدّ الزيتون
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا