أسئلة وأجوبة عن تجربة 1: الفرح ولا السفر؟

618

جميعنا يظن أنه مختلف.. وهو ليس ظنًا في الحقيقة، جميعنا مؤمن أنه مختلف، مختلف لأن اعتقاداته مختلفة، لأن أولوياته مختلفة، ولأننا نظن أننا في وقت القرار الكبير سنتصرف بشكل مختلف، ولكن الصدمة تكون دائمًا في هذه اللحظة التي نكتشف فيها أن هذا كله “ولا حاجة”ّ!

 

فلاش باك – 23 فبراير

يوم خطوبتي

نشترك أنا وخطيبي في كثير من الأشياء.. نحب السينما والموسيقى ونتقاسم طموحًا كبيرًا في مجال مهني واحد، ولنا دائرة واسعة من الأصدقاء المشتركين، ولكنني أرى أننا شخصيتان مختلفتان إلى حد كبير، وهذا شيء لا يزعجني أبدًا، ولكننا نتفق في شيء كان هامًا جدًا هنا، كلانا يبغض الأفراح.. كلانا لا يكره شيئًا بقدر الزحام والأغاني الشعبية.

 

كان حفل خطبتنا عائليًا -كما اتفق- وثلاثة أصدقاء مقربون لكل منا، تجمُّع بسيط تناسبه أغاني حضَّرتها في قائمة بمشاركة أختي.. عمرو دياب، أصالة، حماقي وتامر حسني، وطبعًا لا حاجة لأن أخبرك -عزيزي القارئ- في أي لحظة سيفرض صوت شادية نفسه.. يا دبلة الخطوبة، وهذا هو كل شيء.

 

كنت سعيدة كما لم أكن يومًا من قبل، لهذا لم أنتبه قبل نصف ساعة من كون الجميع متأففين، شيء من ملل تسرب إلى نفوسهم.. بدأت الأحاديث الجانبية، والنظرات الحائرة، إلى أن نفَّذت أختي القرار الأهم في اليوم، القرار الفارق والأكثر بساطة مما قد تتخيل، التحول للأغاني الشعبية!

 

في لحظة واحدة، ترك الجميع مقاعدهم، اتسعت الابتسامات، وتمايلت القدود.. ورقصت أنا شخصيًا وأنا التي لُقبت بملكة “هز الكتف” عن جدارة واستحقاق، وهنا قررت.. بل وقررنا جميعًا هذا القرار الذي ظننت عمرًا أنني لن أقرره أبدًا، والذي كان واحدًا من الأسباب التي تخيلت لأجلها أنني فتاة مختلفة، استثنائية.. قررت إني “هعمل فرح”!

 

طيب.. الفرح؟ ولا السفر؟

كنت أتمنى، وتتمنى كل الفتيات لو أنني لم أكن مضطرة لأن أقع في هذه الحيرة، ولكن العين بصيرة، والإيد قصيرة جدًا، ولو أن للزواج عيوبًا، فإن أحدها أنه يكشف لك أنك لست ثريًا كما كنت تظن، وأن قائمة مشتروات تضم سفرة وأنتريه وغرفة نوم وأخرى للأطفال قبل مجيئهم بشهور أو ربما سنوات، ونجف وتحف ومراتب ورفايع وغيرها الكثير، تتركك في النهاية “على الحميد المجيد”، وبغير سبيل لأن تملك رفاهية تحقيق كل أحلامك، لأنك بالكاد ستتمكن من تحقيق حلم واحد.. فقط.

 

الذين يحلمون بأن يجوبوا العالم، أكثر كثيرًا من الذين فكروا في أن يطلوا بالأبيض.. وأنت لو خيَّرت أحدًا ما بين الرقص المجنون على مهرجان يحمل اسم “براويزا” دون أن يعرف أحد ما هي البراويزا أصلاً، وجلسة هادئة كحلم على شاطئ ذهبي الرمال لاختار الثانية دون تفكير.. لأن المغامرة، وتجربة أشياء جديدة، وأصناف طعام مختلفة، أمور مغرية.. بل قد تكون الأكثر إغراءً على الإطلاق بالنسبة للبعض، خصوصًا إن كنت ستخوض هذا كله بصحبة حبيب صار أخيرًا شريك حياة.

 

“اللوجيك” يقول، إنه لو كان بإمكاننا أن ننفق آلاف الجنيهات، فمن الأفضل ألا نفعل “عشان كام ساعة”، خصوصًا أن آلاف العروض والرحلات إلى المالديفز وتونس ولبنان وإندونيسيا تنتظرنا، ولكن البعض مثلي.. لا يغريهم المنطق في كثير من الأحيان، لا لأنهم متهورون.. مائلون لكسر المألوف لمجرد الرغبة في ذلك، ولكن لهم في ذلك أسبابًا قوية مقنعة.

 

البعض يعرف قيمة اللحظة، ولا يقيس المتعة بزمن، البعض علمته الحياة أن دقيقة من السعادة الخالصة الحقيقية، تساوي ساعات بل وأيامًا، وأن السعادة وحدها تزيد إذا قسّمتها على كثيرين، فرحة صديق، ولمعة عين آخر، استعداد الجميع لهذا الحفل، فساتين الصديقات، وإعداد قائمة الأغاني برفقتهن.. كلها وغيرها أمور تملأ الأيام بهجة لأيام وأيام قبل حفل الزفاف.

 

قررت أن أطل بالأبيض.. وأن أرقص على الأغاني التي رقص عليها العشرات من أصدقائي وأقاربي من قبلي.. سأختتم الحفل بـ”يا سهر الليالي”، وسألقي باقة الزهور للصديقات، سأفعل كل الأشياء التي قلت إنني لن أفعلها يومًا، سأفعلها بمنتهى السعادة.. سأفعلها بشغف.

السعادة لحظة.

المقالة السابقةكدمة زرقا
المقالة القادمةفيلم Tully.. القويات هن الأمهات
منى عبد الفتاح
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا