أربع ومضات أولى لا تنسى في 2018

379

 

مرت الأيام كغمضة عين وقاربت السنة على الانتهاء، ولكن تبقى بعض الومضات التي تعلق بالذاكرة محفورة في عقلي، لأنها كانت بالنسبة لي أول مرة، أربعة أمور تركت في نفسي مشاعر مختلطة بين السعادة والفرح والحزن والمفاجأة.

السعادة

أن ترى جزءًا من أحلامك يتحقق، كم حلمت وكم تمنيت أن تلتحق ابنتي بكلية الفنون الجميلة لأنها تعشق الفن ولا ترى نفسها إلا فيه، وكنت أخشى ويتملكني الخوف أن يحول المجموع بينها وبين هذا الحلم، أو تخدعنا وتفاجئنا اختبارات القدرات أنها غير لائقة كما حدث مع كثيرين، ولكن يكرمنا الله بالنجاح في القدرات والمجموع المناسب بل وأكثر مما كنا نحتاج للكلية، وتكتمل سعادتي بتطورها الفني السريع، حتى فاقتني فنيًا وأنا التي أكبرها بعشرات السنين. وتكتمل سعادتي هذا العام أن نشترك معًا في معرض واحد وتحوز لوحاتها إعجاب الجميع وتبيع لأول مرة لوحة لها بملغ كبير من المال، الأمر الذي أسعدها وأسعدني.

الفرح والبهجة

أول مرة في الخيامية، ذلك المكان الملهم العجيب، احتجت لمنزلي مفارش من نوع الكليم الملون وبحثت عنها كثيرًا على الإنترنت وفوجئت أنها تُباع في مكان يبعد عني ربع ساعة فقط، آخر شارع المعز بالقرب من باب زويلة ومنطقة باب الخلق، ورغم أني أسكن بالقرب من المنطقة أكثر من عشر سنوات كانت هذه أول مرة أذهب إلى هناك، قصدت المكان فوجدته يشع بالجمال، رائحة مصر القديمة التي كنت أراها في صور المستشرقين مباني تاريخية جميلة ترجع بذاكرتك إلى العصور الفرعونية والإسلامية والمملوكية في آن واحد، ورش كثيرة للحرف اليدوية، ابتسامة أهل المنطقة وترحيبهم الشديد بالمارة كما لو كانوا جزءًا من عائلتك، والجمال كل الجمال تجده في المنتجات اليدوية للخيامية، مفارش وخداديات وشنط ولوحات كلها من القماش الذي خاطته أصابع فنان متدرب كيف يضع بحسه الرائع اللون بجوار الآخر في تنسيق عجيب ودقة كما للوحات فنية تشكيلية جميلة.

كانت هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة لما تركته معي من بهجة وفرحة استقرت في داخلي وذاكرتي من زيارة المكان.

الحزن

وكل الحزن في 2018 كان لفقد زوج أختي الذي كان بمثابة الأب والأخ الأكبر، والحزن الشديد امتلك القلب لأنه كان فقدًا مفاجئًا دون مقدمات، الشخص المملوء بكل الحيوية والذي يملأ حياتنا بأحاديثه وحكاياته ومجادلاته المرحة المملؤة بالابتسامات والمرح والتنزه يرحل فجأة تاركًا لنا الكثير من التساؤلات، إن كنت في قرارة نفسي لا أعترف أنه قد رحل، وأرفض ذلك في داخلي وكأنه غائب أو في رحلة وسوف يعود كما اعتدنا سفرياته السابقة، وإن كان علينا أن نسلم لأمر الله.. ولكن يبقى الحزن على الفراق يسكن الأعماق.

المفاجأة

العجيبة الغريبة كانت في سؤال صادم أول مرة يوجَّه لي، حيث كنت في تدريب للكتابة عن موضوعات الثقافة الجنسية وكانت السيدة التي تحاضر (وهي شخصة مثقفة جريئة ولطيفة في ذات الوقت) تسأل المتدربين عن اسم العضو الجنسي كما تعلمه في طفولته. كان السؤال عاديًا عند البعض، خصوصًا الذكور، وكان عند آخرين مُربكًا، أما بالنسبة لي كان محيرًا، اكتشفت أني لا أعرف له اسمًا واضحًا، فقد كانت أمي إذا أرادت أن توجهني عن شيء تشير أو تلمح لي من بعيد، ولكني لم أعرف لهذا الجزء من جسمي اسمًا. حتى وصلت للمرحلة الإعدادية والثانوية لم أتعلم إلا أسماء قرأتها بمفردي، حتى لم أكن أعرف إن كنت أنطقها بطريقة صحيحة أم لا، وذلك لأن مُدرِّسة العلوم رفضت شرح الجزء وطلبت أن نقرأه بمفردنا.

في نهاية المحاضرة اكتشفت كم كنت مغيبة لسنوات أجهل الكثير، وأن الأمر في منتهى البساطة، وتساءلت لماذا كان كل هذا الخجل والحرج والغموض وهي أعضاء خلقها الله فينا، مثل العين والفم والأذن، لماذا لم تقل أمي بكل بساطة هذا العضو في الأنثى اسمه “فَرج” وفي الذكر اسمه “قضيب”، وهذان “ثديان” رمز الأنوثة لا خجل منهما، فهما جزء جميل في الجسم ولهما دور عظيم، فقد خلقنا الله ذكرًا وأنثى بلا عيب، وفي أجمل تكوين. وتحول حرجي إلى رغبة في القراءة والدراسة أكثر في هذا المجال، وأخذت على عاتقي أن أضع في خطط عملي القادمة رسم وكتابة كتب للأطفال تشرح لهم جسمهم وتكوينه بطريقة علمية وبسيطة تناسبهم، فالمعلومة الصحيحة الصادقة تحميهم من أن يسلكوا طرقًا خاطئة غير مضمونة للحصول عليها.

أتمنى أن أكتب في 2019 أني أنجزت بعض هذه الكتب الثقافية، وزرت الخيامية أكثر من مرة، بل وأكتشف جمال بلدي في أماكن أخرى وأستمتع به، وأتغلب على أحزان الفقد وأسعد بالرسم مع ابنتي. وتكون لي ومضات أكثر فرحًا وسعادة.

المقالة السابقةكلاكيت أول مرة.. 5 أفلام في حب التجارب الأولى
المقالة القادمةسنة أولى جواز

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا