حوار مع أخصائي الطب النفسي: لهذا يصعب علينا فهم مشاعرنا

2234

أحيانًا ما تختلط علينا المشاعر تجاه مواقف معينة، فلا نعرف إن كنا نشعر بالحزن أم بالغضب أم بالإحباط، أو أحيانًا نوضع في موقف فنشعر تجاهه بشعور معين يستغربه كل من حولنا، كأن يكون الموقف يستدعي الغضب، فنجد أنفسنا نشعر بالحزن. ورغم أن لا أحدًا لديه الحق في إملاء كيفية الشعور تجاه المواقف على الآخرين، فإن هناك لحظات معينة نرى نحن أنفسنا بأن شعورنا غير لائق أو غير منطقي، فنبدأ بالإحساس بعدم التوازن وعدم القدرة على التصرف بشكل صحيح.

جعلني هذا الأمر ألجأ إلى الدكتورة دينا الشيخ، أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، إن كان ما ظننته صحيحًا، فأكدت الأمر أن هناك حالات كثيرة  يستبدل فيها الشخص مشاعره بمشاعر أخرى، ولهذا أسباب عدة تشرحها لاحقًا.

أهمية تعريف المشاعر

في البداية تؤكد د. دينا أن معرفة كنه المشاعر التي تعترينا، هي الخطوة الأولى للتصرف الصحيح إزاء المواقف المختلفة، وحتى يكون رد الفعل مناسبًا للموقف نفسه، ومُرضيًا للشخص نفسه، فلا تنتابه فيما بعد أحاسيس الندم أو الذنب. من المفترض أن الشخص السوي المتصالح مع مشاعره يستطيع دائمًا أن يتعرف على مشاعره ويتصرف وفقًا لها، ولكن يوجد الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون التعرف على مشاعرهم بشكل صحيح، أو تحل مشاعر لديهم محل مشاعر أخرى.

تكمل د. دينا أن مشاعر الإنسان هي دوافعه لسلوكه الشخصي تجاه المواقف، وبناءً على تغير المشاعر يتغير السلوك ويتغير التعامل مع الموقف، كما أن كل المشاعر مهمة، حتى التي يعتبرها البعض مشاعر سلبية، مثل مشاعر الغضب والخوف والاشمئزاز، فهذا الأمر غير صحيح ولا توجد مشاعر سلبية وأخرى إيجابية، بل كل المشاعر مهمة، وقد تصل بأهميتها إلى الحفاظ على روح الإنسان في حالة تواصله معها بشكل صحيح وسوي.

بالإضافة إلى كل هذا، فإن المشاعر محفزة على التصرفات المختلفة، فهي تساعد على التواصل مع النفس ومع المحيطين بشكل سليم، كما أن مشاعرنا في الأساس إشارات مهمة لقراءة المواقف المختلفة، فإن كانت المشاعر التي توجه شخصًا ما مزيفة، فقد تؤدي به بالتالي إلى تصرفات غير ملائمة للموقف، وقد تعرضه للخطر.

أنواع المشاعر وأسباب الاختلال

تصنَّف المشاعر إلى فئتين، مشاعر أولية أو أساسية، وتتمثل في مشاعر الفرح والحزن والغضب والخوف والاشمئزاز، وهي المشاعر التي يولد بها الإنسان وحتى الحيوان أيضًا، فتكون مشتركة لدى الجميع. بينما جميع أنواع المشاعر الأخرى مثل الخزي والعار والفخر والقلق والتوتر، هي مشاعر ثانوية يطوّرها الإنسان كلما زاد في العمر وزادت خبراته الحياتية.

ترجع د. دينا عدم القدرة على التعرف على المشاعر بالأساس إلى أحد هذه العوامل أو أكثر:

1. عدم القدرة على التواصل مع المشاعر والتعامل معها، وافتقاد الأدوات التي تمكنه من هذا التواصل، حتى وإن كان الشخص مؤمنًا أن هذا الشعور من حقه ولا يوجد خطأ في الإحساس به، إلا أن افتقاد مهارات التواصل مع المشاعر يؤدي في النهاية إلى صعوبة التعرف عليها.

2. تعزيزات المشاعر من الطفولة، وهي المشاعر التي عززها الأهل في الطفل بالحكايات والمعاملة اليومية، مثل تعزيز مشاعر الخوف والحد من مشاعر الفرح.

3. خرافات المشاعر التي يغرسها المجتمع في نفوس الأشخاص، مثل أن الإحساس بالفرح مكروه ويسبب المصائب، أو أن الرجال لا يجدر بهم الشعور بالخوف بينما لا يجب على النساء أن تترك مساحة لمشاعر الغضب.

4. الإحساس بالإرهاق والتعب الدائم من صعوبة التعامل مع شعور معين، فيلجأ العقل للخداع من أجل إراحة الشخص من الأمر المتعب الذي ينتظره.

5. أحيانًا ما يكون السبب وراء الخلط بين المشاعر أمر بيولوجي بحت، يتعلق بالهرمونات واختلال في الغدد أو في المستقبلات العصبية، وعندها يجب استشارة طبيب باطني.

تضيف د. دينا أن في حال كنا نشعر بوجود خلل في تعريفنا لمشاعرنا، يجب علينا حينها مراقبة ردود أفعال أجسامنا في كل حالة شعورية، وهذا لأن أجسامنا تتعامل مع كل شعور بشكل مختلف عن الآخر، وفي الأساس من المفترض ألا يكون هناك خلل في تعريف المشاعر، ولكن غالبًا ما تصاحب الاضطرابات النفسية مشكلات في المشاعر، وهو ما سيظهر بالتأكيد في العلاقات العاطفية والاجتماعية للشخص، إذ أن المشاعر هي بوابة العلاقات، وبالتالي ستكون هناك مشكلات دائمة في العلاقات مع هذا الشخص.

العلاج وتعليم الأطفال

لم تتلق أجيالنا والأجيال السابقة تعليمًا حقيقيًا فيما يخص المشاعر وتعريفها والتعبير عنها، وتُرك الأمر بحسب أهواء أولياء الأمور والمجتمع المحيط في المنزل والمدرسة ووسائل الإعلام، ولكن يمكن تدارك هذا الأمر حتى وإن كبر سن الشخص، بالقراءة عن المشاعر والتغيرات الجسدية التي تصاحبها.

هناك مدرستان لتعريف المشاعر، الأولى هي المدرسة المعرفية السلوكية، والثانية هي المدرسة الجدلية السلوكية، تقول د. دينا إن من الممكن لأي شخص القراءة في أي من المدرستين ومحاولة التطبيق على نفسه، كما أن من الأفضل اللجوء للمتخصصين في حالة صعوبة تعريف المشاعر، لدرجة تسبب مشكلات كبيرة في الحياة الشخصية.

أما لأطفالنا، فتؤكد د. دينا ضرورة الابتعاد عن الأخطاء التي مورست من قبل، وهي تعزيز مشاعر محددة في الطفل، كالخوف على سبيل المثال، ومحاولة إبعاد الأطفال عن خرافات المشاعر التي يبثها المجتمع طوال الوقت، وتعليمهم منذ الصغر بكيفية التعرف على مشاعرهم بأبسط الطرق الممكنة، والتدرج في طريقة التعليم كلما كبر عمر الطفل.

أبسط طريقة لتعليم الأطفال هي الوجوه التعبيرية وما تشير إليه، مثل حزين وسعيد وغاضب، هنا يتعلم الطفل كيف يبدو شكل الشخص الذي ينتابه هذا الشعور، ثم التدرج بالحكي عن كل شعور على حدة، واختيار القصص التي لا تحكم على الشعور بكونه شعورًا جيدًا أو سيئًا، بل تهدف إلى الفهم والتقبل واحتواء هذا الشعور، وهو ما انتبهت إليه الكثير من المؤسسات الأجنبية والعربية، فأنتجت قصصًا تشرح لماذا يشعر الشخص بالغضب أو الحزن أو الخوف، وهي مشاعر يسعى البعض إلى دفنها بعيدًا، ولكنها في الحقيقة مشاعر إنسانية لا يمكن التهرب منها.

لعل أبرز مثال واضح على ذلك كان فيلم الرسوم المتحركة Inside Out، حيث كانت الطفلة طوال الوقت تسعى لتكون سعيدة حتى في أحلك أوقاتها، فهي المشهورة بالضحك والفرح، ولكنها لم تستطع التعامل مع الحزن في البداية، حتى أدركت أخيرًا أن الحزن ليس أمرًا مخجلاً أو مشينًا، وأن في هذه المشاعر ما يجعلنا آدميين في نهاية المطاف.

اقرأ أيضًا: كيف يأكل القلق المشاعر الأخرى؟

المقالة السابقةومتى القلب في الخفقان اطمأن؟!
المقالة القادمةخائفة من شيء ما

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا