حوار حول توازنك النفسي وسط قصص الاعتداءات الجنسية

2064

انتشرت الفترة الأخيرة أخبار كتيرة عن حوادث التحرش والاغتصاب، أرقام وقصص وصور ومحادثات وتفاصيل مؤلمة جدًا لأي حد عاش قصة مشابهة، ومقلقة جدًا حتى للي متعرضتش لده بنفسها. إزاي نقدر نحافظ على توازننا النفسي في وسط كل هذا الكم من الأخبار؟ هنعرف ده من حوارنا مع الجميلة نهى النجار: المعالجة النفسية بجامعة care الدولية، وباحثة دكتوراه في جامعة عين شمس.

إيه تأثير التعرض لقصص وحوادث التحرش والاغتصاب، خصوصًا على الستات أو البنات اللي اتعرضوا لده ومخضعوش للعلاج؟

فيه حاجة اسمها Trigger، يعني مثير أو محفز. وده حاجة بنتعرضلها بتفكرنا بموقف عشناه قبل كده. حاجة زي ريحة شمتها، صورة شوفتها أو كلمة سمعتها في موقف قبل كده، ده بيخلي المخ يفتكر الموقف ده ويستحضره ويعيشه، ويتصرف كأننا في الموقف ده دلوقتي تاني. ومش بيقدر يميز إن الموقف ده مش بيحصل فعلاً دلوقتي. المثير ده مهما كان حاجة بسيطة قوي، بيقدر يرجعلنا كل المشاعر والأفكار اللي كانت جوانا وقت الواقعة دي، ورد فعل المخ على ده بتكون حاجة من دول: Freeze, Fight, Or flight.

يا إما بيتجمد تمامًا، بيحصله شلل مؤقت فلا يعرف يفكر ولا يقاوم ولا يتصرف. يا إما بيتخانق ويندفع ويهاجم بعنف شديد أكبر بكتير من حجم الموقف اللي حصل، لأنه بيطلع فيه غضب قديم مكتوم. يا إما بينسحب ويستخبى ومياخدش أي رد فعل. استجابات العقل دي بتكون غير مسيطر عليها تمامًا، وبتحصل غصب عننا وبشكل غير واعي. عشان كده منقدرش نلوم نفسنا أو نلوم أي ست إنها اتجمدت في موقف ما ومقدرتش تقاوم.

إيه هي مظاهر نوبات القلق اللي ممكن تظهر على الناس تأثرًا بالقصص المنتشرة دلوقتي؟ وإيه الفرق بينها وبين مشاعر القلق؟

مشاعر القلق حاجة طبيعية، وده نوع من أنواع المشاعر اللي طبيعي تحس بيها على مدار اليوم. إحنا بنمر بفرح وحزن وغضب وإحباط وقلق وهكذا. القلق بييجي ينبهني إن فيه حاجة مش مظبوطة أو حاجة أنا خايفة تحصل عشان آخد احتياطاتي، قلقانة إن كاوتش العربية يفرقع عشان صلاحيته انتهت فهروح أغيره.

نوبة القلق دي اضطراب، فيه الشخص بيفقد السيطرة تمامًا ودماغه بتبقى كأنها مش في أرض الواقع، كأنك جرّيت فيلم وروحت للمستقبل، وبتتصرف على أساس إنك هناك مش هنا. وده بيظهر على الناس بشكل من الأشكال التالية:

– مظاهر تجنبية: يعني تحسي إنك مش عايزة تعرفي حاجة أو تسمعي حاجة عن موضوع معين. تحسي إنك عايزة تبعدي عن المجتمع وتتجنبي أي حاجة ممكن تتسببلك في أي انزعاج، فبتشيلي فيشة المشاعر كلها وتعيشي بعقلك بس من غير ما تحسي بأي حاجة، وبتفقدي كمان الإحساس بجسمك وبروحك.

– مظاهر المعايشة المتكررة: كأنك بتعيشي في الحدث وعمال يتكرر في دماغك، أي محفز بسيط يرجعك للحدث تاني ويخليكي تعيشي الموقف بكل مشاعره، ويدخلك في ردود أفعال زي اللي اتكلمنا عليها فوق. ودي مشكلة كبيرة ومهم إننا نعرف نميز إن ده مجرد محفز حرك جواكي مشاعر الصدمة تاني، لكنك مش في الصدمة نفسها. It’s just a trigger, it’s not a truma.

– أعراض زيادة الاستثارة: فيها النوم بيتأثر، والأكل بيتأثر، وبتبقي حاسة إنك غضبانة طول الوقت ومتحفزة، مش منتبهة، وسهل جدًا تفقدي أعصابك مع أقل مثير تتعرضيله.

– الخروج من نافذة التحمل: كلنا عندنا إطار شباك بنعيش جواه، أحيانًا بنخرج منه لما بنبقى مش قادرين نستحمل حاجة معينة حصلت، ساعات نطلع فوق نافذة التحمل بتاعتنا، وساعتها بنبقى متنرفزين وغضبانين وبنفسر كل اللي حوالينا بشكل متحفز، وساعات بنبقى تحت نافذة التحمل، وساعتها جسمنا بيبقى كأنه حصله “شات داون” زي الكمبيوتر. الحواس كلها مش شغالة، عايزة أنام طول الوقت -مش إرهاق لكن هروب- وأجهزة جسمي كمان مش شغالة.

إزاي نقدر نحتوي المشاعر اللي هتتدفق جوانا ونتعامل معاها بشكل صحي؟

بإنك تسمحي لنفسك إنك تحسي بكل المشاعر اللي تدفقت جواكي أيًّا كانت المشاعر دي، فكلها مرحب بوجودها جواكي، وهي جاية عشان توصلك رسالة تفيدك بيها وتمشي. حتى لو كانت مشاعر تقيلة شوية زي الخزي أو الألم. احتوي المشاعر دي وخليكي متأكدة إنها مش دايمة، وإنك مش هتغرقي فيها، وإنها مش هتموتك، وإنك هتقدري تستحمليها وهتعدي.

المخ ممكن يبقى فاكر إنه مش هيقدر يسيطر عليها أو يتعامل مع الموقف، زي ما حصل وقت الواقعة قبل كده، لكن في اللحظة دي وفي الموقف ده الوضع مختلف، وهتقدري تتحكمي في مشاعرك وتصرفاتك. وبإنك تكتبي المشاعر دي أو تفضفضي بيها لحد مش بيحكم عليكي، أو تروحي بيها لمعالج نفسي.

إزاي لو تعرضت لمثير أقدر أتجنب إني أدخل في تروما تاني أو أقدر أخرج منها؟

– تبعدي عن بعض المصادر المحفزة للتروما، ودي قوة مش جبن، عكس ما ناس كتير فاكرين.

– تتواصلي مع مصادر الدعم اللي حواليكي، زي أصدقاء بتثقي فيهم وبتقدري تتكلمي معاهم وتقوليلهم إنتي حاسة بإيه، ممكن مصادر دعمك تكون الروحانيات، الموسيقى، الطبيعة. التواصل مع مصادر الدعم بتاعتك لما بيكون بشكل واعي ومقصود، ده بيساعدك إنك تكوني موجودة في اللحظة اللي إحنا فيها دلوقتي. فبيساعدك تخرجي من لحظة إعادة معايشة الصدمة القديمة.

– تتواصلي مع مصادرك الداخلية. إحنا زي ما عندنا قلب وكليتين ورئتين وأعضاء داخلية في جسمنا، عندنا أجزاء تانية جوانا زي جزء المثابرة، الأمل، الشجاعة، الحكمة، الصبر. أحيانًا بنبقى محتاجين نتواصل مع الأجزاء دي.

– فكري نفسك إنك في أمان دلوقتي وإن اللي إنتي بتتعرضيله دلوقتي ده مجرد محفز للتروما، لكنك مش في الموقف ده دلوقتي.

هل البوح أو المشاركة بالتجارب دي مفيد أم مؤذي للمتحدث والمتلقي؟

عرض الموضوع بدون الدخول في التفاصيل هيكون أفيد لكل الأطراف. لما الشخص بيبوح بتجربة سيئة اتعرضلها، مع الوقت التجربة بتفقد المعنى السيئ ليها وبيقدر يخرج منها. كمان إعلان إن فيه واقعة حصلت مهم، عشان المجتمع يقدر ياخد قرار يحد من تكرار مواقف شبيهة.

التفاصيل ممكن تكون للجهات القضائية أو للمعالج النفسي بتاعي أو لدايرة دعم متخصصة، لكن انتشار التفاصيل خارج الدوائر المتخصصة على منصات زي الفيسبوك مثلاً مش هيكون أفضل حاجة، لأن ده ممكن يعرضني لإساءات أكتر من ناس في الدايرة دي، من أحكام ولوم وهجوم، وده ممكن يسبب لي مشاعر خزي قوية، وممكن أحيانًا ده يوصل إنه يحفز بعض الأفكار الانتحارية.

أما بالنسبة للي هيشوف التفاصيل، فده ممكن يدخله في أعراض إعادة تكرار الصدمة، ودي حاجة منهكة ومستهلكة لطاقة البني آدم بشكل كبير جدًا، وبتساعد على تأكيد الأفكار السودا اللي جواه، زي إن مفيش أمان وإن مفيش أمل.

التعرض لكمية كبيرة من الأخبار الضاغطة ممكن يدخلك في دوامة اضطراب القلق أو في تروما. ممكن يخلي القصص دي شغالة في خلفية دماغك، كأنها فيلم صغير عمال يتكرر كل ما يخلص يتعاد تاني، أول ما تتعرضي لأي حاجة بسيطة تفكرك بيه، وإنتي محبوسة جواه. أو يخليكي عايشة في المستقبل على افتراضات مش حقيقية ويوقف حياتك ويمنعك من إنك تاخدي خطوات كتير إنتي محتاجة تاخديها. لو حسيتي إنك محبوسة في الدايرة دي، العلاج النفسي هيقدر يكسرها ويخرجك منها ويساعدك إنك تقدري تكملي حياتك بالشكل اللي تستحقيه.

اقرأ أيضًا: التحرش والصحة النفسية للمرأة: قصص من الواقع

المقالة السابقةقلق الامتحانات: 8 خطوات تساعد أبنائك على التخلص منه
المقالة القادمةعن تجربة شخصية: 5 طرق لمغافلة القلق تجعله ضيفًا خفيفًا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا