في لحظة ما بعد الثورة بأشهر قليلة التقيت بصديقة لي صدفة، وفي حديث عابر أخبرتني عن مجموعة على Facebook مفيدة جدًا، يعلن أعضاؤها عن مواعيد ندوات ويضيفون روابط لبرامج مفيدة. وبالفعل أضافتني إلى المجموعة التي بدأت أتفاعل فيها مع الأعضاء، ومن خلالها تعرفت على شاب خلوق ومثقف ولطيف، هو الآن زوجي!
إنني أعتبر هذا الحديث العابر الذي دار بيني وبين هذه الصديقة نقطة تحول في حياتي، وفي حياة كل منا لحظات قدرية غيّرت مجرى حياته، حتى أن المرء ليتساءل: كيف ستكون حياته إذا لم تكن هذه اللحظة؟ نقطة التحول هذه قد تكون موقفًا استفز فيك شرارة التحدي، أو كلمة سمعتها فوقعت من نفسك موقعًا أعمق مما بدا للآخرين، أو إنسانًا التقى بك فكان له أعمق الأثر في شخصيتك وأفكارك.
لحظة أخرى أعتبرها نقطة تحول في حياتي، عندما طلب مني أن أتطوع في نشاط للأطفال يهدف إلى بناء أخلاقهم وشخصياتهم، وبصراحة وافقت من باب الإحساس بالواجب والرغبة في عمل الخير، لكني في قرار نفسي كنت أعتقد أنني لا أملك الصبر أو “الخُلق” للتعامل مع الأطفال من الأساس! ومع الوقت، اكتشفت خطأ هذا الاعتقاد وبدأت أمارس عملي التطوعي بشغف، خلق بداخلي الرغبة في أن أعمل كمدربة للأطفال، ولا أكتفي فقط بكونه عملًا تطوعيًا. ومن يومها اتخذت حياتي مسارًا مختلفًا في مجال عملي وقراءاتي واهتماماتي، والناس الذين تعرفت عليهم خلال هذه الرحلة.
وإذا أردنا أن نضرب أمثلة لنقاط تحول في حياة بعض المشاهير:
* نجد مثلًا د. زكي نجيب محمود يسمع صديق أبيه وهو ينصحه بأن يكف عن تعليم ابنه ذي النظر الضعيف، لأن ضعف نظره سيحول بينه وبين التعيين في الحكومة، ومن ثم فلا داعي إلى التعليم ونفقاته. فكانت هذه اللحظة نقطة تحول في حياة الطفل زكي نجيب محمود، حيث أقبل على القراءة بنهم، وواصل تعليمه والحصول على الشهادات العليا من داخل وخارج مصر، حتى أصبح من أكبر وأشهر أساتذة الفلسفة بالجامعات العربية.
* والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) وهي في الامتحان نسيت معنى كلمة “صقر” بالإنجليزية، وهي الكلمة التي كانت تتكرر كثيرًا في موضوع الإنشاء، وكان هذا الامتحان هو الذي سيتحدد على أساسه قبولها في الجامعة من عدمه. يئست من تذكر الكلمة والحصول في الامتحان على درجات تؤهلها للالتحاق بالجامعة، لولا أن رأت على القلم الرصاص الذي كانت تستخدمه في التسطير كلمة “Eagle” (أي صقر)، حيث كانت هي ماركة القلم الرصاص، ونجحت في الامتحان والتحقت بالجامعة، وهناك التقت بأستاذها أمين الخولي والذي ساعدها في رسالة الماجستير وأصبح زوجًا لها.
* “ادخل دار العلوم يا مولانا”.
جملة قالها العقاد للشاعر عبد اللطيف عبد الحليم، وقد أوشك على إنهاء تعليمه الثانوي، وذلك حين عرض عليه الشاعر الشاب بعد تردد طويل وخوف قصيدة كتبها، فأعجب العقاد بموهبة الشاب ونصحه بالالتحاق بدار العلوم، قائلًا: “ادخل دار العلوم يا مولانا”. فحسم الشاب قراره بعد أن كان مترددًا بين استكمال تعليمه في الأزهر ودراسة العلوم الشرعية، والالتحاق بدار العلوم. فإذا بهذه الجملة تغير مسار حياته، فيلتحق بدار العلوم ويصبح أستاذًا فيها، ويحصل على درجة الدكتوراه من إسبانيا في الأدب المقارن، وينظر إلى حياته بعد مضي 40 سنة من هذا اللقاء، متسائلًا كيف كانت ستكون حياته إن لم يقل له العقاد هذه النصيحة!
والحقيقة أن حياتنا عبارة عن سلسلة من نقاط التحول التي تقود كل منها إلى الأخرى. فما هي نقاط التحول التي شكّلت حياتك؟