مغامرة الولادة: تجربة شخصية

1480

الساعة 12:30 بعد منتصف الليل

دخلنا ننام.. حسيت بتقلصات كانت مع الوقت بتقرب من بعضها وبتزداد إيلامًا.. اتصلت بالدكتورة بتاعتي.. كان موبايلها مغلق.. ربنا سهلها وقدرنا بطريقة ما نوصلها.. تكرمت مشكورة وجاتلي لحد البيت متطوعة عشان تكشف عليّ.. قالتلي: إنتي في حالة ولادة يا هدى.. ندهنا جوزي وبلغناه بالخبر (والمفروض إن كان فاضل شهر على موعد ولادتي).

 

الساعة 3:30 بالليل

جوزي ماسك التليفون وعمال يدور على مستشفى فيها حضّانة وفيها مكان فاضي دلوقت، وأنا في الأوضة بكمل تحضير شنطة المستشفى وأنا في منتهى القلق بسبب المفاجأة واللخبطة دي، غير إني كنت خايفة جدًا من الولادة أصلاً.

 

مع أذان الفجر

لسه مش عارفين هنروح مستشفى إيه ولا هولد مع مين.. ومع ذلك، نزلنا من البيت لأن كان لازم ننزل. طبعًا التليفونات شغالة، ربنا أكرمنا ووصلنا لطبيب العائلة اللي قالنا نروح على مستشفى كذا وهو هيحصلنا. عملنا شوية مكالمات في الطريق عشان نبلغ باقي أهلنا باللي حصل والمستشفى اللي إحنا رايحينها.

 

الساعة 5:00 فجرًا

وصلنا المستشفى، الدكتور كشف عليّ وقال هنستنى شوية، طلعوني الأوضة ولبسوني لبس العمليات، نمت على السرير، فتحولي التليفزيون، بدأ الأهل يتوافدون، كنت قاعدة بتكلم معاهم وببتسم بس من جوايا كنت خايفة جدًا والألم كان عمال يزيد.

 

الدكتور كشف عليّ تاني وقال لازم أولد دلوقت والولادة هتكون قيصرية، ولسه هيشرحلي السبب قلتله “ماشي اللي حضرتك تشوفه”، أنا مكنتش قادرة أسمع أو أفكر أو أقرر، كل اللي كنت عاوزاه وقتها إني أخلص من الألم والخوف. خرّجوا كل الناس من الأوضة عشان يعملولي التجهيزات الأخيرة للعمليات.

 

الساعة 6:45 صباحًا

وجاءت اللحظة المشهودة.. طلبوا مني أقوم عشان أدخل أوضة العمليات. أول ما دخلتها وقعدت على السرير بدأت أعيط.. الممرضات قعدوا يضحكوني عشان أهدا، وبعدين ادوني حقنة بنج أو مخدر خلتني في ثواني رحت في عالم تاني، وفقت فجأة على صوت “شمس” وهي بتعيط، كانوا لسه بيقفلوا الجرح. 

 

كنت متخيلة بقى -زي ما بقرأ في الكتب- إني أول ما هفوق هسأل على بنتي وإنهم هيجيبوهالي في حضني وهبصلها وأنا ببتسم وبعدين أرضّعها، لكن الحقيقة طبعًا إنها كانت صورة حالمة جدًا ووردية، حيث إني كنت تعبانة وبردانة ومش عارفة آخد نفسي، وفضلت أسأل الدكاترة بيعملوا إيه وهيخلصوا امتى، ردوا عليّ وطمنوني وبعدين تقريبًا لما زهقوا مني ومن أسئلتي وزنّي ادوني حاجة غيبتني عن الوعي تاني عشان يعرفوا يكملوا شغلهم! 

 

الساعة 7:45 صباحًا

بعد ساعة بالتمام والكمال من دخولي أوضة العمليات خرجت وأنا سعيدة إني أخيرًا والحمد لله خلصت وخارجة منها. رحت أوضتي ومكنش عندي القدرة أسأل على “شمس” ولا أطلب منهم يجيبوها جنبي، وكل اللي قدرت أعمله إني ألمسها وهي في سريرها بعد ما جابوهالي الأوضة. 

 

بعد ما أهلي اطّمنوا عليَ راحوا يشوفوا أحوالهم ويستريحوا شوية ويسيبوني أستريح لحد ما ييجولي تاني بعد ساعات قليلة. معرفتش أنام غير وقت قليل جدًا رغم الإجهاد اللي كنت فيه، ورغم إنهم ادوني مسكن قوي المفروض كان ينيمني. 

 

كنت مستغربة نفسي جدًا اليوم ده لأني كنت مش قادرة أحس بأي مشاعر أمومة، وعلى العكس كنت حاسة بالذنب والعجز والقلق والألم. فكان المفروض أقوم أتمشى بعد العملية عشان أقدر أشرب وآكل، ودي حاجة كانت في منتهى الصعوبة بسبب الجرح. وفي نفس الوقت مطلوب إني أرضع هذا الكائن الصغير وخاصة إن أطرافها كانت سقعت وازرقت والبنت بطلت عياط من كتر ما هي يا عيني معندهاش طاقة! والمشكلة إني كنت مش قادرة أرضعها لأني كنت ملهية في ألمي، ومش عارفة أرضعها بس أهل الخبرة ساعدوني.

 

بعد ما حكيتلك القصة أحب دلوقت أديكي خلاصة اللي اتعلمته، بحيث يكون اليوم ده أكثر سهولة ومليان بالذكريات السعيدة رغم الألم والقلق اللي فيه. 

 

الدروس المستفادة من يوم الولادة:

  1. العبد في التفكير والرب في التدبير. أنا من الشخصيات اللي بحب أخطط لكل حاجة تخطيط محكم قبل ما تحصل عشان أحس إن كله تحت السيطرة وأبقى مطمنة. ماما كانت بتقولي متقلقيش ومتفكريش كتير، والدكتورة بتاعتي كانت بتقولي: ربنا هيرتبلك أحسن ما إنتي مرتبة لنفسك. وده حقيقي جدًا. اعملي اللي عليكي لكن افتكري إن كل حاجة بإيد ربنا وقولي “يا رب”.

 

  1. متعتمديش على الـstaff بتاع المستشفى إنهم هيعملوا اللي عليهم دايمًا من تلقاء نفسهم، ولو إنتي مفيش فيكي دماغ للكلام ده يومها بسبب تعبك فلازم اللي معاكي يكونوا مصحصحين. يعني مثلاً دكتور الأطفال مطلعش يطمن على “شمس” في وسط اليوم غير لما إحنا طلبناه لما حسينا إننا محتاجينه ضروري. 

 

  1. اتبعي تعليمات الدكتور بتاع المستشفى مؤقتًا لحد ما تتابعي مع دكتور ثقة، وساعتها اسأليه في اللي إنتي عاوزاه واتبعي تعليماته.

 

  1. يفضّل تسألي على نظام المستشفى وتعرفي تفاصيل عنها قبل ما تروحي. إحنا مثلاً فوجئنا إن المستشفى فيها كافتيريا بمواعيد معينة بتقفل بعدها. أنا كنت متخيلة إنهم في المستشفى هيطلعولي الأكل المناسب وفي الوقت المناسب. إحنا معرفناش الكلام ده غير متأخر بالليل ومكانش فيه حد يخرج يجيبلي أكل فقضيتها بسكويت وعصير وينسون للصبح.

 

  1. اللي يبات معاكي في المستشفى تكون واحدة تقدر تخلي بالها منك ومن النونو وتكوني بترتاحي معاها ومفيش بينك وبينها حرج، عشان تقدر تدعمك نفسيًا في الوقت الصعب ده، ولأنك غالبًا هتحتاجي مساعدة في تغيير هدومك أو دخول الحمام.

 

  1. يا ريت يكون فيه حد من العائلة أو الأصدقاء يقدر يوثّق الحدث بصور وفيديوهات، بدايةً من قبل دخولك أوضة العمليات، ومرورًا بكل اللي بيحصل برة أوضة العمليات وإنتي بتولدي، وبعد ما تولدي بالسلامة. أنا لما اتفرجت على الحاجات دي بعد كده انبسطت وفرق معايا جدًا إحساسي باهتمام الناس وحبهم ولمّتهم حوالينا، وكمان أشبعت فضولي لما شفت اللي كان بيحصل في غيابي.

 

بصراحة اليوم كان صعب بس اللي هوّن عليّ التعب والوجع الناس اللي كانوا ملمومين حوالينا، واللي كلموني في التليفون يطّمنوا عليّ ويباركولي، واللي حاولوا يساعدوني من غير ما يدوني نصايح كتير أو يحسسوني إني مقصرة. 

 

المقالة السابقةقالوا عن المرأة: شكى حكى بكى
المقالة القادمة9خرافات شائعة عن العلاقة الزوجية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا