كيف نستخدم الحب كأداة للسيطرة على أطفالنا؟

1657

عندما نفكر نحن الآباء في الاحتياجات العاطفية لأطفالنا، فإن الحب والعاطفة هما أول ما يتبادر إلى أذهاننا. ذلك الحب المقدم دون شرط أو قيد، عاطفة خالصة تمنح بسخاء دون أن ننتظر المقابل. الحب الذي يتسع لأبنائنا بأخطائهم وذلاتهم ونجاحهم وفشلهم، الحب الذي رجحه الكثير من علماء النفس كعالم النفس كارل روجرز، الذي أشار إلى أن الحب الذي يقدمه الآباء إلى الأبناء يعتبر حبًا ناقصًا، إن لم يكن حبًا دون شرط أو قيد، أو مرتبط بمدى شعورنا بالرضا نحو تصرفاتهم.

 

ولكن هل هذه هي الطريقة المثلى التي نعبر بها عن حبنا لهم؟

في عام 2004 أجرى إدوارد ل. ديسي، (وهو خبير أمريكي بارز في مجال علم النفس)، استطلاع رأي لأكثر من 100 طالب جامعي، عما إذا كان الحب الذي تلقوه من والديهم حبًا غير مشروط أم حبًا مشروطًا يعتمد على ما إذا كانوا قد حققوا نجاحًا دراسيًا أو تفوقًا رياضيًا أم نتيجة تصرفهم بشكل لائق في مواقف معينة.

 

كشفت النتائج أن الطلاب الذين تلقوا حبًا مشروطًا مرهونًا بنتائج معينة كانوا أكثر حرصًا على الامتثال لنصائح وأوامر الأهل وتنفيذها حرفيًا. ليس عن اقتناع ولكن بسبب الضغط الداخلي والقلق من رفض الأهل وعدم تقبلهم لهم، بالإضافة إلى أن سعادتهم بعد إتمام المهمة بالشكل الذي يحقق رضا الأهل تكون سعادة لحظية لا تشعرهم بالإنجاز.

اقرئي أيضًا: أجمل كلام عن طفل صغير، أجمل عبارات عن الأطفال

في العام 2009 نشر مجموعة من الباحثين بجامعة روشيستر، دراسة تكميلية لدراسة الدكتور ديسي، هذه المرة لقياس مدى تأثير التعزيز الإيجابي للأطفال، بالمدح المبالغ فيه، عند تنفيذهم أوامر الأهل لتحقيق نتائج بعينها، وتأثير التعزيز السلبي بالتوقف عن المدح، بالإضافة إلى عدم اللوم أو التوبيخ.

 

وجدت نتائج الدراسة أن كلاً من التعزيز الإيجابي والسلبي يعتبر مثالاً على الحب المشروط، وكليهما يأتي بنتائج عكسية، ولكن بشكل مختلف، فقد نجح النوع الإيجابي في بعض الأحيان في جعل الأطفال يعملون بجدية أكبر في المهام الأكاديمية، ولكن على حساب شعورهم بالقلق والتوتر. في حين لم ينجح التعزيز السلبي في التحفيز على العمل، على المدى القريب، وزاد من مشاعر الأطفال السلبية تجاه عائلاتهم، وأضرهم عاطفيًا.1

 

كيف نضر أطفالنا عاطفيًا؟

في البداية يجب أن نعرف أن ما نتلقاه من حب في طفولتنا، هو الذي يشكل ذواتنا وما نبقى عليه في المستقبل. هذا ما أثبتته دراسة منشورة في كتاب “النظرية العامة للحب”، لمجموعة من أساتذة الطب النفسي بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث أشاروا إلى أن أنظمتنا العصبية ليست منفصلة عن بعضها بعض. فمنذ مرحلة الطفولة المبكرة تتأثر مناطق معينة بالدماغ بشكل كبير بالأشخاص الأقرب إلينا، كالآباء والأمهات بطريقة ما. الأمر الذي ينعكس بشكل عميق على بناء الشخصية والصحة العاطفية مدى الحياة.2

 

ووفقًا لتعريف الحب المشروط من وجهة نظر طفلك، فإنك تحجب حبك عنه في حال تصرفه بشكل غير لائق، وتمنحه إياه في حال أحسن التصرف. ليبدأ في ترجمة ذلك بأن يحاول طوال الوقت التصرف بشكل يجعله يحظى بالحب دون تهديد بمنعه. وبمرور الوقت يخلق الطفل في وقت مبكر من حياته نموذجًا متخيلاً في عقله، لتذكيره بالتصرف الذي يمنحه الحب المطلق والقبول، يطلق عليه “Imagined Parent” أو “الآباء المتخيلين”، والذي يعمل بشكل لا إرداي ومستقل وتلقائي، ليذكر الطفل بالتصرف الذي يلقى استحسانًا ويتجنب السلوك غير المقبول.

 

يدرك الطفل أن هذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع الأهل. إلا إنه مع الوقت يصبح هذا النمط جزءًا من تفكيره، فيُقيِّم نفسه في أي موقف وفقًا لرد فعل الآخرين من معلمين وأصدقاء وأقارب، حالة من الرغبة في القبول والخوف من الرفض تستمر حتى بعد أن يصبح شخصًا بالغًا، ما يؤثر بشكل كبير على شعوره بنفسه وتقديره لذاته.3

 

إذًا هل كان كارل روجرز محقًا بشأن الحب غير المشروط؟!

في الحقيقة على الرغم من الآثار السلبية المترتبة على الحب المشروط، فإن هذا لا يرجح كفة الحب غير المشروط. هذا ما أكده ألبيرت بنادورا، أحد رواد علم النفس ومؤسس نظرية التعلم الاجتماعي الشهيرة. حيث أشار إلى أن الحب غير المشروط وحده غير كافٍ لاكتساب الطفل القيم والمبادئ، بالإضافة إلى أنه يؤثر على تقدير الطفل لذاته. 4

 

فلنتوقف عن أذيتهم تحت مسمى الحب

في مقالة منشورة على موقع psychology today للدكتور جيم تايلور، المتخصص في علم نفس الطفل، يوضح أن التربية تحتاج إلى الحب المشروط والحب غير المشروط معًا. فالأطفال يريدون أن يشعروا بالحب والدعم غير المشروطين لإنجازاتهم المتعلقة بالدراسة أو بمهارة ما أو بتفوق رياضي، هذه المحبة غير المشروطة ستحررهم من شبح الخوف من فقدان الحب والدعم من الأهل، وستشجعهم على بذل قصارى جهدهم للوصول إلى مستوى النجاح الذي سيشعرهم بالسعادة والرضا.5

 

في الوقت نفسه، يمكن للآباء تشجيع إنجازات أطفالهم، باستخدام الحب المشروط في الأمور المتعلقة باكتساب القيم والمبادئ الأساسية، فحتى إن تصرفوا بشكل غير لائق، فإنهم سيدركون أن حرمانهم من تعبير الأهل عن حبهم لهم سلوك مؤقت، ورد فعل لسوك سيئ قاموا به، وليس رفضًا لذواتهم.

 

في النهاية.. فإن الأطفال الذين يمنحون الحب وفقًا لمدى تحقيقهم لرغبات آبائهم، حتى لو كانت رغبات إيجابية، كالنجاح والتفوق والالتزام، فإنهم يحبون أنفسهم فقط، عندما يرتقون إلى مستوى التوقعات والنتائج المطلوبة منهم. ويشعرون بالرفض عندما يفشلون في القيام بذلك، في حين أن الأطفال الذين يربون على احترام القيم في وسط صحي يُقدِّم لهم الحب والدعم، بغض النظر عن إنجازاتهم الأكاديمية أو الرياضية، يكونون أكثر قدرة على حب أنفسهم وتقبلها، بعيدًا عن مدى نجاحهم أو إخفاقهم، بالإضافة إلى قدرتهم على إدارة الفشل وتجاوزه.

 

مراجع:

1 When a Parent’s ‘I Love You’ Means ‘Do as I Say’ on https://www.nytimes.com/2009/09/15/health/15mind.html

2 The Positive Effects of Love on Mental Health on https://www.psychiatryadvisor.com/home/topics/mood-disorders/the-positive-effects-of-love-on-mental-health/

3 Conditional Love on

https://www.pathwaytohappiness.com/happiness/2018/08/01/conditional-love/

4 مرجع سابق

When a Parent’s ‘I Love You’ Means ‘Do as I Say’ on https://www.nytimes.com/2009/09/15/health/15mind.html

 

5 Parenting: Unconditional Love is Bad ?Is unconditional love really best for your children? On

https://www.psychologytoday.com/us/blog/the-power-prime/200911/parenting-unconditional-love-is-bad

المقالة السابقةالخوف من الحب (الفيلوفوبيا) ما هو؟ وما وجه نظر علم النفس فيه!
المقالة القادمةمفترق الطرق
صحفية وكاتبة مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا