الحاسة السحرية للأمهات

550

كامرأة أعلم جيدًا أنني أمتلك حاسة سادسة، أو حدسًا خاصًا بالأمور التي تقع حولي، أو تكون على وشك الوقوع، لم يخذلني حدسي أبدًا
من قبل، ومع ذلك لم أكن أعرف أنني أمتلك ما يسمى بـ"الحاسة السحرية للأمهات"، هي شيء يفوق الحدس والحاسة السادسة، يمكننا أن
نقول إنها هبة من الله أو بصيرة، يضعها الله داخل كل أم بشكل تلقائي مع غرس بذرة الحمل في رحمها.

قبل أن أتزوج، كانت تخبرني أمي بإحساسها تجاه المواقف التي أمر بها، فمثلاً تخبرني ألا أذهب لهذا المكان، أو أن فرصة العمل هذه
ليست بفرصة حقيقة، بل فخ سيوقعني في المتاعب لاحقًا، وأن هذه الصديقة لا تحبني كما يبدو عليها، وصولاً إلى توقع إصابتي بنزلة
البرد قبل أن تبدأ أعراضها. كنت أجادلها كثيرًا وأبتسم وأسخر من بعض التعليمات، وأقول لها هل تتنبئين بالمستقبل مثلاً؟ فتخبرني بأنه
"قلب الأم وإحساسها"، المفاجأة أن كل شيء -بمعنى كل شيء- كانت تتوقعه وتحذرني منه وتمنعني عنه، كان يحدث بدقة متناهية عاجلاً
أو آجلاً.

آمنت بهذه الحاسة ولم أكن أتوقع أبدًا أن أحصل عليها حين أصبح أمًا.
الآن يمكنني توقع الكارثة التي ستفعلها طفلتي قبل حدوثها، ها أنا ألتفت في الوقت المضبوط بالمللي لأمنعها من ابتلاع الألعاب الصغيرة،
أذهب لحجرتها ليلاً فجأة لأجدها على وشك السقوط من حافة السرير، وأذهب مسرعة دون سابق إنذار لأمنعها من إسقاط شيء عليها
وهي في غرفة بعيدة عني دون أن يصدر عنها صوت، أذهب لأشتري بعض الاحتياجات من محل قريب، أتصل لأطمئن عليها دون
سبب وأنا لم أتأخر، لأجدها منهارة في البكاء لأنها سقطت من على اللعبة، وأترك عملي في عز انشغالي به لأنني أشعر بها قد أزاحت
الغطاء عنها وهي نائمة، وأجدها بالفعل كذلك، أستيقظ من أعمق نومة أحصل عليها لأنني أشعر بها جائعة دون أن تصدر إشارة، وأتوقع
أنها لن ترتاح في هذا المكان أو مع بعض الأشخاص قبل حتى أن تراهم.

تتوالى الأحداث التي تتجلى فيها حاستي السحرية، هكذا هي الأمومة، سحر خاص لا يعرفه إلا من اختبره..عندما أذهب لتجمع به عدد
كبير من الأمهات، أجد كلاً منهن وقد تجلت حاستها السحرية كطوق من نور حول أطفالها.

منذ سنوات ليست ببعيدة، كنت أتابع مسلسلاً أجنبيًا خاصًا بالساحرات، وكنت أقرأ كثيرًا قصص الخيال العلمي لأصحاب القدرات
الخارقة، كان في ذلك المسلسل فتاة تمتلك موهبة سحرية في توقع الأحداث ومنع حدوث السيئ منها، كنت أتمنى حينها أن أمتلك هذه
الحاسة السحرية، ولم أكن أعلم أنني بعد سنوات سأصير أمًا وسأمتلكها بالفعل، لم أكن أعلم أن السحر موجود حولي في كل مكان وأن
الأمهات اللاتي نراهن حولنا عاديات جدًا في ملابس المنزل أو العمل أو الشارع، هن ساحرات لديهن من الحدس ما يكفي لحماية أطفالهن
وإحاطتهم بالحب والرعاية.

بعد سنوات من الآن سنكبر ويكبر أطفالنا، ستكبر معنا حاستنا السحرية وتصبح بصيرة وحدسًا تجاه معظم الأمور في حياة أولادنا،
سنبتسم ردًا على سخريتهم من توقعاتنا -كما كنّا نفعل- ونتذكر أنه لا أحد أبدًا يفهم حدس الأمهات إلا حين يحصل عليه

المقالة السابقةاكتئاب الأطفال
المقالة القادمة5 خطوات لتعلمي طفلك وضع خطة للمذاكرة
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا