أول يوم مدرسة

470

بنتي دخلت المدرسة

يعني هتخرج كل يوم من البيت، وتركب في أوتوبيس كبير كده لوحدها مع أطفال كتير معرفهمش وتروح مبنى كبير أوي أوي عليها وزحمة أوي، مليان أطفال من أعمار مختلفة، وناس كتير معرفش عنهم أي حاجة، وتقعد هناك ست ساعات، ست ساعات كاملة إيدي مش في إيدها وعيني مش شايفاها ومش شايفة بتحتك بمين ولا بتتعامل إزاي ولا إيه اللي بيتقالها ولا بتقول إيه، ده كان شيء مرعب بالنسبة لي. استنيت إنها ترجع أول يوم عشان أسألها عملتي إيه النهارده، لقيت صمت تام، مع إن العادي إن إحنا أصحاب وإنها بتحكيلي كل حاجة، واكتشفت إني مش لوحدي اللي بواجه ده، فيه أكتر من صديقة بيواجهوه مع أولادهم؛ كان لازم ألاقي طريقة عشان أفتح قنوات الاتصال بيني وبينها من تاني.

 

ولادنا مبيتحوِّلوش

كان مهم أفكر نفسي من البداية إن بنتي مش قاصدة تخبي عليّ وإنها متحولتش من صاحبتي لشخصية كتومة.

ببساطة هي بتواجه تجربة جديدة وأكيد هي كمان مرتبكة ومتوترة، والتفاصيل كتير أوي وصعب إنها تعرف تركز وتلمها من أول يوم وكمان تحكيها. ده حصل لما حاولت أفتكر أول يوم مدرسة وأول يوم جامعة، اكتشفت إن فعلاً الصورة مش بتبقى واضحة من أول يوم، وإني ممكن أكون فاكرة تفاصيل قليلة أوي عن الأماكن والناس ومع الوقت التفاصيل بتبقى أوضح.

 

مفيش حاجة بتتبني في يوم وليلة

مينفعش تصاحبوا أولادكم فجأة، الصداقة مش بتتولد في لحظة، لكنها زي أي علاقة محتاجة امتداد زمني واسع تكونوا فيه أصحاب، طبعًا من قبل سن المدرسة بكتير، اتعاملوا مع أولادكم باعتبارهم أصحابكم مش باعتباركم الشخص الوصي أو الرقيب عليهم.

 

العلاقات رايح جاي مش اتجاه واحد

إحنا أصحاب مش محققين نيابة، عشان أول ما الباب يتفتح نسأل ولادنا عملتوا إيه النهارده من سبعة لواحدة؟ وقابلتم مين واتكلمتم في إيه وأكلتم الساندويتشات ولا لأ؟ 

طوفان الأسئلة ده حتى لو حاولنا نقوله بصوت لطيف وحميمي ومرح بيخلي الطفل يسكت ويتراجع عن الحكي، فعشان إحنا أصحاب ممكن الكلام يبدأ بإننا نحكي عن يومنا، نحكي للطفل عن يومنا النهارده عملنا إيه في الشغل وفي البيت، إيه الحاجات اللي فرحتنا واللي ضايقتنا، بس طبعا من غير تفاصيل يستغرق فيها، مجرد خطوط عريضة وبعد كده نبدأ نسأله وإنت بقى يومك كان عامل إزاي؟ الطريقة دي تحديدًا فرقت جدًا مع بنتي، دلوقتي بقت أول ما تشوفني أنا وباباها تسألنا عملتم إيه النهارده؟

 

مفيش أجمل من اللعب

خلي الموضوع ياخد شكل لعبة، ممكن تلعبوا إن إنتم المُدرسين وأولادكم تلاميذ، وتعملوا فصل وتمثلوا يومهم الدراسي، بالشكل ده هتعرفوا حاجات كتير مستحيل تعرفوها من الحكي المباشر عن يومهم الدراسي، خصوصًا مع الأطفال في السن الصغير، ممكن كمان بنتك أو ابنك يلعبوا دور المدرس أو المدرسة والعرايس والدباديب يبقوا تلاميذ في الفصل، بس اتفرجوا من بعيد من غير ما الطفل يحس إنكم بتراقبوه، ومن خلال طريقة تعامله مع اللعب هتفهموا حاجات كتير عن الطريقة اللي مدرسينه بيتعاملوا معاه بيها.

 

دواير الثقة

ضروري علاقة الصداقة دي تكون موجودة بين الأب والطفل، لو مش قوية بالفعل فدي فرصة كويسة لتقويتها، واللي اكتشفته مؤخرًا إن فيه حاجات بنتي بتحكيها لباباها ومبتحكيهاش ليّ، والعكس كمان بدون أي سبب أو رابط منطقي، وبتزعل جدًا لو حد فينا حكى للتاني (حاجات بسيطة مش أسرار، زي إن صاحبتها في الأوتوبيس اسمها رقية مثلاً) اتعلمنا إننا نحترم ده ونحترم خصوصية علاقتها بكل واحد فينا، وفي حالة لو فيه مشكلة اختصت طرف واحد مننا بحكيها وضروري الطرف التاني يعرفها عشان يتعامل معاها بنعمل ده وإحنا حريصين إنها متعرفش، عشان الثقة تفضل موجودة.

 

شبكات التواصل

حاليًا أغلب المدارس ليها مجموعات رسمية ومجموعات لأولياء الأمور على فيسبوك وغيره من وسائل التواصل، حاولوا تتواصلوا مع المدرسين وأولياء الأمور، حتى لو الطفل مبيواجهش مشاكل، ضروري يكون فيه اتصال بشكل دوري بينكم وبين مدرسين فصله، وتحاولوا دايمًا تطمئنوا منهم، مش بس على مستواه الأكاديمي لكن تعامله مع زمايله ودرجة تواصله معاهم، ولو فيه أي مشاكل بيواجهها كمان أولياء أمور الأطفال اللي في فصل أولادكم هتعرفوا منهم معلومات كتير تساعدكم، خصوصًا إن أغلب الأطفال في السن الصغير (فترة الروضة تحديدًا) فعلاً مبيبقوش قادرين يركزوا في كل التفاصيل، سواء على مستوى الدراسة (أخدتم إيه النهارده، الواجب إيه… إلخ… إلخ) أو على مستوى العلاقات بين الأطفال ومدرسينهم، فمعلومة من هنا على معلومة من هناك هتتكون قصادكم صورة أوسع.

 

الفراشة كبرت وطلعلها جناحات

الأهم من كل اللي فات واللي اكتشفته بعد أكتر من شهر، إن بنتي خلاص كبرت، كبرت وخرجت للدنيا الواسعة، دنيا بتاعتها، تخصها هي لوحدها متخصنيش، وكل يوم هتكبر أكتر وأكتر وتختار إيه اللي تحكيه وإيه اللي تحتفظ بيه لنفسها، وكل اللي بحاول أعمله ده لازم أعمله من منطلق إن إحنا أصحاب مش عشان أراقبها، لكن عشان أساعدها قدر استطاعتي وبالقدر اللي هي هتسمحلي بيه.

 

اكتشفت إن مهما كنا أصحاب ومهما كانت قنوات الاتصال بيننا مفتوحة عمري ما هعرف إيه اللي حصل بكل تفاصيله خلال أكتر من ست ساعات بتقضيهم بعيد عن عيني، مهما حاولت ومهما هي حكت عمري ما هشوف كل اللي عينها بتشوفه ولا هسمع كل اللي ودانها بتسمعه، ولا هعيش كل التجارب والمغامرات والخبرات الجديدة اللي بتعيشها كل يوم.

 

اكتشفت ده لما قعدت طول الشهر أسألها إن كانت بتغني أي أغاني في المدرسة وتقولي لأ، وفجأة لقيتها بتغني:

Butterfly Butterfly, fly away

You were a caterpillar yesterday

عرفت يومها إن خلاص فراشتي طلعلها جناحات ملونة وخرجت من شرنقة البيت للسما الواسعة، مش هعرف أمسكها تاني.. كل اللي أقدر أعمله إني أطبطب على جناحاتها وأحاول أساعدها عشان تبقى أقوى.

المقالة السابقةالمفتاح السحري للخروج من الأزمة
المقالة القادمةمتوهجة.. ذلك أفضل كثيرًا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا