اصنع كتاب التلوين الخاص بك وأطلق الفنان بداخلك

4195

في عشق الألوان قد يكتب الواحد منا قصائد، فالألوان حياة، حب، دفء، وإبداع لا متناهٍ. في كل قصص المبدعين الكبيرة منها والصغيرة، الشخصية والعامة كان للألوان دور ما، يكبر هذا الدور جدًا حينما نتحدث عن فنون كالرسم والعمارة والديكور والطهي، وحتى حينما يصغر دور الألوان يظل دورها مؤثرًا وفعالاً.

هنا سأحكي عن دور الألوان في حياتي الشخصية، لن أحكي عن إبداعي الخاص، بل عن إبداعها هي في حياتي وحياة الكثيرين في الفترة الأخيرة، إبداع الألوان في خلق السعادة وقتل الكآبة، في نشر البهجة وحصار الضغوط النفسية.

في الحادي عشر من فبراير كنت على موعدٍ مع الألوان لتأخذني من يدي وتعيدني للطفلة التي كانت تهوى كل ما هو ملون، كنت في منزل صديقتي المقربة نتحدث معًا ثم فجأة لفتت نظري علب من الصلصال الملون في يد صغيرتها، الألوان المتعددة الزاهية والمشرقة سرقت أنظاري أولاً ثم كل جوارحي، فقطعت حديثي لأبدأ في الإلحاح على الصغيرة أن أشاركها اللعب، بمجرد أن بدأت أُشكل قطع الصلصال لكريات صغيرة حتى شعرت بشيءٍ من الراحة الممزوجة بالبهجة التي يبدو أنها ارتسمت على ملامحي حد أنها أثارت ضحك واستغراب صديقتي. ردًا على هذه الضحكات بدأت أخبرها أن الأمر له أساس علمي حيث إن الألوان قادرة على تخفيف الضغوط النفسية، وتساعد على الاسترخاء مستشهدةً بانتشار ظاهرة كتب التلوين للبالغين، وكيف أنها طريقة جديدة للعلاج النفسي.

أصدقكم القول، قبل هذا الموقف لم أكن مقتنعة بما قلت عن التلوين وكونه علاجًا، كنت أرى الأمر أنه ظاهرة أخرى جديدة من ظواهر بيع الوهم لمن أرهقتهم وحوش الضغوط النفسية، وتجارة رابحة جديدة في ظل الأسعار المرتفعة لكتب تلوين البالغين. أما وقد جربت الأمر بنفسي فلا أجد غضاضة في الاعتراف بأني كنت مخطئة، وقد كفّرت عن هذا الخطأ بصناعة كتاب للتلوين خاص بي.

لحظات البهجة والسعادة بدأت منذ اللحظة التي قررت فيها صنع كتاب للتلوين بنفسي، بدأت أبحر في عوالم جوجل التي فُتحت أمامي بمجرد كتابة “coloring book for adults” أو “anti-stress coloring pages” في خانة البحث. ملايين الصور تُعرض أمامي فأختار منها ما أشاء (حيوانات – أشكال هندسية – حدائق – ماندالا).عن نفسي لم ألتزم بنمط محدد في اختيار الصور، لكنك تستطيع ذلك. يمكنك أن تصنع كتابًا يضم صور الحدائق فقط، أشكال الماندالا فقط، صور طعام، تصاميم ملابس، حيوانات، والجميل جدًا أن هناك تطبيقات تستطيع من خلالها تحويل الصور العائلية لصور بالأبيض والأسود قابلة للتلوين، والتطبيق الأفضل لذلك تطبيق pixlr.

من تجربتي خلال صنع كتابي، أنصح بأن تُحفظ صفحات التلوين بصيغة PDF وذلك لضمان طباعة الرسم كاملاً، وبدقة عالية. بعد تجهيز كتاب التلوين، لا تحتاج سوى التوجه لمكتبة لطباعته، وقبل البدء في عملية الطباعة عليك أن تقرر حجم ونوعية الورق التي تريد أن يكون كتابك عليها. نوعية الورق يتحكم فيها نوعية الألوان المستخدمة، فإذا كنت ميالاً لاستخدام الألوان الزيتية والمائية والجواش، فعليك اختيار أوراق أكثر سماكة من ورق الطباعة العادي.

لمنح كتابك الخاص لمسة احترافية كالكتاب الجاهز، عليك أن تجعل له غلافًا مميزًا بلمساتك الشخصية الفنية. يُمكنك هنا الاستفادة من غلاف دفتر قديم له شكل مميز، يمكن أن تغلف الغلاف القديم بواحدة من صورك المفضلة عن طريق طباعتها ولصقها فوق الغلاف. يمكن أيضًا صناعة غلاف جديد، باستخدام الورق المقوى الأبيض ثم رسم ما يحلو لك عليه، أو لصق صور أو أشكال بارزة.

الخطوات السابقة قد تبدو مملة أو مجهدة، لكن هذا ليس صحيحًا، فعملية اختيار صفحات التلوين وترتيبها لا تخلو من البهجة والمتعة، يكفي شعورك بأنك تصنع شيئًا بنفسك لنفسك، بأنك تلملم بعض السعادة في صفحاتٍ ما إن تطبعها حتى تصبح كتاب تلوين رائعًا خاصًا بك ويحمل لمساتك أنت.

الآن كل ما ينقصك شراء علبة الألوان التي تناسبك، أنواع الألوان متعددة (مائية – زيتية – شمع – باستيل – جواش – خشب) لكن تظل الألوان الخشب الخيار الأمثل للمبتدئين. حسنًا، الكتاب أمامك والألوان بجانبك، سنبدأ التلوين الآن. أعرف أن حماستك على أشُدّها، لكن دعنا نتفق على شيء أولاً، الغرض من التلوين التخلص من الضغوط النفسية والاسترخاء، لكن البعض يصبح التلوين بالنسبة إليهم ضغطًا نفسيًا آخر، وذلك لسعيهم نحو الكمال في تحويل اللوحة ما بين أيديهم لتحفة فنية، لذا قبل البدء دع الكمال جانبًا، استرخِ تمامًا، حرر نفسك من أي تصورات مسبقة عن اللوحة التي أمامك، وابدأ بالتلوين، إن لم ترضَ عن لوحتك الأولى فحتمًا سترضى عن الثانية أو الثالثة أو حتى العاشرة. لا تيأس، ابتسم للألوان ودع جنية الألوان بداخلك تتحرر، بعد بضع لوحات ستجد أن الألوان أصبحت صديقتك وستساعدك بنفسها على جعل اختياراتك أكثر تناسقًا.

ها وقد انتهينا من صنع كتاب التلوين ومصادقة الألوان، وكصديقة لكم أود أن أعترف أني دائمًا ما كنت أنظر للرسامين نظرة انبهارٍ لا تخلو من الحقد حقيقةً، فالرسم هو الموهبة التي كنت أحلم بامتلاكها، وفي الواقع لا أملك منها شيئًا على الإطلاق. مع التلوين أستطيع أن أقول أن حقدي تبدد على معشر الرسامين، كما تبدد توتري، فالتعامل مع الألوان رائع ويخلق بداخلك إبداعًا من نوعٍ خاص، فكوني أحوّل لوحة صامتة من الأبيض والأسود إلى لوحة تنبض بالألوان لهو إبداعٌ أيضًا حاله حال الرسم، إبداع وجمال أتمنى أن يجربه الجميع.

موقع مجاني لصور تلوين الكبار

تطبيق pixlr لتحويل الصور العائلية لصور قابلة للتلوين.

المصادر: 1، 2

المقالة السابقةوصفتي السريَّة للصمود
المقالة القادمةأن تبدع الآن خير من ألا تبدع أبدًا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا