الأمومة بعيون بطلات مسلسل “ليه لأ 2”

1857

هل الأمومة حقًا فطرة؟ هل جُبلت النساء على أن يصبحن أمهات، أم أن للأمومة أوجهًا عديدة؟ مؤخرًا أصبحت النساء أكثر جرأة وإدراكًا لحقوقهن، ومن ثمَّ صارت العديدات قادرات على اتخاذ قرارات مصيرية غير مألوفة، دون أن تُخيفهن المعارك التي سيضطررن إلى خوضها مع من حولهن في سبيل ذلك، حتى وإن كانت إحدى هذه المعارك -أو دعونا نقول القناعات- سترتطم مباشرة بصورة الأمومة التقليدية المتعارف عليها في مجتمعتنا: أن تكوني أمًا محتضنة وليس أمًا بيولوجية لطفل خرج توًا من رحمك. كل هذا وأكثر طرحه الموسم الثاني من مسلسل “ليه لأ” الذي يُعرض حاليًا.

إذ استعرض العمل ثلاثة نماذج نسائية مختلفة، لكل منها قضية شائكة نتجت عن قناعاتها الشخصية غير الشائعة وتصورها شديد الخصوصية عن الأمومة، وهو ما ترتب عليه بالتبعية وقوف أقرب الناس إليهن بوجوههن مستنكرين ما يفعلن، لكن ذلك لم يمنع أيًا من البطلات من الإصرار على موقفها. لنجد أنفسنا فجأة، بين امرأة تؤمن أن غريزة الأمومة موجودة وأصيلة حتى ولو لم تنجب، وأخرى ترى الأمومة محض اختيار ولا مجال للفطرة بالأمر، فهي تناسبك أو لا، وحدها التجربة ستثبت ذلك، وأخيرة تحب الأمومة لكن قلبها أضعف من أن يتحمَّل أوجاعها وخساراتها الفادحة.

اقرأ أيضًا: كيف غيرت الأمومة رؤيتي للأعمال الفنية

بطلات مسلسل “ليه لأ 2” تغردن خارج السرب

تُرى هل توجد إجابة صحيحة وأخرى خاطئة فيما يتعلق بصورة الأمومة الحقيقية؟ هل الأمومة تقتصر على الأمهات اللاتي حملت أرحامهن أرواحًا صغيرة؟ هل يمكن أن تكتشف أن مشاعر الأمومة ليست فطرة تولد مع ولادة الصغار، وأنها ربما تولد في قلوب نساء لسن بأمهات من الأساس، أم أن جميع ما سبق ذكرة قد يكون حقيقيًا؟ هذا ما حاول صناع العمل مساعدة المشاهد على الوصول إليه وإدراكه بنفسه، عبر سلسلة من التساؤلات التي تطرح نفسها حلقة بعد أخرى.

الأولى: ندى وحلم الأمومة البعيد

“ندى” طبيبة شابة مُتحققة بعملها، مرت بعدة تجارب عاطفية لم يكتب لها النجاح، مما دفعها لاتخاذ قرار بعدم الارتباط إلا إذا وجدت من تتلمس فيه الصفات التي تبحث عنها، رافضةً مبدأ الزواج من أجل الزواج فحسب، إذ اعتادت الحياة وحدها بعد وفاة والديها وسفر شقيقها للعمل بالخارج، المعضلة الوحيدة التي كانت تواجهها هي رغبتها بالأمومة، التي تبتعد عامًا تلو عام عنها خطوة فأخرى.

بالصدفة يضع القدر في طريقها رضيعة تخلَّت عنها أمها المراهقة، خوفًا من عقاب أهلها إذا ما عرفوا بأنها ارتكبت فعلاً حميميًا مع الشاب الذي تحبه. ورغم صعوبة الموقف وتعقيداته، فإن الله يُسقط في قلب “ندى” حُب الصغيرة، فتعود رغبتها بالأمومة التي طالما حاولت تجاهلها إلى السطح، ولا تتمكن من إسكاتها مرة أخرى.

وهنا تتخذ قرارًا بتبنِّي الصغيرة، قبل أن يخطف قلبها طفل آخر أكبر سنًا، وبالرغم من أن لا أحد ممن تعرفه يُشجعها على تلك الخطوة، فإنها تُنفذها وتتحمل تبعاتها، سواء على المستوى المادي أو الوظيفي، وحتى احتمالية أن يهدد ذلك مسألة ارتباطها مستقبلاً إذا ما لم تجد من يتفهَّم ما فعلت. ومع أنها وحدها من ستدفع ثمن اختيارها، لكنها تفاجأ بالجميع وقد وقفوا ضدها، أو على الأقل استنكروا موقفها، بدايةً من شقيقها، مرورًا بصديقتها المقربة، ووصولاً بمن تعرفهن من الأمهات! وحده إصرارها يجعلها قادرة على الصمود وتحدي الجميع دون أن تخشى العواقب، إيمانًا منها بأن هذا الطفل مثلما ستمنحه هي أمًا يحتاجها، هو الآخر سيكون سببًا رئيسيًا في أن تحصل هي على الونس والسند وتحقق حلم أمومتها البعيد.

الثانية: سالي وشبح الأمومة الموؤودة

“سالي” هي الصديقة الأقرب لـ”ندى”، وعلى ذلك أتى موقفها من الأمومة شائكًا وعصيبًا، فهي زوجة لرجل يحبها ويحاول بأقصى جهده أن يجعلها سعيدة، غير أن مساعيه تفشل دائمًا، لتبقى هي كئيبة وحزينة ورافضةً أن تشعر بالفرح. وبالرجوع إلى حياتها قبل ثلاث سنوات نكتشف أنها فقدت ابنها الصغير إثر ارتفاع بدرجة الحرارة، ظنت هي أنه عادي قبل أن يُودي بحياته، فما كان منها سوى أن أكملت حياتها فيما يسيطر عليها وجع الفقد والشعور بالذنب، فكيف لها أن تسعد في ظل كل تلك المشاعر السلبية التي تتملكها؟!

في الوقت نفسه نرى زوجها الذي يحاول تجاوز الصدمة، من أجل زوجته أولاً، ولكي يستطيع استكمال حياته ثانيًا، ومع اختلاف طريقتها في التعامل مع وجع الفقد، وتفاوت سرعتهما في التعافي من كرب ما بعد الصدمة، تحدث الأزمة. فالزوج يريد للحياة أن تمضي، وأن ينجبا طفلاً آخر يصنع منهما عائلة ويجعلهما يتخلصان ولو بعض الشيء من آثار تجربتها المريرة الأولى، والأهم أن تذهب زوجته لطبيب نفسي للعلاج، وهو ما يُشعر “سالي” بالغضب، لأن من حولها يجبرونها على الاستشفاء وتناسي ما حدث، رافضين سيرها ببطء في تلك الطريق الوعرة، كما لو كان ما تعانيه عاديًا أو مُحتملاً! لذا، ما أن تتأكد من أنها لا تستطيع أن تكون المرأة والزوجة التي يتوقعها الآخرون، تكرر الانفصال عن زوج يراه الجميع لا يُعيبه شيئًا، فتطلب الطلاق، رافضة إجبار نفسها على مطاردة الأمومة التي سبق أن أحدثت بها جرحًا لن يندمل أبدًا.

اقرأ أيضًا: كيف تلتئم: محاولة إيمان مرسال لمواجهة أشباح الأمومة

الثالثة: رانيا ومسؤوليات الأمومة البغيضة

على عكس “ندى” التي سعت خلف الأمومة ولو بطريقة غير مباشرة، مُتَّبعةّ غريزتها ورغبتها الأصيلة، و”سالي” التي فجعتها الأمومة فلم تتحمل وجع فقد صغيرها لتظل تسير بقلب نازف وأمومة موؤودة أجهضتها التجربة، هناك “رانيا”، السيدة العاملة الناجحة التي ما أن تصبح أمًا حتى تكتشف أن الأمومة ليست سهلة، بل أنها على الأغلب -برأيها- لا تستحق أن تتخلَّى لأجلها عن حريتها وخفتها وطموحها وكل ما عاشت عمرها تسعى لتحقيقه.

تسقط “رانيا” في فخ اكتئاب ما بعد الولادة، لكنها لا تخرج منه إلا وهي مقتنعة أن الطلاق فرصتها الوحيدة للنجاة، تاركة طفلتها لزوجها يعتني هو بها، فيما تكتفي هي بالوجود المُشرِّف بحياة ابنتها. وهو ما يتحقق بشكل شبه يومي ورفقة مستمرة بالعطلات والرحلات وحتى الأنشطة المنزلية، الفارق هو أنها تفعل ذلك متطوعةً متى واتتها الرغبة ودون إلزام دائم، مفضلةً المهام السهلة، بينما يتحمَّل طليقها المسؤوليات الشاقة بحب وتفانٍ منه وعدم شعور بالتضحية أو الخسارة. ومع أن الزوجين لا يزعجهما ذلك الوضع ويتعاملان معه بأريحية، لكن من حولهما يتعجبه ويستنكره، فكيف لأم أن تترك طفلتها أو ترفض الأمومة التي جُبلت عليها؟!

هذا الموقف المتناقض بين النماذج الثلاثة، وإن كان يؤكد شيئًا فهو أن ما من قواعد ثابتة لأي شيء، وما من مشاعر حتمية يجب توقعها من الآخر أو لا يمكن الحياة دونها. فها هي امرأة تمارس الأمومة كاملةً تجاه طفل لم يخرج من رحمها، وإن لم يمنعها ذلك من الشعور تجاهه بالاهتمام والمسؤولية، مُضحيةً لأجله بالكثير، وبالوقت نفسه أمامنا نموذج آخر لأم بيولوجية لم تُشعرها الأمومة سوى بالتعاسة، ففضَّلت أن تكون أمًا سعيدة من بعيد بدلاً عن أن تكون لصيقة بابنتها ولا تمنحها إلا البؤس، لكل منا في النهاية صورة وتصور خاص جدًا عن الأمومة حتى وإن لم تخضع لمقاييس المجتمع وقوالبه الموحدة، وفي نفس الوقت لا ينتقص ذلك على اختلافه من أمومتنا شيئًا، فماذا عن تجاربكن أنتن الشخصية مع الأمومة، هلا حدثتونا عنها؟

اقرأ أيضًا: الأمومة بين كتب التربية الحديثة وصراعات الواقع

المقالة السابقةلماذا يهنأ السيئون؟!
المقالة القادمةالرومانسية المفقودة
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

3 تعليقات

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا