وسائل التواصل الاجتماعي: هل أصبحت حياتنا أفضل أم أسوأ؟

1160

منذ عدة أيام كنت أعاني من مشاعر سلبية تضايقني جدًا، كان سببها أنني لا أستطيع أن أنزع الشعر الزائد عن وجهي، نظرًا للإغلاق الكامل لكل صالونات التجميل بسبب الكورونا، تفتق ذهني لاستخدام الشمع، ففعلت، ولم أجنِ سوى جروح تملأ وجهي ونار تشتعل في جلدي، انتابني حزن حقيقي، فدخلت فيسبوك لأحد المجموعات الخاصة التي أنشأتها صديقة لي منذ أكثر من عامين، وحكيت لهم ما فعلته، ردت عليَّ صديقتي في ثوانٍ معدودة وأخبرتني بنوع شفرات يستخدم لهذا الغرض بالتحديد، وبعد أن نجحت في استخدامها كنت أشعر بسعادة حقيقية.

الجروب الذي أنقذني

يبدو الموقف الذي حكيته سابقًا بسيطًا جدًا، بل وتافهًا، حسنًا، نفس هذه المجموعة ونفس الصديقة هي ومجموعة من أصدقائنا المشتركين، كانوا أحد الأسباب الرئيسية في أن أتخطى الشهور الأولى بعد ولادتي وأنا متزنة نفسيًا، ولا أشعر بمشاعر سلبية تجاه التغييرات التي طرأت على حياتي، مع انعدام النوم وقلة خبرتي، ولأنني كنت أخفي متاعبي عن أمي لأن أختي في محافظتها البعيدة كانت في أشهر حملها الأخيرة وكانت أمي يجب أن تلازمها.

كنت أقضي الليالي بصحبة الفتيات أونلاين، أشكو لهن أن الضوضاء البيضاء التي ينصح بها الأطباء تجعل طفلي منتبهًا أكثر، وأنه في الأوقات القليلة التي ينام فيها أظل مستيقظة محدقة في السقف، كُنَّ يتحدثن معي طوال الليل تقريبًا، وما أن تنام واحدة حتى أجد أخرى مستيقظة لتتبادل معي الأحاديث التافهة حينًا والمهمة حينًا آخر، نتبادل النكات والقفشات ونستخدم خاصية اللايف كي تبكي إحدانا على الهواء داخل المجموعة وتواسيها الأخريات، كانت هذه المجموعة –وما زالت– مكانًا آمنًا لي وللفتيات، وما زلت ممتنة لهن حتى الآن، وأعتبر أن هذه المجموعة هي هبة منحني إياها الله. هبة هو اسم صديقتي التي أنشأت المجموعة، وهو ما كانته المجموعة لي على مدار سنوات.

اقرئي أيضًا: أجمل رسالة شكر لصديقتي الغالية

التواصل الاجتماعي في زمن كورونا

يمر العالم الآن بظرف استثنائي يجعل معظمنا ممن يمتلكون الوعي الكافي يلازمون بيوتهم بشكل شبه كامل، لا زيارات ولا تواصل حقيقي ولا فرصة للتسوق وزيارة المحال المختلفة، خصوصًا مع اقتراب شهر رمضان بتحضيراته وديكوراته، اليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي البطل الحقيقي الذي لولاه لكان الجنون أصابنا جميعًا.

التكنولوجيا ساحرة، التكنولوجيا تجعلنا نسمع عائلاتنا البعيدة ونراهم ونتبادل معهم الأحاديث كأننا نجلس معًا. وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تجعلنا نعرف ماذا يدور عند من يهمنا أمرهم على مدار الساعة، والصفحات والمجموعات الخاصة بالتجارة الإلكترونية جعلتنا نحصل على كل ما نريده تقريبًا ونحن جالسون في أماكننا، نتسوق عبر الشاشة ونعمل عبر الشاشة ونتبادل الأحاديث عبر الشاشة.

شكرًا أيها الإنترنت

كنت دومًا أبدي اعتراضي عندما أسمع الناس ينعتون الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بأنها وحش قبيح يجعل الحياة مزيفة، كنت دومًا أرى جانبها الآخر، فوسائل التواصل الاجتماعي منحتني تقريبًا كل ما هو هام في حياتي، بدءًا من الصداقات التي كونتها منذ سنوات طويلة جدًا عبر الإنترنت، أعز صديقاتي وأقربهن لقلبي حصلت عليها عبر الفضاء الإلكتروني، في زمن بلوجر القديم جدًا وجدت “مرام”، أو وجدتني هي، ولا زالت إلى الآن قطعة من قلبي، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على عثورنا على بعض.

أما فيسبوك الحديث نسبيًا فمنحني صديقًا لطيفًا، منذ المرة الأولى التي رأيته فيها أعجبت به جدًا، اسمه “محمد” وقد استغرقت صداقتنا بعض الوقت حتى نصبح مقربين، كنا نقضي الوقت نتحادث عبر الرسائل الإلكترونية ونرى بعضنا البعض كل عدة أسابيع لأنه يقطن محافظة غير التي كنت أقطن فيها، لم نعد نتحدث الآن عبر الفضاء الإلكتروني لأنه الآن يجلس على الكنبة المواجهة لي، “محمد” الذي تعرفت عليه منذ أكثر من ست سنوات عبر فيسبوك أصبح زوجي.

أما هذا المقال الذي أكتبه الآن فأنا أكتبه للمجلة الإلكترونية التي سوف أظل أدين لها ما تبقى من عمري، لأنها ببساطة منحتني قيمتي الحقيقية التي ظللت قرابة ستة وعشرين عامًا أبحث عنها، والتي تعرفت عليها أول ما تعرفت على فيسبوك، عن طريق صديقة كنت أقضى الوقت أتحدث معها عبر الياهو ماسنجر، “آية” التي رأت أنها يمكن أن تمنحني فرصة، وأصبحت تلك الفرصة هي كل حياتي القادمة.

التواصل الاجتماعي أصبح سهلاً

هذا هو الوقت الذي يجب أن نعترف فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي هامة جدًا، لولاها ما كان طفلي سوف يتذكر وجه بنات خالته، وأمي كانت سوف تنسى ملامح طفلي وينسى هو ملامحها، ولن يعرف من هي “تي تي” التي يحدث صوتها في الهاتف. فيسبوك وواتس آب بإمكانياتهما غير المحدودة جعلاه يتواصل مع عائلاتنا ويطلب أن يرى عمته عبر مكالمات الفيديو. وسائل التواصل الاجتماعي تجعلني أرى الطعام الذي صنعته أختي، وأرى الثوب الذي صنعته أمي بالكروشيه. وسائل التواصل الاجتماعي تجعلني أعرف كل شيء عن “باكينام” صديقتي المقربة منذ المدرسة الإعدادية التي لم أرها منذ ست سنوات والتي تقطن بلدًا آخر الآن.

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تستحق اسمها فعلاً، وتمكنت من أن تتبرأ من كل الاتهامات التي اتهموها بها سابقًا، أثبتت أنها واقع حقيقي وله دور ملموس في حيواتنا، وليست زيفًا افتراضيًا يلتهم حياتك ويمنعك من ممارستها بطبيعية. كل شيء في العالم له مساوئه، ولكننا يجب أن نعترف أن في هذا الزمن الذي نعيشه، فمميزات التواصل الاجتماعي أثبتت أنها أكثر كثيرًا من مساوئها.

أنا مثلاً بعد أن أنتهي من كتابة هذا المقال سوف أطلب ياميش رمضان دليفري من أحد الموزعين الذين تعرفت عليهم من إحدى المجموعات الخاصة بفيسبوك، فوسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة لي مهمة جدًا، منذ سنوات طويلة وأنا أعتمد عليها، ولا أتمنى أبدًا أن أغير وجهة نظري فيها، فماذا عنك؟

اقرأ ايضًا: في أوقات فراغك: 12 تطبيقًا غريبًا لم تتوقع استخدامها

المقالة السابقةقائمة أفضل مسلسلات طويلة تركية وكورية ومصرية
المقالة القادمة“خليك في البيت”: هدنة مع النفس وتهدئة للعقل
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا