نوبة القلق المتكررة: كيف هي وما فعلته بحياتي

1719

تقول جدة صديقتي الحكيمة “اللي تخاف منه ميجيش أحسن منه”، تقول “القلق صديق وليس عدو، يجعلك تفكر في كل الاحتمالات السيئة، كي تكون مستعدًا”، ويقولون القلق مَرَضي، يقولون مؤلم ومرهق. القلق هو وسيلة فعالة جدًا لحماية النفس من كل الصدمات التي قد ترفق بها، ينقلك لعالم سيئ بالفعل، عالم تسوء فيه الأمور ويتحقق به كل ما لا ترغب، لا يستوجب الأمر سوى بعض الصمت، أنت في مواجهة عقلك، وفي لحظة تجد نفسك مع أسوأ كوابيسك وجهًا لوجه، عالم تختفي فيه الألوان وتقترب منك كل تلك الأشباح التي لطالما حاولت حبسها، صوت لهاثك يعلو فوق صوت المنطق، خوف.. خوف غير مبرر، خوف من احتمالات قد لا تحدث أبدًا، لكنها ممكنة، وكل ما هو ممكن مرعب.

أؤمن بقوة الحضن الصادق على حل الأمور وتهدئة الصراعات الداخلية وملاشاة القلق، فتخيل إن كنت محرومًا من هذا الحضن!

أمّا يامّة شوفت حلم!

في طفولتي كان يراودني حلم متكرر، أهابه كثيرًا.. ثيران ضخمة تركض خلفي على سلم بيتنا، تحاول اللحاق بي، أحاول عاجزة الهروب منها، أركض صاعدة درجات السلم وأنا ألهث، أنظر لأجد الثيران خلفي، تقترب، أخيرًا.. شقتنا، أحاول الدخول والاحتماء بها، الباب.. الباب دائمًا أصغر مما يجب، لا يريد أن يُغلَق، أحاول مرة تلو الأخرى جعل الباب يلمس طرفه الآخر كي ينغلق، لكنه أصغر مما يجب، لا ينغلق الباب بل يلتف حول محوره وكأنه باب دوار، هناك جزء ناقص، خشب الباب غير مكتمل، والثيران تقترب، شعور بالخوف وانعدام الأمان، بكاء، لهاث، قلبي يؤلمني في الحلم، وأستيقظ بنفس الألم في الواقع.

دائمًا ما كان الحلم يرعبني، ما زلت أخشى التفكير به، لكني أدرك معانيه الخفية، أدرك كل ما تم إفساده في طفولتي وانعكس على شخصيتي الآن، أدرك كم العطن المختبئ في ثنايا روحي، ظلام قادر على ابتلاع كل الحب في العالم ولن يهدأ، أحارب الخوف بالحب، بالابتسامات، بالمحاولات المتكررة للوصول للسلام الداخلي، لكن لا شيء يفلح، مجرد مهدئات وقتية بمجرد زوال مفعولها ينفجر الواقع في وجهي مشوهًا ألوان الحياة، الأبيض والأسود، لونان متناقضان جدًا، الأبيض لون الجنة والأسود لون العدم، أتأرجح أنا بين جنة اللا وعي والعدم حين أدرك أن كل محاولاتي للهروب هي مجرد خدعة أخرى أخدع بها نفسي، لا فائدة، لم أدرك في طفولتي أن الحلم سيراودني ثانية وسيكون له جذور تضرب في واقعي، ولم أعرف أنها بوادر اضطراب قلق مزمن.

عقدة المُخلص

في صغري قرأت قصة قصيرة لا أذكر اسمها او اسم كاتبها، يوسف السباعي ربما، تحكي عن سيدة فاضلة أحسنت في حياتها فدخلت الجنة، وهناك وسط قصورها وحدائقها ونعيمها سمعت آهات وآلام أهل النار، لم تستطع أن تنعم وأحدهم يتألم، كان صوت صراخهم أعلى من كل أصوات أنهار الجنة وخشخشة أوراق أشجارها، كانت تتألم من نحيبهم، هكذا أشعر، وهذه هي عقدة المُخلص ممزوجة بالقلق غير المحدود، والتي صاحبتني بشكلٍ أو آخر.

أدرك أن لكل منا مأساته التي ترقى لأن تصنع إلياذته الخاصه، كلنا نتألم، تلك الغرفة المغلقة في آخر ممر عقلنا والتي تحوي الظلام، أبشع الأفكار والذكريات تقبع هنالك، يتسرب بعض أشباحها من حين لآخر ليعمي الألوان في أعيننا وبعلياء صوته يصرخ “فليكن ظلامًا”، لكن في العلن يطغى النور على تلك الأشباح كلها، نخاف من أن تلتصق بنا تهمة رومانسية القهر فندعي المرح، ونتلمس طريقنا نحو السلام بغصة في الحلق واختناق طفيف تخفيه تلك الابتسامة الرائعة.

كيف هي نوبة القلق ؟

القلق هو شعور بالسقوط المستمر، هوة داخلية عملاقة، السقوط في أعماق الذات وسط كل المخاوف والذكريات وكل ما رغبت دومًا في أن تنساه، أن تجد نفسك هناك، في تلك البقعة السوداء، الأسود يمتص الألوان، والقلق أسود، يجعل لون الحياة رماديًا، ومع تلك المحاولات المستمرة لاستحضار الواقع، تبدأ في مقابلة كل ما فقدته، الفقد يغذي القلق.

أمارس طقوس التخلص من نوبة القلق ، يقولون تنفسي فأتنفس، يقولون ادركي الواقع من حولك، أنتِ في مساحتك الآمنة، كل الأشباح بعيدة لن تصل إليكِ، يقولون كوني واثقة، أنتِ بأمانٍ هنا، وحوش الماضي احترقت كلها ولا يوجد لها ظلال إلا في عقلك، كل الاحتمالات ممكنة لكن ما أسوأ شيء قد يحدث؟ لقد تحطمتِ مرارًا من قبل ولا زلتِ هنا، برغم كل هذا الألم والعطن، لا زالت ابتسامتك الرائعة حاضرة، فاضحكي في وجه مخاوفكِ والقلق، وقفي لحظات لتأبين كل ما فقدتِه وودعيه بعيدًا في تلك الغرفة المظلمة ثم اغلقيها جيدًا، استريحي الآن حتى ميعاد نوبة القلق التالية، فهي بلا شك قريبة.

اقرأ أيضًا: نوبات القلق والذعر.. مشاعر خلقت فيَّ الجحيم

المقالة السابقة“الرجالة مبتعيطش”: دموع الرجل كيف يراها الآخرون؟
المقالة القادمةما وددت البوح به لوالدَي

1 تعليق

  1. جميل جدا المقال
    انا دائما قلقه ومخاوفي تفسد طعم السعاده في حياتي
    أنه لشعور مرهق حقا لا أعرف الخلاص منه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا