جدول السعادة

1303

لا أكون سعيدة جدًا مع نهاية كل عام، لا أفتخر بإنجاز ما ولا أرى أبدًا أنني حققت أي شيء يذكر، نهايات السنين بالنسبة لي مواسم للتأنيب والشعور باللا جدوى، لذا اعتدت أن أختم أعوامي بغضب مما مضى وخوف مما يأتي، لا أكتب عبارات من قبيل “هابي نيو يير” ولا أعرب عن أمنيات أثق أنها لن تتحقق.

 

لم يكن إحباطي هذا من فراغ، بل ترتب على سنوات طويلة كنت أعد في بداياتها جداول الأمنيات وقوائم المهام التي أرغب في تنفيذها خلال العام، ثم لا ألبث أتأملها مع نهاية العام، وقد بقيت كما هي لم يتحرك أحدها ولو سنتيمتر واحد نحو قائمة المنجزات.

 

لا أحد يلتزم أبدًا بجدول المذاكرة أو جدول العمل أو أي جدول يضعه لنفسه بغرض الإنجاز، الجداول غالبًا ما تكون مثقلة بأكثر مما يمكننا فعله، خالية من الأمور الصغيرة بل والتافهة، وفي كثير من الأحيان تتضمن أمورًا خيالية غير قابلة للتطبيق، لأنها بلا مقدمات من الأصل.

 

كنت قد قاربت على الكفر بفكرة الجداول عمومًا، وأعترف أنني أخيرًا كنت قد قررت أن أترك الأمور تسير بـ”البركة” لكن ثمة أمورًا تفرض نفسها علينا، إن لم يكن برغبتنا فبضغط من نظام حياتنا المثقل بالمهام العديدة، وبإجبار من ذاكرتنا التي لا تسع الحد الأدنى مما يتوجب علينا إنجازه، هكذا كنت أعود من وقت لآخر لعادة كتابة قوائم المهام، دون أن أعوِّل عليها كثيرًا، لكن فجأة وبمحض الصدفة اختلفت الأمور كليًا، وتحولت فعلاً من واحدة اعتادت -ككثيرين- أن تنظر إلى جداول المهام باعتبارها مشاريع فاشلة، إلى أخرى تستعين بالصبر على نفسها، دون تفريط أو إفراط، هكذا جمعت كل المهام التي أرغب بها على قائمة واحدة، سواء تعلقت بالعمل أو أعمال المنزل أو ابني أو زوجي أو أمي أو نفسي، الكتب التي أرغب في قراءتها، القرارات التي أرغب في اتخاذها، وهكذا.

 

مع نهاية 2018 اختلفت تجربتي الحزينة 180 درجة، بفضل “memo” صغير عبر هاتفي النقال، تطبيق إلكتروني عبارة عن صفحات ملونة يمكن لمستخدمها أن يكتب ما يشاء فيها، استعنت به بعدما قدَّرت أن الكتابة في المذكرات الورقية غير مجدية لأننا ننساها هي نفسها في أماكن مختلفة، وأحيانًا ننسى النظر بها، وحده الهاتف المحمول لا يفارق أيدينا، لذا فالأفضل والأكثر عملية أن يحمل هو نفسه قائمة مهامي، ومن حسن حظي أن عثرت على تلك الميمو العبقرية التي تحمل اسم “tecno note”.

 

قررت أن أخصص أول صفحتين في ذلك التطبيق لجدولين، واحد بشأن ما يجب عليَّ فعله، وآخر أكتب فيه ما تم بالفعل، هكذا بدأت هذا العام مبكرًا جدًا، أكتب قائمة مهامي ثم لا أمحوها، ولكن أنقلها إلى صفحة أخرى تذكرني أن وقتي لم يضع سدى.

 

كانت أول مهمة في العام المنصرم شراء فلفل أسود للمطبخ، هكذا وضعتها في قائمة المهام للتحول بتنفيذها إلى إنجاز أفتخر به الآن. أعترف أن قائمة المهام المقرونة بقائمة الإنجازات ساعدتني كثيرًا، أجلس الآن لأطالع ما فعلته خلال العام، تلك الأمنيات الصغيرة التي تحققت لأنني واظبت على تذكير نفسي بها، استصدرت باسبورًا، أصلحت نظارتي ونظارة أمي، حضرت ورشة حول الكتابة العلمية، وفزت فيها بالمركز الأول، نسقت مع طبيب الجراحة لاستئصال مرارة والدتي، تقدمت لجائزة “مصطفى وعلي أمين” الصحفية وحصلت عليها، سافرت إلى ألمانيا في رحلة علمية، استصدرت رخصة قيادة، نجحت في تدريب ابني على خلع الحفاض واستخدام المرحاض -وهذا أمر لو تعلمون عظيم- ألحقته بمدرسة.

 

إنجازات شخصية وجدتني وقد كتبتها إلى جوار إنجازات أخرى، مثل “أصلح الشباشب، أصلح الكبة، أنشر الغسيل، أشتري مسحوق غسالة، ألم الجمعية، أشتري شعرية، أزور بابا، أجيب جرجير”، مع مرات لا نهائية أحرزت فيها نجاحًا من عينة شراء طماطم وبطاطس وخيار من الخضري.

 

قائمة طويلة جدًا تمتد من بداية العام لنهايته، لم تكن مثالية جدًا لكنها لم تفشل ككل عام اعتدت فيه أن أضع قائمة مهام في بدايته لأنعيها في نهايته، تعلمت هذا العام أن المهام الصغيرة جدًا هي البوابة لإنجاز الأمور الكبيرة، وأن محو ما تم إنجازه من قوائم المهام هو أمر محبط جدًا لا يجب أن نقوم به أبدًا.. جدول الإنجازات مهم وأساسي وهو المحفز الوحيد -بالنسبة لي على الأقل- كي ننجز المزيد من المهام على قوائم الانتظار، فقط لنضمهم إلى جدول “ما تم عمله”.. ذلك الجدول العبقري الذي أعده حقًا “جدول السعادة”.

 

أعترف أيضًا أنني لم أنجز كل المطلوب، فما زالت قائمتي تضم مهامًا لم تتحقق، كقراءة “في علم الكتابة”، ومتابعة أعمال كايسي نايستات، وشراء توك ملونة وعزومة صديقة لي أحبها.

المقالة السابقةهل يتملك شعور الخوف من المواجهة؟ تعرفي على كيفية التخلص من ذلك الخوف
المقالة القادمةكيف لعام واحد أن يحمل كل هذا التغيير؟
رحاب لؤي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا