مشاعر الذنب التي تأكل الأمهات

1956

1. حجر ثقيل

كما ولجتُ إلى فراشي مثقلة، فتحتُ عيني في الصباح بصعوبة، أشعر بنفس الثقل، لا يدفعني شيء إلى القيام من الفراش سوى أطفالي، يحتاجون للطعام، الاستحمام، المتابعة حتى لا تحدث كوارث، إلى آخر هذه القائمة التي لا تنتهي. في كل ليلة أغفو وفي حلقي غصة، فطوال اليوم أنجز المهام، والآن سأنام دون أن أنتهي من كل شيء، فأتمنى ألا يأتي الصباح، حتى لا أضطر إلى الدوران في ساقية لا تنتهي، من الأعمال التي لا تنتهي، ولا تتم على النحو الصحيح أبدًا، أو هكذا أعتقد.

2. آسفة.. أنا الغلطانة.. دائمًا!

أهرول قدر الإمكان وأنا أحمل الكثير من الأكياس، التي تترك علامات على أصابعي لساعات، أفكر جيدًا حتى لا أنسى شيئًا من احتياجات البيت، وفي كل مرة أنسى. ما بين الأشياء التي لا أتذكرها، والتي تعرِّضني لجلد الذات باقي اليوم، وأفكاري عما يفعله أطفالي في غيابي، تعطل زوجي عن العمل من أجل رعايتهم في هذا الوقت، والمهام التي في انتظاري، وتلك التي فشلت فيها، أشعر بعاصفة في ذهني، وثقل في قلبي، والغصة المعتادة في حلقي.

تتوقف مشاعري للحظات مع صوت فرملة سيارة، مع خبطة خفيفة نوعًا في ساقي اليسرى، تنفلت بعض الأكياس من يدي، ويهرول بعض المارة إليَّ، لم يجد سائق السيارة فرصة للصياح المعتاد في هذا الموقف، فقد رفعت عينَي إليه وأنا أقول: “أنا آسفة.. آسفة أنا الغلطانة.. آسفة”.

“إنتي كويسة طيب؟” لم أستطع الرد رغم أني سمعت السؤال أكثر من مرة، كنتُ مشغولة بالتقاط أغراضي، واستكمال أفكاري السابقة، المهام التي لم تُنجر، أولادي بدوني، عملي المتأخر، وقت زوجي المهدر بسببي.. تركت الجميع وأكملت هرولة وتفكير دون الالتفات خلفي.

3. إذا عُرف السبب…

تعودت أن أضع احتياجاتي في ذيل القائمة، يجب أن يحصل الجميع على ما يحتاجونه، ثم أنا، إذا تبقى وقت. انتهيت من معظم مهامي في هذا اليوم العصيب، واستطعت أن أحصل على وقت للاستحمام، لفتت نظري كدمة كبيرة على ساقي، وضعت يدي عليها، فذكَّرني الألم بحادث الصباح الذي لم أخبر عنه أحد، ففي كل الأحوال لا أمتلك طاقة لشرح كيف لم أكن منتبهة إلى الحد الذي تصدمني فيه سيارة بشارع جانبي.

لأول مرة لم أرد على طفلي الذي كان يناديني من وراء الباب، جلست تحت الماء أفكر في السبب الذي يجعلني غير مهتمة بآلامي، أنا التي كنتُ أرقد أسبوعًا كاملاً عندما أصاب بنزلة برد! بكيتُ كثيرًا، اختلطت دموعي مع الماء الساخن، ولكنها لم تُذِب ثِقل قلبي. لماذا يلازمني هذا الثقل وهذه الغصة؟ لأنني لم أنجز بعض المهام! أو أنني فشلت في إحداها! وأحيانًا لأنني أنا فقط! أنا أشعر بالذنب، طول الوقت، بسبب ودون سبب.

4. أنا اللي أكلت الجبنة

كان اعترافي هو بداية الطريق لإيجاد الحل، كعادتي مارست هوايتي في البحث عن الأمر، لأكتشف أن الشعور بالذنب هو عَرَض شائع لدى الأمهات، فالأم التي تعمل، تشعر بالذنب لأنها تقتطع من وقت أطفالها لعملها، أو أنها تضطر لإيداع طفلها في الحضانة، والأم التي لا تعمل، تشعر بالذنب لأسباب أخرى.

وبما أنني أعمل من البيت، فقد اكتشفتُ أنني أحمل الذنوب جميعًا، أمنح وقت أطفالي لعملي، وأؤخر تسليم عملي من أجل رعاية أطفالي، وأحمل ذنب تأخر زوجي عن عمله بسبب مساعدته لي، وأن طفلي لم يحصل على مكافأة في مسابقة القرآن بالمدرسة لأنني لا أملك الوقت لأصطحبه إلى مكان لتحفيظ القرآن، وطفلي الآخر مصاب بالإمساك بسبب أنني لا أمتلك طاقة للضغط عليه من أجل ابتلاع الخضراوات الطازجة.. أخبركم شيئًا؟ أنا اللي أكلت الجبنة!

5. محاولات النجاة

الشعور بالذنب شعور خانق، قاتل للروح والإبداع، تحتاج الأمهات للتخلص منه، من أجل أنفسهن، ومن أجل أسرهن أيضًا، وأنا في مقدمة هذا الطابور من حاملات الذنب، بلا ذنب. بعد البحث وجدتُ بعض النقاط الهامة التي يمكن أن تساعد في التخلص من الشعور بالذنب، لا زلتُ في مرحلة المحاولة، أفلح أحيانًا، وأخفق أحيانًا كثيرة، ولكن الأمر يستحق المحاولة:

  • نحتاج إلى الثقة بأنه لا يوجد ما يسمى أم مثالية، أو سوبر ماما، وأن الأم هي بشر، تخطئ، وتقصر، وتهمل، عادي يعني!
  • اللقطات التي تبرزها الأمهات الأخريات على السوشيال ميديا ما هي إلا لحظات من يومها مع طفلها، ولا تعني أن هذه هي حياتهن بالكامل، بمعنى أن حكايات الأمهات عن رحلاتهن المكوكية بين الأنشطة والتمارين والكورسات التي يشترك بها أبنائهن، لا تعني أن هذه هي الحياة، بالتأكيد هناك أمور أخرى يتخلين عنها من أجل تحقيق هذا النمط، كما أن الصور السعيدة تكون للقطة واحدة من حياة الأم مع طفلها، وراءها لحظات من الفشل والتقصير، وربما الصياح، ككل البشر، فلا تسمحي لهذه اللقطات بإحباطك؛ الجميع لديه إخفاقات، ولكن لا أحد ينشر هذا، وتذكري دائمًا.. لا للمقارنات.
  • مع كل نقاط ضعفك وتقصيرك، أنتِ ناجحة، انظري إلى الجوانب الإيجابية، مثل وجبة أعددتِها رغم كل متاعبك الأخرى، الأمومة عمل شاق، وأنتِ بحاجة إلى تقدير إنجازاتك.
  • مهما كان إنجازك بسيطًا، كافئي نفسك، اشتري شيئًا تحبينه، أو اصنعي طعامًا لا يُفضِّله أحد غيرك، أنتِ بحاجة لتدليل وتقدير نفسك.
  • لا تعيري انتباهًا للانتقادات أو النصائح المجانية التي يحاول البعض إهداءها لكِ، كوني واثقة من أسلوبك كأم، وأن ما تقومين به كافِ بما أنكِ تبذلين كل جهدك من أجل أسرتك.
  • تخطي المهام التي لا تستطيعين النجاح فيها إذا كانت غير ضرورية، أما إذا كانت ضرورية، تراجعي خطوة وفكري مليًا وابحثي عن أفضل وأسهل الطرق للقيام بها، ولا تترددي في طلب المساعدة من أحد المقربين أو المتخصصين. نحن جميعًا بشر ونحتاج لمساعدة بعضنا.
  • تحدثي مع أمهات أخريات عن مشاعرك، هذه أفضل طرق الحصول على الدعم، ستتشاركن المشاعر، وتتبادلن الخبرات، وتتقاسمن الحكايات، ويمكنكن معًا الوصول لأفضل الطرق للتغلب على المشاعر السلبية بفضل الدعم من أشخاص متشابهين في الظروف.
  • وأخيرًا والأهم، تأملي ضحكة صغيرك، رائحته بعد الاستحمام، مهاراته التي تتطور يومًا بعد يوم، هذا إنجازك الكبير، فكيف تشعرين بالذنب وأنتِ مسؤولة عن هذه المعجزة الكبيرة؟!
المقالة السابقةصغيرتي.. أكتب عن الرحلة منكِ إليَّ
المقالة القادمةحتى وإن لم يكن للعزاء معنى

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا