منذ اللحظة الأولى التي تضعين فيها مولودك، ومع إفاقتك من البنج، بل وقبل حتى رؤيتك لصغيرك، سيقولون لكِ: “مبروك، عقبال ما تخاويه”، لا تتوقعي غير ذلك. فلا أحد يهتم بقدرٍ كافٍ بما تُعانيه من آلام أو ما ينتظرك من أهوال، وفي نهاية الأمر أنتِ لستِ أول من تُنجب ولا الأخيرة.
توقعي طَرح فكرة مُخاواة طفلك الصغير في كل مكان ومن كل الأشخاص، أمك، حماتك، طبيب أمراض النسا الخاص بكِ، طبيب الأطفال، وحتى بائعة الخضراوات على الناصية. ستُطرح الفكرة على سبيل التمني، التهريج، الاستبشار، أو لإحساسك بالذنب. ومع كل يوم يمر في حياة طفلك ستزداد رغبة الآخرين في إنجابك من جديد واستغرابهم من عدم حدوث ذلك حتى الآن.
وأيًا كان الوقت الذي سيمنحونك إياه قبل بداية الإلحاح -إذا منحوا- من شهور، أو سنة سيكون أقصى ما قد تحصلين عليه هو سنتين عُمر فطام الطفل وخَلع البامبرز، وقبولهم لنزول طفلك الحضانة. أما إذا كُنتِ لا تُرضعين طبيعيًا وأنزلتي طفلك الحضانة مُبكرًا سيأتي إلحاحهم أسرع، خصوصًا إذا كُنتِ لا تعملين، كما لو كانت البطن البَطَّالة نِجسة.
سيقولون لكِ الكثير وسيختلف رد فِعلك حسب قوة شخصيتك واقتناعك بالفكرة من عَدمها. فإذا كُنتِ تتفقين معهم أرجوكِ لا تُضيعي وقتك في قراءة هذا المقال، بينما إذا كُنتِ ضد تكرار التجربة جُملًة وتفصيلًا، أو لستِ ضدها في المُطلق لكنك ترين أنه من الأفضل تأجيل الخلفة الثانية عددًا ما من السنوات حتى تصبحين مُستعدة نفسيًا وجسمانيًا وماديًا، أو على الأقل حتى تملُكين ما يكفي من الحماس لنسيان كل ما مررتِ به في تجربة الأمومة “اللي مش سهلة” والرغبة لمُعاودة الحدوتة من أول وجديد، حينها يُمكنك إيجاد الكثير من الإجابات المنطقية على أسباب استعجالهم إنجابك مرة أخرى.
إليكِ عينة من الأسباب الفذّة التي سيجدونها مُفحِمَة بما يكفي لإقناعك بمعاودة الإنجاب، مع بعض الإجابات المُقترحة إذا كنتِ لا تملكينها.
سيقولون لكِ أنجبي طفلك الثاني بسرعة:
1- حتى لا تعتادين الراحة ثم تضطرين لركوب الحلزونة ياما الحلزونة من جديد.
أن تشحذي ذاتك وطاقتك النفسية والجُسمانية أولًا مهما استهلك ذلك من وقت، هو خيرٌ عن أن يأتي الطفل الثاني في عِز المعمعة فلا تستطيعين مُراعاة البيبي الجديد أو مَنح الطفل الأول الاهتمام الذي يحتاجه.
2- ليجد الطفل الأول أخًا/أختًا يـ/تلعب معه، فلا يشعر بالوحدة.
يُمكن لطفلك أن يلعب مع الأولاد بالحضانة، أو مع أطفال العائلة حتى لا يشعر بالوحدة، مع العِلم أن الطفل الجديد لن يولد كبيرًا، ما سيضطر الطفل الأول للانتظار سنتين على الأقل قبل أن يستطيع التفاهم والاستمتاع مع أخيه الصغير.
3- لينشأ ابنك البكري اجتماعيًا.
نفس الجواب السابق.
4- حتى لا يصبح طفلك أنانيًا وغير قابل للمُشاركة.
تلك النقطة تحديدًا لها الكثير من الحلول العملية والأكثر منطقية وسُرعة من الانتظار حتى إنجاب طفل آخر.
5- ليصبح لطفلك صديقـ/ة.
رُب أخ لك لم تلده أمك.
6- لينشغل أطفالك ببعضهما عنكِ فتتفرغين لما تودين فِعله.
قائل هذه العبارة غير مُحايد ولا يفقه أي شيء عن منطق الخلفة، فإن كانت أم لطفل واحد هلكانة، فأم لطفلين فاقدة للنُطق.
7- لأن الأبناء عِزوة.
حقيقة لن يُمكنك إنكارها، ورغبتك في التأجيل لا المنع أكبر دليل على اقتناعك بها، المسألة في التوقيت. ولكن في الوقت نفسه في بلد تأكل ناسها بل وتدوس عليهم بالأقدام ما فائدة أن يكون لكِ عزوة يُفجع قلبك عليها كل يوم بسبب وبدون.
8- لأن زوجك يُريد المزيد من الأطفال لكنه يتظاهر بالعكس حتى لا يُغضبك، وفي أقوال أخرى لأنه يخاف منكِ.
لمثل هؤلاء أخبريهم أن الزواج أساسه المُشاركة في الحياة والقرارات، فإذا كانوا يتعجبون لذلك ويرفضون قبوله أخبريهم أن قبولهم من عدمه أمر لا أهمية له بالنسبة لكِ، لا الآن -وقطعًا- ولا فيما بعد.
9- لتجدي ابنًا آخر معك إذا سافر الأول أو أصابه مكروه.
وحده الله علام الغيوب، بنفس المنطق سيكون عليكِ إنجاب دستة عيال.
10- ليبقَ الأبناء لبعضهم بعد وفاتك أنتِ وأبيهم!
نفس الجواب السابق.
11- لتنويع النسل فيأتي الثاني جنسًا آخر غير الأول.
سيكون ذلك مُقنعًا إذا كُنتِ تشترين أطفالك من السوبر ماركت.
12- لأن هذا ما وجدنا عليه آباءنا.
آن الآوان ترحلي يا دولة العواجيز.
13- لأنه لا يجوز لكِ الاعتراض على نعمة ربنا بينما غيرك يتمنون ضفر عيل.
رحم الله امرئ عرف قدر نفسه، وإذا أراد الله شيئًا فلا رادٍ لقضائه بأي حال.
14- لأنهم جميعًا يعرفون أكثر في حين تنطبق عليكِ أغنية “أنا مهما كبرت صغير”.
قيلت لهم قبلك فقالوها لكِ، كله سلف ودين، وبنفس المنطق قد يأتي اليوم الذي تقولين فيه ذلك لأولادك.
15- لأنكِ مش لازم تقاوحي في كل حاجة.
كل المفروض مرفوض، اثبت للعالم إنك موجود.
ما أسخف الأحكام المُطلقة التي يُلقيها الآخرون على كاهل أصحاب الشأن، في حين أن الأمر لا يعنيهم في شيء! فمهما بلغت درجة القرابة والعشم وما إلى ذلك، سيظل هناك حدود تفصل المُتطفلين بعيدًا وعليهم احترام ذلك طواعيًة أو بالغصب.
هذا المقال ليس للتنفير من الإنجاب مرة أخرى، لكنه رفض للبحث عن حلول بطيئة لمُشكلات واهية يتم اختلاقها، وإن وُجدت يُمكن حلها بعشرات الطُرق الأخرى، فالأمومة لطفلين أو أكثر لا يُمكن اللجوء إليها كحَل لمشكلة، إذ وحدها الأمهات تعرف أنها بذلك ستُزيد الطين بَلَّة.
وإن كان هذا لا ينفي قُدرة رابطة الأخوة على المُساعدة في تجاوز الكثير من العقبات التي قد يواجهها الطفل الوحيد، في مُقابل مطبات جديدة يمُر بها الأخان معًا، لذا تكرار التجربة يجب أن يكون عن وَعي ورغبة حتى يُمكن للأم أن تصمُد بوجه نوبات الاكتئاب المُتعددة، ومهمات الأمومة الثقيلة وغير المُتناهية، وحتى لا تشعر ولو للحظة بذرّة غضب تجاه أطفالها لأنهم جاؤوا إلى الدُنيا ضد إرادتها.
فكل هؤلاء الذين يُطالبونك بمعاودة التجربة لن يتحملوا أطفالك 24 ساعة متصلة بلا شكوى، إذا ارتضوا المُحاولة من الأصل، لذا لا تأخذي قرارًا قد تندمين عليه يومًا، سواء بالتأجيل أو الإنجاب. وفي نهاية الأمر سيظل كل اختيار منهما له مميزات وعيوب واضحة وصريحة.
وبشكل شخصي أرى أن من لديها الاستعداد النفسي للخلفة مرة أخرى عليها ألا تتردد أبدًا، شَرط الشعور بأن الوقت المُناسب قد حان، فلو على الماديات مقولة الأطفال يأتون برزقهم حقيقة لا تقبل الشك، ولو على الصحة فربنا بيقَدَّر، أهم شيء النفسية المرنة للقدرة على استقبال واستيعاب ما تُخبئه الأيام.
إذا لم ترغبي بطفل ثانٍ إليكِ بعض الردود للحشريين