يد تبني ويد تحمل “أدهم”

563

أكتب هذا المقال بيد واحدة، يدي الأخرى تحمل طفلاً صغيرًا عمره شهر واحد، ويزن ثلاثة كيلوجرامات، واسمه “أدهم”، هذا الطفل هو -للغرابة- ابني أنا.

 

انتهى هذا العام بأغرب نهاية ممكنة، أنا أصبحت أمًا، لست أمًا رائعة، ولا جيدة حتى، ولكن الغريب في الأمر أنني أصلح لأكون أمًا، وهو الشيء الذي كنت أنكره طوال الوقت الفائت من عمري. منذ أن عرفت زوجي وأنا معتادة أن تنتهي سنواتي نهايات سعيدة، فإننا نحتفل بعيد زواجنا في آخر شهر من كل عام، ولكن في نوفمبر هذا العام حدث أن رزقنا الله بـ”أدهم”، فضمنت أن تنتهي باقي سنوات عمري نهايات سعيدة لأن في كل عام سوف نحتفل بعيد ميلاده، هذا الصغير جدًا الذي لا أفقد أعصابي عندما يبكي ويصرخ، بل يتمزق قلبي وأشعر أنه لا يجب أن يبكي أبدًا، رغم يقيني أن هذا مستحيل.

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة، رغم أنني لا أنام تقريبًا منذ شقوا بطني وأخرجوه وأخبرني الطبيب أن أنظر ناحية اليمين، لأجده يضع رضيعًا ملوثًا بالدم والسوائل في راحة يدي، لألمس رأسه الدافئة. لا زلت أستشعر ملمسه إلى الآن، رغم أنني فزعت عندما رأيت رأسه في راحة يدي، وأدرت رأسي للناحية الأخرى، وأزعم أن يوم التاسع من نوفمبر كان أفضل أيامي على الإطلاق، رغم أنني يومها كنت -للمرة الأولى- لا أستطيع أن أنهض من الفراش دون مساعدة، لدرجة أن زوجي كان يحملني تقريبًا لينزلني من على فراش المستشفى وأنا أتألم.

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة، رغم أن عظامي كلها تؤلمني، ظهري ينقسم يوميًا ولا يكاد يلتئم حتى ينقسم مرة ثانية في اليوم التالي، وركبتاي تؤلمانني لدرجة أنني أشعر بهما تنبضان من فرط الألم، ورغم أن مفاصل أصابعي خربت لدرجة أنني لم أعد أستطيع أن أضم قبضتي ضمة قوية، ناهيك طبعًا بالصداع المتكرر وألم العينين جراء قلة النوم والإرهاق الشديد.

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة رغم أنني أرتدي بيجامتين فقط منذ شهر كامل، والاثنتين نفس اللون تقريبًا، لأن تلك البيجامات هي الوحيدة التي تمكنني من الإرضاع.. وبالحديث عن الإرضاع فأنا لا آكل أي طعام حار رغم حبي الجارف له، بل آكل كميات خرافية من الخضراوات الورقية. أنا التي لم تكن تعرف كيف يأكل الناس أكل الأرانب هذا!

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة رغم أنني وزوجي ندور في فلك هذا الرضيع ضئيل الحجم دون توقف، لا يرتاح أحدنا، فأنا أعمل أمًا بدوام كامل، وزوجي أب منذ أن يعود من العمل حتى يسقط مغشيًا عليه من التعب في نهاية اليوم، ولكنني أعرف أنه لم يكن يتخيل نهاية عام أفضل من تلك.

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة، رغم جريي بين المطبخ أو الحمام أو البلكونة وفراش الصغير الذي يبكي عندما يشعر بالوحدة، ورغم أنني أطبخ نصف الطعام بيد واحدة وأحمله على الأخرى، أو أتحرك بسرعة تقارب سرعة الصوت والضوء مجتمعتين، ورغم أنني أنهي عملي وأكتب مقالاتي وأنا أهدهده أو أرضعه في حين يستند اللاب توب على رجلي اليمنى، في حين أسنده هو على الشمال وأكتب بيد واحدة، فأنجز ما أريده في ضعف الوقت تقريبًا أو أكثر.

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة، رغم أنني عرفت أن مصطلح وقت الفراغ انتهى من حياتي أنا وزوجي للأبد، والأيام التي كنا نقضيها أمام اللاب توب نشاهد الفيلم تلو الآخر انتهت إلى غير رجعة، ورغم أن الذهاب للسينما لم يعد متاحًا، على الأقل لبضع سنوات قادمة، وأن إجازاتنا السنوية لا بد أن نخطط لها بعناية آخذين في الاعتبار أشياء كثيرة ليس من بينها رغبتنا في المغامرة.

 

انتهى عامي هذا أفضل نهاية ممكنة رغم أنه ينقصني الكثير من مهارات الأمومة وربما لن أكتسبها أبدًا، ولكن رغم هذا فإن الدفء الذي دخل منزلنا منذ التاسع من نوفمبر يجعلني راضية وممتنة ويجعلني لا أتذمر عندما أمارس حياتي بيد واحدة، أو كما قالت أختي عندما أرسلت لها صورتي مع صغيري اللطيف وأنا أحمله أثناء إنجازي لعملي “يد تبني ويد تحمل أدهم”، وجدت التعبير صادقًا تمامًا وبإمكاني أن أعتبره “سلوجان” حياتي للفترة المقبلة.

المقالة السابقةالشوفان مش للدايت بس.. 3 وصفات جديدة بالشوفان
المقالة القادمةالحب VS الخوف
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا