مكان بطعم الشغف

1138

 

بقلم/ رودينا عادل

 

الصور الفوتوغرافية المطبوعة، الأسواق القديمة، المقاهي الكلاسيكية، الكتب والأوراق الصفراء، الرسائل، الحبر الأسود، الفروسية، العربة التي تجرها الخيول، القطار، السفن المسافرة إلى بلاد بعيدة.. أتخيل لو كنت جزءًا من هذا الزمان.. أتحدث عن زمن مضى منذ مئة عام فقط. ماذا كنت أحب أن أكون؟ هل كنت سأحب التطريز والمشغولات اليدوية؟ هل كنت سأحب العمل طاهية أم بائعة للورد أم كنت سأفضل أن أكتب في جريده ما؟

 

كم أعشق الكلاسيكية! ولذلك تمنيت أن يكون لديَّ مكان أخلق فيه عالمي الخاص. مكان يجسد كل ما أعشقه من زمن أتوق إليه وأشياء أحيا بها.

 

تمنيت محل ورد بعطره وملمسه وألوانه. أنسق باقات الورود لأصحابها، فللزهور لغة خاصة يدركها محبوها. فالورد البرتقالي يرمز إلى الكبرياء، والورد الأبيض والزهري يدلان على الجمال والبراءة، والورد البنفسجي هو لغة الرُّقي، والأصفر يدل على السعادة والمرح، والأزرق هو لغه الحرية، أما الورد الأحمر فهو لغة العشق.

 

تمنيت مطعمًا صغيرًا بطرازه الكلاسيكي وموسيقى تنبعث بين أرجائه. شموع كثيره تضيء المكان. أرى نفسي جالسة عند إحدى الطاولات الجانبية أتناول قطعة من حلواي المفضلة وفنجانًا من الشاي. أحمل في يدي رواية بدأت في قراءتها ورأيت نفسي بين سطورها.

 

تمنيت إسطبلاً لخيل تجري بي على مروج خضراء واسعة، فتلك المخلوقات الرائعة أشعر معها بالقوة والجمال والكبرياء. فما أجمل من أن أبدأ يومًا بالتنزُّه مع شروق الشمس وركوب الخيل!

 

تمنيت مقهى صغيرًا على البحر يزين جدرانه الصدف وتملأ ألوانه بدرجات البحر الأزرق والفيروز. أراقب تلك السفن المارة وتحلق حولها طيور النورس. تخترقني أشعة الشمس الذهبية في ساعة عصاري، أحب الأوقات إليَّ. ألتقط الصور للبحر والسفن وبعض المارة. فها أنا أرى أحدهم يرسم في شغف ومهارة لينهي لوحته قبل الغروب. وهذه طفلة جاءت مع والدها تحمل في يدها الصغيرة تلك البالونات الحمراء وتراقب تطايرها في فرح. وهذا شيخ كبير بشوش الوجه يبيع مخبوزات القرفة ذات الرائحة الشهية.

 

تمنيت قهوة ممزوجة بالكتب حتى لا تعرف إن كانت مكتبة أم مكانًا يقدم قهوة وكتابًا، فكل كتاب نقرؤه هو رحلة نريد ألا تنتهي فصولها أبدًا. فهذه رواية تحكي عن قصة عشق، وهذا كتاب يحكي عن قصة سفر، وآخر يحكي قصة تاريخ مضى لكنه حي على الورق.

 

كل حلم كتبت عنه هو مكان كلاسيكي بطعم الشغف. اختلفت الأفكار لكن الشيء المشترك بين كل شغف وآخر هو أن المكان يتشبع بصخب الحياة الحقيقية.. زرقة البحر، صوت الموسيقى، عطر الورد، رائحة القهوة، ملمس الكتب، ركض الخيول.. حياة نستخدم فيها حواسنا، مكان أهجر فيه كل التكنولوجيا الحديثة، مكان أعيش فيه الحياة الكلاسيكية ولو لبضع ساعات كل يوم.

 

ستظل الأشياء الكلاسيكية لها رونقها. ستظل قيمتها في القلب مهما مر من الوقت. سنظل نسعى إليها لأن كل شيء ينتمي لأصله.

 

مكان يجسد كل ما أعشقه من زمن أتوق إليه

 

المقالة السابقةما هو الخذلان في الحب؟ وكيف يمكنك تخطي الخذلان من الحبيب
المقالة القادمةما هي علامات الولادة، وشروطها؟ تجربة الولادة الطبيعية بالتفصيل الممل
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا