أنا ليه بعيط؟

1377

 

بقلم/ دينا خالد

 

أكتب هذه السطور وأنا في مزاج رائق نسبيًا.. أشرب ليمون بالنعناع وأستمتع ببرودته على خلفية من صوت الإذاعة التي تصلني بالكاد من راديو أحد المحال بالخارج، يخالطها أصوات المارة والبائعين والسيارات.

 

أفكر في سؤال واحد منذ الصباح: “إيه الفرق بين النهارده وامبارح؟”. هناك أيام تتميز بالثقل على الروح، من أهم خصائصها القدرة على تضخيم الأمور وجعل كل ذكرى سيئة أو موقف مؤلم تنقح على الشخص، وأخرى لها القدرة على تبسيط الأمور والتعامل بسلاسة.

 

كان صباح الأمس ثقيلاً دون مبرر، قضيته تملأ عينَي الدموع دون سبب يمكنني حكيه. وبالرغم من استيقاظي اليوم بوجه متورم نسبيًا لكنني لا أجد أي غضاضة في مواجهة العالم وتحمل التعليقات السخيفة على زيادة وزني.

 

استيقظت بالأمس مبكرًا قبل عملي، وأعددت كل شيء سأستخدمه في صنع الغداء، فما بين سلق المكرونة وتقطيع البطاطس وإخراج الفراخ المتبلة من الثلاجة، قضيت وقتًا أعرف أنه من المفترض سيخفف عني عبء الوقوف مدة أطول عند عودتي من العمل، ومن المفترض أن يجعل النهار خفيفًا، لكن هذا لم يحدث.

 

ذهبت إلى عملي بلا قدرة على التعامل مع أحد.

في عملي يطالبنا الدكتور مدير المعمل بالتعامل المباشر مع المرضى بسحب العينات وتسليم التقارير. يتعامل معنا كثير من الناس كمجرد مساعدين للطبيب ولا نرتقي لدرجته، وهذا عكس الواقع!

 

لم يؤرقني الأمر في العادي إلا عندما أجد من يفتي بجهل واضح. أتدخل وأخبره بأن كلامه ليس صحيحًا، وأعلل الأمر بأنني الدكتورة الموجودة.

بالأمس تطور الأمر إلى البكاء عندما قالت إحداهن “خلي الدكتور يأكد النتيجة عشان هعمل منظار”. وددت وقتها لو أنني صرخت بوجهها “أنا اللي هعمل التحاليل”. فجأة شعرت بعدم التقدير وأن ضياع سنين من عمري في مجال لم يمنحني إلا القليل، ضاع هباء. وأن احتمالي لراتب زهيد والوجود وسط الدم وأمراضه لا يجد مقابلاً، حتى ولو من خلال كلمة طيبة.

 

إحدى وسائلي الخاصة في شحن طاقتي الداخلية المشي ومراقبة الأحوال، فما بين وجه امرأة عجوز إلى شاب يكسر بعربيته على امرأة حامل، إلى عراك في شارع ضيق أو لافتة افتتاح محل، أجد الكثير والكثير من الحكايا التي يمكنني كتاباتها.

أشعر بغنيمة حقيقة عندما تأتيني فكرة لأكتب عنها، أما الأمس فقررت أن أستقل سيارة أجرة. كان السائق مثرثرًا لدرجة تضيق بالمرء، كنت أسمعه بنصف انتباه. عدت إلى منزلي لأجد رفيقي يسألني “مالك؟”، لأحكي له أن اليوم كان مرهقًا فقط.

 

منذ فترة انتشر تساؤل على صفحات التواصل الاجتماعي للبنات: “إيه أغرب سبب عيطتي عشانه؟”، أتذكر أنني جاوبت عدة مرات على ذلك السؤال، لوجوده على أكثر من صفحة، وكان من بين إجاباتي “فيه مرة عيطت عشان مكنتش لاقية فردة الشراب وكنت مستعجلة”، و”المية كانت قاطعة وكنت راجعة من الشغل جعانة وكنت عاوزة أغسل إيديا”. أكتب تلك الفقرة الآن وأضحك جدًا لتفاهة الأسباب التي كنت أراها في حينها أسبابًا منطقية وقوية.

 

البكاء لا يشترط أن يحدث في وقت وقوع مشكلة أو مصادفة خبر صادم أو افتقاد شخص ما أو للحزن مثلاً.. تلك الأسباب الضخمة ليست السبب في بكائنا.. ولكني أعرف نساء كثيرات يبكين لقلة الحيلة أو لعدم التقدير أو لافتقاد كلمة كن يوددن سماعها، أو عندما يقع ما يخالف توقعاتهن.

 

إذا رأيت امرأة تبكي دون سبب مقنع، لا تحاول إقناعها بعدم منطقيتها. فقط اسمعها واحتضنها.

 

أود أن أنهي كلامي بالحديث عن اليوم. تشاركت اليوم مع صديقات في أحاديث عدة كانت مليئة بالعِبَر، وحادثتني إحدى زميلات العمل بالتفكير مجددًا في أمر الإجازة التي سأحصل عليها في بداية العام، معللة الأمر بأنها ستفتقدني كثيرًا، كما منحني جاري العجوز المزعج الذي يتدخل في كل الشؤون دون أن يطالبه أحد بفكرة لقصة قصيرة سأكتبها لاحقًا. وأخذت قرارًا بأنني سأتعلم شغل الأكسسوارات يدويًا. وبدأت فعليًا في متابعة فيديوهات اليوتيوب الخاصة بالأمر، ودعوت الله كثيرًا في ساعة المطر ألا يحرمني القدرة على الكتابة حتى ولو عن أسباب بكائي.

 

إيه أغرب سبب عيطتي عشانه؟

 

المقالة السابقةأنتِ غير كافية
المقالة القادمة5 روايات مترجمة غيرت نظرتي للحياة
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا