الخرس الزوجي يصيب الرجال كلهم.. لا أستثني أحدًا

1001

بقلم: مها محمد

عزيزي بشير.. لم أتلقَ منك رسائل منذ مدة، أرجو ألا تكون قد شردت بعيدًا ونسيتني أنت أيضًا.

أصل الحكاية وما فيها أنه منذ أيام أرسلتُ طبقًا من البيتي فور لجارتنا الحسناء، تعرفها بالطبع وتذكر صوت شجارها مع زوجها الهائم على وجهه، كما أطلقتَ عليه يومًا كناية عن الملل الزوجي في علاقتهما، فردّت إليّ الطبق بالأمس وقد ملأته بالمعجنات التي أحبها، فانفرجت أساريري لرؤيتها ودعوتها للدخول فأسرعت كأنها تنتظر الدعوة، وما إن جلسَت على الأريكة حتى أجهشت بالبكاء، اعتقدت في البداية أن سبب البكاء جلوسها على الجزء المكسور من الأريكة فأصابها الحرج، لكن بكاءها كان مبالغًا فيه، فصنعت لها كوبًا من الشاي الأخضر، وحذرت أطفالي من الاقتراب وأشعلت المدفأة.

أين ذهبت المودة والرحمة؟

هدأت الحسناء وارتشفت من الكوب رشفة بصوت مسموع كاد يضحكني فتمالكت نفسي، وقالت إن زوجها قد مسه السحر! روحه مسروقة ونظراته تائهة وحديثه شحيح، بعد العمل يختلق الأعذار ليعود للمنزل متأخرًا، وأيام العطل يقضيها بالخارج، صنع حوله منطقة ملغمة بالألغام  والأسلاك الشائكة والحيطة والحذر، إن اقتربت من أشيائه أصابه الذعر، وإن سألته عن أموره الخاصة صاح واتهمها بالتسلل واقتحام مساحته الخاصة، ينسى مواعيد الطبيب فتحمل طفلتها وتذهب وحدها، وصارت تأكل كل يوم وحيدة، وتهاتف صديقاتها بالساعات لتُبقي فمها قادرًا على الكلام بعد أن خيم الصمت على منزلهما.

بحثت عن المودة والرحمة مع زوجها والأنس والسلام النفسي والسعادة الزوجية في أدراج المطبخ وخزانات الملابس وحتى في كتب الخيال العلمي فلم تجد، فأصابها وزوجها الخرس الزوجي وهما بالكاد قد وصلا منتصف الثلاثين.

كانت ترقع كل يوم بالصوت وتشق الجيوب وتلطم الخدود وصاحبنا في ملكوت آخر، ثم صارت تقرأ الآيات وتصلي وتشعل البخور، حتى أنها غيرت من هيئتها وصارت تمشي على أربع وتقفز على الحائط وترقص السالسا ولا حياة لمن تنادي، صدقت يا بشير حين وصفتَه بالهائم على وجهه.

فضفضة من نوع خاص

كنت أستمع صامتة وملامحي باهتة، فنظرَت إليّ كأنما أفاقت فجأة وسألتني: يا ندامتي! مهمومة أنت أيضًا؟ فنفيت بسرعة وأنا أحلف بالله وطمأنتها وأنا في سرّي أستودعك الله، ثم استزدت من حكيها وتركتها تبوح بكل مخاوفها ولم أقاطعها للحظة، فنظرت إليّ متسائلة: هل أخطأت لأني لا أشاهد معه مباريات الكرة؟ صدقيني أقدم له المقرمشات والمكسرات وأصبغ وجهي باللون الأبيض والخطوط الحمراء دعمًا وتشجيعًا. أم أخطأت حينما لم أعِر نشرات الأخبار اهتماماً في الآونة الأخيرة؟ صدقيني يا وصال صار الهمّ يملؤني بعد مشاهدتها ففضلت متابعة النشرة الجوية وأسعار الذهب.

أم تراه ملّني يا وصال؟! لم أكبر بعد ولم تغزُ التجاعيد وجهي لأني أداوم على قناع الخيار وماء البطاطس فما الأمر؟ أحافظ على البيت وعلى الطفلة وعلى نفسي وعليه قدر إمكاني صدقيني، وأُسمعه من المديح أشعارًا وأنظر إليه إعجابًا كأنه نجم الموسم. لكن أتعلمين… كلمات الإعجاب به وبرجاحة عقله يحب أن يسمعها من الآخرين وليس مني. أم تراه يختبر جاذبيته وأنها لا زالت تعمل ولم تعطب بعد؟ أم لاحت في الأفق حسناء غيري أنسته زوجته المصون؟ أم أفاق فجأة واكتشف أن اهتماماتنا مختلفة وقابل آخرين وأخريات اشتركوا معه فيما يعمل ويحب، فبَرَكَ كالجمل على أعتابهم وترك عتبة بابي الوثيرة؟

أسئلة بلا إجابات

تَعِبَت جارتنا من الكلام والأسئلة التي لا إجابات لها عندي، وظلت تحدثني وهي خائفة مشتتة باكية، حتى ترنحت أجفانها من الإرهاق ونامت على الأريكة فلم أوقظها، وبقيت أنا المتيقظة يا بشير أسترجع حديثًا دار يومًا بيني وبينك في واحدة من أمسياتنا أمام النيل قبل سفرك، والتي بسببها أدعو لك دائمًا لأنك كنت تحافظ على أوقاتنا الذهبية تلك التي لم نفقد أثرها أبدًا بيننا.

سألتك يومها يا بشير: لماذا يصنع بعض الرجال بأنفسهم فجوات بينهم وبين زوجاتهم متناسين سنوات الحب والعشرة الطيبة وميثاق الزواج وإن خلت مع الوقت من الحب وبقي التفاهم والعشرة الطويلة، طيبة كانت أم لم تكن، متعللين بالملل وبإهمال زوجاتهم لهم راكضين خلف الخيبات السوداء على أدمغتهم؟

ضحكتَ يا بشير وقلت لي ‘ن الرجل لا يملأ عينه إلا التراب، والأمر ليس بيده، وهذه طبيعته. بالطبع حديثك يومها أثار حفيظتي ولم يعجبني وتجادلنا كثيرًا حتى قلت لك في آخر الحديث: إن المرأة يا بشير إن أحبت تمنت من الرجل أن يكون حامي حماها وحصنها المنيع وملجأها الدافئ الآمن، ذلك ما تتمنى، وربما الأمر ليس كذلك في بيوت كثيرة، لكن الأمل المرجو في الرجل ألا يضرب بأي معول في جدران الثقة المبنية حول حياتهما معًا. تكره المرأة أن يجرّها الرجل للشك والقلق منه، أن يحوّلها للمحققِ كونان بعد أن كانت شهرزاد، أن يبتعد نظره عنها ولو في خياله، وقد تحاكمه وتقاضيه إن شرد ذهنه في حضورها، وتحوم حولها الأرواح الشريرة إن شعرت به يبحث عن راحته بعيدًا عنها ولو على مقهى.

لفحت وجهينا يومها نسمة باردة أطفأتِ النار المشتعلة في حديثي معك لو تذكر يا بشير، وأخبرتني بكلماتك المطمئنة الهادئة وبكامل قواك العقلية أنك تقبل أن أفعل بك ما أرى إن شردتَ يومًا عني، ولو أحكمت الخناق عليك وصرتُ أنا الدبة التي قتلت صاحبها.

فجأة انطلق صوت إيهاب توفيق من محمول الحسناء يوقظها ويعيدني للواقع وهو يصدح بقوة: “حكاياته مش كاملة آه يا ناري،، شكله عامل عاملة ومداري”، فقامت من فورها بعين لامعة لأن زوجها في الطريق إلى البيت، ولا أدري لماذا شعرت بها ذاهبة لشقتها بصحبة فكرة شيطانية، وودعتني وهي تغني “أنا مش مبيناله أنا ناوياله على إيه”. فابتسمت وأشفقت عليها وعليه مما ينتظره، وعدت لأريكتي بسرعة لأهنأ بطبق المعجنات وحدي.

المقالة السابقةكيف تكسرين دائرة العنف الأسري ؟
المقالة القادمةالروح هى الجسد والجسد هو الروح
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا