اضطراب الاكتناز القهري عند الأطفال

2840

بقلم: د. ياسمين ناجي

البيئة العائلية تؤدي دورًا هامًا في توجيه سلوك الطفل ومساعدته على أن ينظم دوافعه الوجدانية، وأن يكتسب العادات الحميدة التي تقوي الخلق. ومن أهم هذه العادات ضبط النفس وحب النظام. فالنظام الذي ينشئ الوالدان الطفل عليه لا بد أن يكون مشبعًا بروح الإنصاف والعطف والتعاون. أما التنشئة التي تسودها روح التعسف والزجر والاستبداد فإنها تؤدي إلى ظهور الاتجاهات الشاذة المعوجة، وإلى تفاقم النقائص الصغيرة التي قد تشوب سلوك الطفل، والتي كان من الممكن تجنبها أو إصلاحها بشيء من حسن التدبير والفهم والعناية. والطفل الذي ينحرف سلوكه عن الطريق الذي يتلاءم مع مقتضيات الوضع السوي، هو في معظم الأحيان ضحية بيئته العائلية. ولعل أحد هذه السلوكيات المنحرفة التي يسلكها الطفل من صغره حتى كبره والتي تتمثل فيما يسمى بـ”اضطراب الاكتناز القهري”.

فمن منا لم يلاحظ قيام أطفاله باكتناز متعلقات ومقتنيات هلكت استخدامها، لدرجة أننا نطلق عليها بالعامية الكراكيب، فقد يظنوا أن ما يقومون به من تجميع كل ذلك قد ينفعهم يومًا ما، وفي بعض الأحيان تساعدهم الأسرة على القيام بذلك، ولكن للأسف ما لا يعرفونه أن هذا مرض! نعم إنه مرض حقيقي، يطلق عليه مرض التكديس أو الاكتناز القهري.

ما هو اضطراب الاكتناز القهري

هو الاقتناء الزائد، وحفظ وتخزين البضائع والسلع والأشياء، وصعوبة إلقائها والتخلص من هذه الأشياء التي لا قيمة لها، أو التي لا تستعمل، وهذا السلوك يعوق الحياة اليومية داخل المنزل، ويؤثر على الصحة.

الاكتناز القهري والعمر

وجد أن سلوك الاكتناز يرتبط بالعمر، حيث يبدأ في سن مبكرة، ويزداد مع التقدم في العمر، حيث إنه يظهر في أثناء الطفولة وبداية المراهقة ويظل خفيفًا حتى البلوغ، ولكنه يكون شائعًا أكثر لدى المسنين البالغين.

أسباب اضطراب الاكتناز القهري

– العمر: يبدأ الاكتناز عادة فى مرحلة المراهقة المبكرة فى سن 12 عامًا، ويزداد الأمر سوءًا مع التقدم فى العمر. إلا أن علماء التحليل النفسي أشاروا بأنه تبدأ بوادره فى مرحلة الطفولة المبكرة.

– تاريخ العائلة: إن وجود أفراد ضمن العائلة عانوا من اضطراب الاكتناز القهري هو أحد العوامل المؤدية لاحتمالية ظهور هذا الاضطراب لدى أفراد آخرين ضمن الجيل التالي لجيل الكبار.

– الأحداث المجهدة والظروف الضاغطة: حيث تسهم أحداث الحياة الشاقة والضغوط والتعرض لصدمات كحريق المنزل، أو ضياع ثروة، أو فقدان الشعور بالأمان إلى تزايد الرغبة فى الاكتناز كملاذ آمن في مواجهة هذه الظروف مستقبلاً. وهو حلّ غير توافقي علميًا، إلا أنه بالنسبة للفرد المضطرب هو طوق نجاة لإعادة الشعور بالأمان المفقود.

– الشعور بالعزلة الاجتماعية والوحدة النفسية: حيث يجد من يشعرون بهما في الاكتناز وجمع الأشياء ملاذًا آمنًا، ووسيلة لتعويض شعورهم بالعزلة. وهذا يفسر إنفاق هؤلاء المضطربين الوقت الطويل في: جمع، وعد، وتكديس هذه الأشياء، ورفض التخلص منها.

– الكمالية: حيث يشعر هؤلاء بأن جمع المجموعات وتخزينها هو لتحقيق أهدافهم في بلوغ الكمال، وأنهم على الرغم من اتهام البعض لهم بأنهم بخلاء ومقهورون، لكنهم من أجل بلوغ هدف وهمي يتعلق بالكمال، فإنهم يتحملون كل تلك المصاعب والمشاق.

آثار اضطراب الاكتناز القهري السلبية

العواقب المرضية ممثلة في الاضطرابات المترتبة عليها: على الرغم من الاعتراف بأن الفصل بين ما هو مرضي وما هو سوي أمر صعب، لأن الأدلة المتوفرة تدل على أن الاكتناز وما يمثله من عقبات في طريق الإنجاز، والشعور بالضيق، ومخاطر صحية تتمثل في الاصطدام بأغراض عديمة الفائدة، وصعوبات في النوم المريح، ونحو ذلك مما يسبب في الحالات الشديدة جملة من الاضطرابات، تتمثل في:

ضيق وإعاقة مباشرة عن تحقيق السلامة الصحية في المنزل، أو وفاة شخص بسبب حريق في أغراض مكدسة بطريقة غير صحيحة، والقلق، والعزلة الاجتماعية، والصراع والعداء مع الجيران، والطرد من العمل، وكل ذلك بناء على إحصاءات مستمدة من أقسام الصحة العامة، والعيادات الخارجية عن المترددين عليها ممن يعانون من الاكتناز كاضطراب، حيث أظهرت الإحصاءات أن ما يعادل (12.8)% ممن يعانون من الاكتناز تم طردهم أو هددوا بالطرد من السكن من قبل ذويهم بسبب امتلاء المسكن بما لا فائدة فيه.

علاج اضطراب الاكتناز القهري

أثبتت دراسات عديدة فاعلية العلاج المعرفي السلوكي في علاج سلوك الاكتناز القهري. ويتناول العلاج المعرفي السلوكي الأفكار والمشاعر التي تؤثر على السلوكيات، ويركز على العمليات المعرفية لدى الأفراد، والاربتاط الانفعالي بالأشياء، والاعتقادات حول المقتنيات والتجنب السلوكي، ويكون العلاج في جلسات جماعية، ويستمر من 6 أشهر إلى عام.

ويركز العلاج على مكونات سلوك الاكتناز، وأسباب هذا السلوك، وتدريبات الاسترخاء، وممارسة عمليات اتخاذ القرارات، والتدريب على مهارات التنظيم، والتعريض للانفعالات المرتبطة بالأشياء المقتناه، والمقابلات الدافعية للفرد والأسرة، والتدعيم من الأسرة والأصدقاء، وإعادة البناء المعرفي في طريقة تفكير الفرد عن الأشياء المقتناه، وتدريب الأفراد على إبدال الأفكار والاتجاهات السالبة بأخرى موجبة.

وفي الواجبات المنزلية يطلب من الأفراد وضع الخطط، وإعادة البناء المعرفي للأفكار والمعتقدات المرتبطة بالاكتناز القهري، والتدريب على اتخاذ القرار، والتعريض، وممارسة تصنيف المقتنيات والأكوام، وتنظيمها، والتخلص من الأشياء التي لا يحتاجها، والتدريب على الاسترخاء.

المراجع:

  • فهيم، كلير. (1975). الحب والصحة النفسية. ط2، القاهرة: دار المعارف.
  • عبد النبي، سامية محمد صابر محمد. (2013). سلوك الاكتناز القهري. المؤتمر العلمي العربي السادس: التعليم.. وآفاق ما بعد ثورات الربيع العربي، الجمعية المصرية لأصول التربية بالتعاون وكلية التربية ببنها، ص (679- 693).
  • رجيعة، عبد الحميد عبد العظيم محمود. (2016). الاكتناز القهري وعلاقته ببعض المتغيرات الشخصية والنفسية والاجتماعية في ضوء المتغيرات الديموجرافية. مجلة كلية التربية، جامعة كفر الشيخ، ص (1- 71).

– Rognlien, A. (2012). Ongoing Support for Low income Hoarders: A grant Proposal. Master of Social Work. California State University. Long Beach. Umi N. 1517775.

– Tolin, D., Forst, R. & steketee , G.(2010).A brief interview for assessing Compulsive hoarding: The hoarding, rating scale – interview. Psychiatry Research, 178 (1), 147 – 152.

اقرأ أيضًا:

اضطراب القلق عند الأطفال: أنواعه وأعراضه وعلاجه

اكتئاب الأطفال

كرب ما بعد الصدمة عند الأطفال: أعراضه وعلاجه

المقالة السابقةإلى صغيرتي “غزل”
المقالة القادمةاخترت نفسي
كلامنا ألوان
مساحة حرة لمشاركات القراء

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا