بقلم/ سلمى شعبان
إلى كل أم، بل إلى كل امرأة على وجه تلك الأرض، أكتب هذا المقال مخصوصًا لك أنتِ وحدك فقط، لأقول لك أنتِ جدًا قوية سيدتي العزيزة.
كلما اقترب موعد ولادتي الثانية زاد خوفي وقلقي، ليس فقط من العملية والجرح، ولا على طفلي الجديد أو صغيري الذي لم يكمل حتى نصف عام بعد العام، ولا على زوجي وكمّ القلق الذي أعلم جيدًا أنه يخفيه عني، ولا عن الولادة في الغُربة والوحدة والتعامل مع أسوأ شعور قد يمر به إنسان في الحياة، وهي مرحلة النفاس، ولكن على كمّ المسؤولية الذي أصبح على عاتقي كأم ومسؤولية التربية التي أراها شاقة للغاية.
كلما اقترب الشهر الأخير زاد الألم وزاد عدم قدرتي على التحمّل، إلى أن وقعت فريسة لنزيف ليس ببسيط، رأت طبيبتي معه ضرورة دخولي المستشفى للاطمئنان على الحالة العامة لمدة أربع وعشرين ساعة. ولكنها كانت طويلة ومملة بسبب التحليل والفحوصات، إلى أن وصلت غرفتي لأكون تحت الملاحظة الدقيقة خوفًا من انفصال المشيمة عن الجنين وحدوث ولادة مبكرة.
وصلت لغرفتي، وبعد أن ودعني زوجي وطفلي، حيث لا تسمح المستشفى ببقاء مرافق، وجدت نفسي وحيدة مع سيدة أخرى تتعافى بعد ولادتها القيصرية وتنتظر خروجها في الصباح. تزايد حجم الخوف بداخلي كلما تذكرت عذاب الجرح بعد العملية وبكاء الطفل الجديد وبكاء ابني، وتداعت كل أحداث ولادتي السابقة وما عانيته. لم يخرجني من تلك الشجون سوى تلك السيدة اللطيفة التي بدأت تتجاذب معي أطراف الحديث طيلة تلك الليلة، لأجدها قد مرت بمعظم ظروفي، وربما أصعب منها، فقد كانت ولادتها الأولى في الغربة ولم يكن بجوارها من يساعدها. وكم كنت أجد ذلك غاية في الصعوبة! كيف لي أن ألد بدون أمي إلى جواري؟ أنا لا أريد مساعدتها، فقط أريد دعمها النفسي لي، أريد أن أراها. كيف لتلك السيدة أن تفعل ذلك بدون أن تتجرع الكثير من الألم والحزن والتعاسة لأنها تلد بمفردها في الغربة؟ كم هي قوية حقًا!
في صباح اليوم التالي، ذهبت تلك الصديقة الجديدة الجميلة، وجاءت سيدة في حالة خطرة وولادة مبكرة أيضًا بسبب نزول ماء الجنين، وكنت أنا في الغرفة أكاد أسمع صوتها يئن من العذاب والألم، حيث كانت ستلد ولادة طبيعية مفاجئة. لم أجد منها صراخًا وعويلاً، فقط أنين متصاعد مع كلمة “يا رب.. يا رب سهّل ولادتي”. صوتها كان رقيقًا للغاية لدرجة توقعت معها أنها في مقتبل العشرين، وبقيت أفكر، كيف لتلك الصغيرة أن تلد هكذا بمفردها في تلك الغربة الموحشة، وهي التي كانت تنتظر حماتها لتعينها بعد الولادة؟ ولكن تأتي الرياح بما لا يشتهي السفن، وفاجأها المخاض.
ما جعلني أندهش حقًا ردها على إخوتها وأمها وهي في شدة الألم لتطمئن قلوبهم جميعًا أنها بخير وأن لا يقلقوا، فقط تقول “ادعيلي يا ماما.. حاضر يا ماما”. ووجدتني أبكي معها وأدعو لها أن تلد بالسلامة. وغرقت في تفكير عميق، من أين تأتي بتلك القوة الكبيرة على التحمل؟ وبعد أقل من ساعة خرجتْ بعد أن وضعتْ طفلتها بكل سهولة، حيث كانت ولادتها سريعة جدًا على غير العادي في الولادات الأولى.
فرحت لها وبها كثيرًا، ولم يغب عن بالي ذلك السؤال، لِمَ يلقّبون الأنثى بالضعيفة؟! كم تتحمل الأنثى من مصاعب! وكم يصفونها بالضعف الشديد! لا، أعتذر وبشدة. عزيزتي الأم، عزيزتي المرأة، أنت جدًا قوية. أنت رمز القوة على الأرض. ليس فقط بتحملك آلام المخاض والولادة والحمل، ولكن بتحمل كل هذا الكم من المشاعر المتلاطمة والمختلفة والقدرة على التعامل معها وتنقيحها والبقاء قوية. نعم نحن جدًا أقوياء.