حلم الارتباط والحب: لسة في الأيام أمل مستنيينه

2479

لما كان عندي 6 سنين -مع الأسف بدري قوي- كنت نايمة مع إخواتي في الأوضة مشغلين الراديو، وكان فيه تقرير عن أم كلثوم بيذاع، كان المذيع بيحكي المحطات الرئيسية في حياة أم كلثوم، وقال جُملة فضلت ترن جوايا لغاية النهارده: “أم كلثوم لم يكن لديها أطفال فقد عاشت وحيدة وماتت وحيدة دون زوج وأطفال”. أنا سمعت الجُملة دي وانهرت في دوامة الخوف والبكاء، كنت حزينة جدًا إن أم كلثوم المُغنية اللي ليها شعبية كبيرة واللي كنت بتفرج على حفلاتها، وألاقي جموع من الناس حاضرين كانت في الأصل وحيدة ومجربتش الارتباط !

إخواتي حاولوا يهدوني واليوم خلص، وبرغم إن بعد سنين عرفت إن أم كلثوم اتجوزت بالفعل وكانت سعيدة مع جوزها، لكنها مخلفتش، فضلت الجُملة ترن جوايا بنفس إحساس المرة الأولى اللي سمعتها فيها.

سن مناسب

كبرت ومشاعري واحتياجاتي اتطوروا، وعديت مرحلة ثانوي والجامعة وأنا رافضة أدخل في أي علاقة مع أي شاب خارج إطار الصداقة والأخوة، نظرًا لأني خايفة على قراراتنا مع بعض ومستقبلنا. كان عندي دايمًا شعور إننا غير مؤهلين لأخذ قرار كبير زي الارتباط. ولسة الحياة مليانة بقرارت تانية مهمة ومش سهلة، زي العمل والسفر وتحقيق الذات. وبعد مرحلة الجامعة وده الوقت اللي كنت شايفة فيه إن ده سن مناسب للتفكير في الارتباط، وإني أبني حياتي مع شخص آخر ونيس ليَّ، فاستنيت راجل مناسب ييجي يلمح أو يفاتحني في موضوع الارتباط.. لكن مع الأسف ده محصلش.

مش متشافة

سنة ورا سنة تعدي، أصحابي البنات يتخطبوا وأنا مفيش أي حد جه فتح معايا موضوع الارتباط وكأني غير موجودة! مش متشافة في صنف البنات. ولأسباب كتير قوي أهمها فقد والدَي، حكمت عليَّ الظروف إني أعيش لوحدي من غير أسرة، وكمان من غير أصحاب لفترة بسبب الهجرة الداخلية لأني غيرت محل إقامتي، وحدة مع حيطان والقليل من الإنجازات اليومية، ومن هنا بدأ يزيد القلق ونوباته. أرق وبكاء هيستيري وسرحان وتشتت في الانتباه وأكل بشراهة.

كنت كل ما أشوف أو أسمع إن إحدى صديقاتي أو زميلاتي اتخطبت أحس بالغيرة والتهديد واللوم على نفسي، وكأني في لعبة كوتشينة وأهم قانون إن اللاعب يخلص كل ورقه. فمع كل خطوبة بحس بورقة وقعت، وإن أنا اللي لسة معايا كل الورق، لسة ملعبتش، لسة مهزومة في اللعبة، لسة مش عارفة آخد خطوات.

ومع كل خطوبة أفضل أقارن نفسي بالعروسة، يا ترى فيها إيه زيادة عني؟ أحلى، أذكى، ألطف، أرق… فيها إيه مختلف خلاها متشافة من صنف الرجال؟! ويا ترى هذه الفئة شايفاني أنا كمان إزاي؟ فيها إيه زيادة عني يخليها تحظى بالونس، وأنا هنا وحيدة مهزومة ضعيفة مش عارفة أنال أي نظرة إعجاب من رجل لأنثى، سواء بجسمها أو عقلها أو مشاعرها.

العيب فيكو يا في حبايبكو

شعوري بالتهديد ده اللي دفعني للدخول في علاقات مستنفدة وسامة، فجربت مرات أعترف أنا بالحب والإعجاب للطرف الآخر، وجربت مرات أخطو خطوات بطيئة وأنتظر إلى أن يأتي هو بالاعتراف، ولكن لم يعترف أحد بحبه ليَّ أو رغبته في الارتباط بيَّ. جربت مرات الخطوات السريعة دون الاعتراف، كالمكالمات بالساعات الطويلة والاهتمام بتفاصيله وتشجيعه لخطوات أعمق وأقوى في عمله أو دراسته وحتى هواياته، ولكن كل المحاولات للتخلص من العزوبية بائت بالفشل، وكانت مليانة بالاستغلال لمشاعري، واكتشفت إني دخلت في الدوامات دي لمجرد إني عايز أجرب الحب اللي بتقولوا عليه، أو اللي بنغنيله يعني، واللي بنشوفه في الأفلام، واللي بيظهر -حتى لو بصورة مش حقيقية- على السوشيال ميديا.

شكله إيه الحب؟

كنت عايزة أجرب أسمع كلام حلو وأقول كلام حلو، كنت عايزة أشوف الاهتمام بين المتجوزين ده شكله إيه، إيه صورُه؟ هدية ولا وقت قيّم نقضيه مع بعض؟ ولا حضن وطبطبة؟ ولا خليكي عندك أنا جايلك في المكان اللي هاتكوني فيه.

كان وما زال نفسي أتحب وأؤسس عيلة، تحميني بدفاها من برد الوحدة والخوف من مواجهة المستقبل، كان وما زال نفسي أتحب من شخص يفكر معايا بقلبه وعقله وياخد معايا قراراتي اللي تعبت من كتر ما باخدها لوحدي، لمجرد إني عايشة مستقلة، كان وما زال نفسي عيلة مكونش فيها ضيفة عند حد ولاحد متبنيني، لكن عيلتي أنا، ملكي أنا، موجودين حيث أوجد أنا، ويحتاجوني زي ما أنا بحتاجلهم بالظبط.

مشاعر الذنب

الشعور بالتهديد بقى بيدفعني للترقب بما يصرحونه من مشاعر الحب المكتوبة على مواقع التواصل الاجتماعي، والشعور بالنشوة وبالانتصار لما أسمع إن واحدة من صديقاتي أو زميلاتي فكت خطوبتها، وطبعًا الشعور ده بيقل أو بيزيد على حسب مدى قربهم مني وتعاطفي مع الحدث، ولكن مجملاً برجع أحس إني مش لوحدي، إنهم رجعوا معايا كمان مرة لنفس الصف، رجعوا لصفوف اللواتي يعانين من الوحدة، وفي نفس الوقت أرجع أتضايق من نفسي وألومها إزاي تحسي كده؟ إزاي مش متعاطفة للآخر مع كونها رجعت لسجن الوحدة من تاني؟ وبقع في فخ الحيرة.

وقتها بخاطبهم بيني وبين نفسي وبقول معلش “هيحصل إيه يعني في الدنيا؟ هتتعبي كام يوم!”، أنا كمان تعبانة وعايشة وحيدة من غير أهل، أنا كمان جربت وفشلت وطلعت من كذا علاقة مشاعري مُهلهلة، على الأقل إنتي نُلتي الاعتراف بالحب وطلب الارتباط. لكن أنا لسة مجاش دوري.

الوقت بيجري

الأغرب من كده إنه بيدفعني للقلق على أطفالي اللي لسة مجوش للدنيا، وتبدأ تحاوطني الأفكار إني هخلف إمتى لو اتجوزت متأخر؟ هعيش مع عيالي كام سنة؟ هيلحقوا يتمتعوا بوجود أم ليهم؟ هلحق أستمتع بسنين زواجي الأولى أنا وجوزي قبل تطور مسؤوليتنا بالأطفال؟ هلحق أعلم؟ هلحق أحب وأربي؟

مع كل سنة بتمر وأنا لسة دوري مجاش، وبكبر وشكل أصحابي بيتغير، نظرًا لظروفهم من جواز وهجرة، بيمتلكني شعور إن أكيد في فرحي مش هلاقي حد جنبي، مش هالاقي أشبينات شايلين ورد وماشيين قدامي. كل أصحابي هيروحوا بدري وأنا هقعد وحدي في فرحي.

مع كل سنة بتمر وبشوف بنات أختي بيكبروا وبيسألوني ليه مش مخطوبة، بدعي ربنا إن ميجيش اليوم عليَّ اللي أكبر فيه وأكون وحدي زي العادة، ولكن مع الفارق إن أبناء وبنات إخواتي يشفقوا عليَّ ويقولوا دي خالتنا اللي حظها قليل، اللي عاشت وحيدة من غير زوج وأطفال.

مع مرور الوقت بفضل أسأل نفسي كل يوم نفس السؤال: “يعني مفيش حد خالص؟!”، أنا معقولة معجبتش حد خالص؟ مجذبتش حد خالص؟ هل مفيش أي مقومات لجسمي؟ طيب أخس؟ طيب أقص شعري ولا أطوله؟ أركب ضوافر؟ طيب شخصيتي مجذبتش حد خالص تخليه يشعر بالأمان معايا إننا نأسس أسرة؟ مفيش واحد شايف فيَّ جمال الزوجة والحبيبة؟  طيب وبعدين؟ أنا كل ما بكبر نظرتي للارتباط بتختلف وأمنياتي وتطلعاتي بتزيد في شريك حياتي، وأفضل أدخل في دوامة القلق، وتلف كل الأفكار اللي فاتت دي جوايا في دقايق بمجرد سماعي لخبر ارتباط جديد.

لسة في الأيام أمل مستنيينه

وأصحى تاني يوم الصبح أتفرج وأتأمل فستاني الأبيض الدانتيل اللي اشتريته من سنين وحافظت عليه في دولابي عشان ألبسه وأنا بلبس الدبلة من الرجل المنتظر اللي قادر يعلن حبه ورغبته في الارتباط بيَّ، وأقول يمكن المستقبل شايل خبر حلو وشريك حياة يجبر الخاطر، وترن في بالي أغنية شيرين “لسة في الأيام أمل مستنينه”.

اقرأ أيضًا: عن سذاجة الحب من طرف واحد.. وأشياء أخرى

المقالة السابقةألم المحبة
المقالة القادمةاكسر دايرة القلق: مقالات حول الأعراض والأسباب والعلاج
نون
كاتبات

3 تعليقات

  1. انتي مش لوحدك احنا كتير بس ع الاقل ننجح ف حياتنا العملية والله النصيب جه تمام مجاش خلاص قدرنا بس ع فكرة لو الانسان ناجح وله علاقات اجتماعية كتير بيكون جذاب والناس عندها فصول تقرب منه وتعرف حياته عاملة ايه ف نجرب الطريقة دي وفي الاخر ننجح هشان نفسنا ده اولا مش عشان نعجب حد

  2. أبدعتي ووفيتي في وصفك وبكيتيني تقريباً قلتي كل الكلام اللي بقوله لنفسي ربنا يكتبلنا النصيب الحلو ويرضينا بيه

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا