اسمي مي وأعاني إدمان التسوق

1768

كيف أسيطر على إدمان التسوق

حسنًا.. ربما كما ترون في العنوان.. اخترتُ كلمة “أسيطر”، وليس “سيطرت”، لأن العملية كلها لا زالت قيد التنفيذ، ولا أعتقد أنها ستنتهي عند نقطة مُعينة أستطيع عندها أن أقول إنني سيطرتُ تمامًا على إدمان التسوق ولكنني بالتأكيد أستطيع أن أقول إنني أصل كل يوم لمرحلة جديدة من اتخاذ قرارات شراء سليمة وغير عشوائية، مما يجعلني في تطور مُستمر.

اخترتُ أن أكتب الآن عن الأمر لأنني فكرتُ أني بحاجة إلى جلسة مع النفس لتقييم ما وصلت إليه حتى الآن، بعد عام تقريبًا من بداية هذه الرحلة، رحلة محاولة السيطرة على نهم الشراء.

لكن لنعد  قليلاً إلى الوراء، إلى ما قبل هذا القرار.. عندما كُنت أنفق كُل جنيه في جيبي لسبب أو لآخر، دون تفكير مُسبق، ودون حساب لما هو مُتبقٍ معي، وهل سيكفيني لنهاية الشهر أم لا؟

بل أكثر من ذلك، كُنت أعلم جيدًا أن ما أملكه سيكفيني بالكاد، لكنني كُنت أجد دائمًا مُبررًا لإنفاقه دُفعة واحدة، فأنفقه.

عندما أحاول إعادة التفكير في السنوات الخمس الماضية، والتي أعدها ذُروة ما وصلت إليه حالتي في الشراء المَرَضي هذا، أجد أن أغلب الأسباب كانت دائمًا عاطفية، أغلبها على الأقل، والبعض كان نفسيًا.

تعرفي على: دليل سوق العتبة للملابس والماكياج والأدوات الكهربائية

البداية وتبعاتها

انتقلتُ للعيش في مدينة جديدة، كبيرة، وفارغة تمامًا من الدعم العاطفي أو النفسي الذي قد أحتاجه (وجود العائلة، الأصدقاء، الأماكن التي أعلمها عن ظهر قلب… إلخ). ترك ذلك بداخلي فراغًا كبيرًا جعلني أحاول دائمًا ملأه، فكُنت أخرج للتجول في الشوارع والمراكز التجارية وحدي، ربما بهدف التعرف على هذه المدينة ومحاولة التواؤم معها، لكن هذه الجولات المتكررة جعلتني فريسة أيضًا لكل الخيارات والمُغريات التي تطرحها امامي، فاستسلمتُ لها ظنًا مني أنها جزء لا يتجزأ من هذه التجربة أو المغامرة الجديدة. كان هذا أكبر عامل نفسي وعاطفي حفَّز داخلي نهم الشراء وجعله يتصاعد مع مرور الوقت.

عوامل أخرى مُترتبة على قرار الانتقال هذا، كان أيضًا لها تأثير كبير، كُلٌ في وقته. مثلاً أنا أشعر بالوحدة الآن، أشعر بالملل، أشعر بالضيق، لا أشعر أنني جميلة، لديَّ مُشكلة ما في عملي، على خلاف مع زوجي، لديَّ مُناسبة قريبة، سأقابل أشخاصًا جُددًا لأول مرة… وغيرها العديد من المواقف والحالات التي كانت تُعطيني مُبررًا لشراء شيء ما جديد.

في البداية لم أكن أشعر بأن هناك مُشكلة فيما أفعله، كان ذلك بين الأعوام 2012 و2016، ثُم بدأتُ رويدًا رويدًا في إدراك أمر هام، أنني حتى وأنا أعود بحقائب التسوق المُمتلئة عن آخرها، فأنا لا زلت لا أشعر بالرضا عن نفسي، لم يذهب شعوري بالملل، أو الإحباط، أو الضيق، أو أيًّا كان ذلك المُبرر الذي خرجت بسببه من منزلي في جولة شراء نهمة، فهو لم ينتفِ، بل أصبح أسوأ، لأنني أضفتُ إليه شعورًا آخر، وهو إحساسي بالذنب. ذنب أنني بذرتُ كُلَ هذه الأموال في أمور لا أحتاج أغلبها، بل تظلُ حبيسة دولابي لأنني ابتعتُها دون سبب واضح أو احتياج حقيقي.

إن عُدتُ للوراء أكثر، إلى ما قبل 2012، وزواجي وانتقالي إلى القاهرة، أعتقد أنه كان لديَّ ميل فطري للتبذير، لكن لأنني لم أكن المُتحكم الرئيسي في قرارات الشراء الخاصة بي، بل أبي وأمي ومصروفي الأسبوعي منهما، فقد كان الأمر تحت سيطرتهما، أما بانتقالي لأكون أنا المسؤولة عن بيتي واحتياجاته وعن نفسي، بالإضافة إلى حصولي على عمل وامتلاك مصدر دخل خاص بي، كان ذلك يُمثل دفعًا خفيًا للتمادي في شرائي المرضي.

دعوني أوضح هنا أمرًا ما آخر: كانت مُشكلتي الأساسية في إدمان التسوق هي الملابس والأكسسوارات، وكان هذا الأمر يتعلق بصورتي الشخصية عن جسدي وشكلي الخارجي، لم أكن راضية عنها، وبالتالي كُنت أعتقد ببساطة أن الحل فيما أرتدي، وأنني يجب أن يكون لديَّ تنوع لا نهائي في ملابسي، وأكسسواراتي. جعلني هذا أشتري الملابس بمعدل غير طبيعي، حتى أنني كٌنت أشتري قطع ملابس ليست مُناسبة مثلاً لطبيعتي كامرأة مُحجبة، أو لطبيعة جسدي ووزني، بحجة أنها جميلة للغاية وستكون حافزًا لي لخسارة بعض الكيلوجرامات، ناهيكم بعدم إدراكي الكامل بشكل جسدي والألوان والنقشات التي تلائمه، حتى عند شرائي للحقائب، كُنت أشتري فقط، لا أفكر هل هذه الحقيبة مُريحة أم لا، هل حجمها جيد ويناسبُني؟ هل حقاً أريد هذا اللون أم أنني سأشتريها في كل الأحوال ثُم أنسقها فيما بعد؟

كان الأمر فوضويًا وعشوائيًا لأقصى درجة.

مشاعر الذنب

عندما أدركتُ أنني فعلاً أشتري كُل هذه الملابس لأجل الشراء فقط، وبدأ شعوري بالذنب يطغي عليّ، بدأتُ لا إراديًا في توجيه طاقتي الشرائية المحمومة هذه لأمور أخرى. أخبرُ نفسي: “ها أنا ذا لا أبتاع ملابس لا أحتاجها”، لكنني أذهب لأبتاع ديكورات للمنزل. أقول لنفسي: “لم أعد للبيت اليوم بقطعة ملابس واحدة”، لكنني كُنت أعود بأشياء أخرى، كمجموعة جديدة من الكُتب، (لا بأس إن كان لديَّ ثلاثون كتابًا لم أبدأ في أي منها بعد)، أو أواني الطهو (ستُشجعني على الطهو أكثر)، أو عدد مُبالغ فيه من النباتات والأصص (لأنني أحب النباتات بالطبع والعناية بها)… إلخ.

إذًا كُنت أدور وأدور في فلك الشراء المرضي دون أن أدري في البداية، ثُم حتى بعد إدراكي للأمر، لأنني ببساطة لم أملك الإرادة الكافية للتوقف عن هذا الإدمان.

اقرأ أيضًا: 10 نصايح توفيرية لو هتشتري هدومك أونلاين

رحلة التغيير

ما الذي تغير لأملك القدرة على السيطرة على إدمان التسوق هذا؟

في الحقيقة جاءت لحظة التغيير مُصادفة، ولكن بالتأكيد كان يسبقها حالة كاملة من إدراك أن لدي مُشكلة حقيقية، وخارجة عن السيطرة.

خلال عام 2018 كُنت دائمة التحدث مع صديقاتي عن أنني لا أستطيع الادخار، وأُبذر أموالي في لحظة إحباط أو يأس مهما حاولتُ إمساك نفسي. أخبرهم أن هذا الشهر سيكون شهرًا بلا تسوق إلا ضروريات العيش فقط، ثُم أنكث بوعدي لنفسي في لحظة غير واعية، وهذا تعبير مقصود تمامًا، فهذا ما يوصلك إليه إدمان الشراء، أو الشراء النهم. أنت غير واعٍ لا تُدرك ما تفعله إلا تلك المُتعة اللحظية لامتلاك شيء جديد.

How to stop shopping

استمرت بي الحال هكذا، حتى قابلتُ مصادفة أحد الفيديوهات على يوتيوب، فتاة تعيش في كندا، وتنشر مقاطع فيديو عن حياتها، أخذني مقطع لآخر في قناتها، حتى قابلتُ مقطعًا بعنوان How to stop shopping تُدرج فيه بعض النصائح التي تعلمتها من خلال آخرين، ومن خلال تجربتها الخاصة لكيفية السيطرة على إدمان التسوق.

تحدثت كريستينا عن كل مشكلاتها مع إدمان التسوق. ووجدتُ نفسي مُتمثلة في كل ما قالته، وقد لمسني هذا الفيديو، لمستني حتى تلك الهزة المتوترة في صوتها وهي تحكي عن تجربتها، وجعلني أُفكر أنه ربما يُمكنني حقًا أن أبدأ أنا الأخرى ما أطلقت عليه Low buy year. نعم هذا مصطلح لطيف وفكرة مُتخففة من كل القواعد الصارمة التي قرأتها من قبل، ومن ربط التبذير بوازع ديني يجعلني أشعر بغصة دائمة لأنني لأ أستطيع منع نفسي منه. هذا أمر يبدو لطيفًا ويُمكن تنفيذه، إذًا لأُجرب. وبدأتُ فورًا وليس مع انتظار بداية الأسبوع أو الشهر أو العام، لأنني ببساطة سأهون الأمر على نفسي.

نصائح كريستينا في هذا الفيديو وانعكاسها على حياتي الشخصية

1. تذكر أسبابك

يجب عليك أن تتذكر دائمًا لماذا تُريد السيطرة على إدمان التسوق لديك، وأن تكتبه كل أسبابك الحالية والتي قد تقابلك فيما بعد. بالنسبة لي كانت كالتالي:

– السبب الرئيسي هو دائرة الذنب القاتلة: سبب عاطفي ونفسي، فأنا أبذر الأموال، ولا أستفيد بأكثر من نصف الأشياء التي أبتاعها، ويتبقى لدي شعور الذنب المُستمر. يتراكم في بيتي كُل ما أبتاعه، وتراكم الأشياء يُسبب لي ضغطًا نفسيًا كبيرًا، وإن حاولت التخلص منها ببيعها أو التبرع بها، يتملكني إحساس مُضاعف بالذنب.

– أصبح لدي أهداف أخرى في الحياة، كالسفر، وإقامة مشروعي الخاص، وبالرغم من أنني أحيا حياة مُستقرة ماديًا مع زوجي وابنتي، إلا أنه يبدو لي دائمًا أني لا أملك ما يكفي لتحقيق هذه الأهداف، وبالنسبة لي هذا أمرٌ جنوني.

– أخاف خوفًا عظيمًا من انعكاس إدمان التسوق على ابنتي، وأي أطفال قد أرزق بهم في المُستقبل.

2. ضع قائمة بالمُغريات التي تُحفز لديك نهم الشراء

إنها تلك الأمور التي لا تستطيع منع نفسك من شرائها. هل هي الملابس، الأحذية أو الحقائب؟ هل هي الأكسسوارات؟ هل تميل في الإسراف في شراء احتياجات المنزل من طعام وشراب؟ هل تشتري ديكورات لا تعلم أين ستضعها في بيتك؟ إلخ. بالنسبة لي كانت الملابس، الأحذية، والحقائب هي أكبر مشكلاتي، تليها ديكورات البيت والكتب.

إدراكي وتذكري الدائم بأن لدي الكثير من الملابس/ الكتب / الحقائب ..ألخ، يجعلني لا إرادياً أخذ خطوة للوراء وانا داخل المحل التجاري. وهذه خطوة جيدة جداً كبداية

3. Unsubscribe

تقصد كريستينا هنا أن تلغي اشتراكك في كل المواقع التي تُرسل الرسائل الإلكترونية ورسائل الهاتف لتُعلن عن كل ما هو جديد، أو لتعلن عن تخفيضات يجب عليك اللحاق بها الآن.

بالنسبة لي أرى دائمًا أن هذه الوسيلة ليست مُنتشرة بشكل كبير في مُجتمعنا، ولا تؤثر علي قرارات الشراء خاصتي بشكل كبير، لكن من يعلم ما سيحدث في المستقبل. بكل تأكيد أتسلم العديد من الرسائل الإلكترونية من مواقع التسوق الإلكتروني العربية التي تعاملتُ معها، وقد قمت بإلغاء اشتراكي بها كلها، كما أنني أرفض إعطاء رقم هاتفي لأى من المحال التجارية التي تطلب مني رقم الهاتف لتسجل الفاتورة. يتحججون دائمًا أن لا يمكن طباعة الفاتورة إلا برقم هاتف فأقول له يُمكنك إدخال رقمك الشخصي، أو ببساطة أترك ما أشتريه وأمضي، ساعتها سيخرجون بحل خفي وكأنه سقط عليهم من السماء.

اقرأ أيضًا: احذري الرسائل المزيفة في الإعلانات

4. ضع ميزانية

يُمكنك أن تضع ميزانية لكل بند في بنود حياتك، وفقًا لدخلك الحالي، وما تُريد إنفاقه بالضبط في هذا البند لهذا الشهر، وأي البنود تستطيع أن تجتاز شهرك دون أن تُنفق فيها نهائيًا.

بالنسبة لي لم أقم بهذه الخطوة بعد. كُلما رأيتُ فيديوهات أكثر عن كيفية التحكم في الدخل وبنود الصرف وأولوياتها، يتأكد لي أنها خطوة حيوية وفاصلة، لكنني حتى الآن لم أتوصل لطريقة لمعرفة كيف أبدأها وألتزم بها، ربما لأنني أخاف جدًا من الحسابات، لا أعلم، لكنني لا أستعجل نفسي حاليًا وأتعلم أكثر عن كيفية البدء في تنظيم ميزانيتي الخاصة.

5. قم بالجرد

بعضنا لا يُدرك كم الملابس التي لديه بسبب تراكمها، بعضنا يعلم أن لديه كُتبًا لم تُقرأ بعد لكنه لا يعلم عددها، بعضنا يشعر أن بيته مُزدحم، دون أن يدري السبب… إلخ. على الأرجح السبب وراء كُل هذا هو أن لديك أكثر من اللازم، وأنك تحتاج لتقسيم كل ما تملكه في بيتك على فئات وجرده وتقييمه.

بالنسبة لي، قيمتُ عدد الحقائب التي لديَّ في بداية رحلة التعافي تلك، وكانت أكثر من 10 حقائب، ولا أدري لماذا حقًا قد أحتاج لكل هذا العدد حتى وإن كُنت أستخدمها جميعها؟! وهذا ما لا أفعله. أنا كبقيتنا جميعًا أستخدم حقيبتين أو ثلاث على أقصى تقدير في استخداماتي اليومية، وتبقى بقية الحقائب ليتراكم عليها التُراب. طبقتُ نفس القاعدة على ملابسي وأحذيتي، وعرضت أغلبها للبيع بنصف الثمن أو أقل، وكُل ما لم يُبع خلال شهر ذهب للتبرعات أو لفتيات العائلة كُلٌ تختار ما يُناسبها.

هذه خطوة مُركبة على الاعتراف، فهي أولاً عاطفية جدًا، فليس فقط أني أحدد نقاط ضعفي في الشراء، لكني أيضًا اخترت التخفف من كل ما لا أستخدمه حتى أحاول السيطرة أيضًا على شعور حب التملك، والذي يُعد دافعًا من داوفع الشراء الأساسية. فكم مرة سمعتم في إعلان تجاري أو على لسان أحد المؤثرين على السوشيال ميديا مثلاً هذه الجملة “أنا أحتاج لهذه الحقيقة”، “يجب أن أمتلك هذا الهاتف”… إلخ. هذه الجمل العابرة التي تُنطق بمنتهى الشغف، تُحفز بداخلنا رغبة الشراء والتملك حتى وإن لم نشترِ نفس ما يعلنون عنه، سينتهي بنا الأمر لشراء شيئًا مُقاربًا.

وثانيًا هي خطوة تجعلك تُدرك ما تمتلك، وأنك ربما لست بحاجة لهذا القميص، أو لستِ بحاجة لهذا الفستان، أو الحذاء، لأن لديك واحدًا مُماثلاً.

اقرأ أيضًا: نصائح لشراء الأدوات المستعملة بأمان

وأخيرًا فإنني يجب أن أقول، بأن أكثر ما ساعدني للوصول لهذه المرحلة هو الإدراك والوعي الكامل. إدراكي بأن لدي مُشكلة، والاعتراف بها. وعيي بأنني أتخذ قرارات خاطئة، وعندما بدأت في اتباع حل ما، كان يجب أن أكون أيضًا مُدركة وواعية لأساس مُشكلتي، ولنقاط ضعفي فيها، لكل ما أملكه في الوقت الحالي لأستطيع تقييمه بحق.


في المقال القادم سأتحدث عن المرات التي أعدها كبوات خلال سبعة أشهر مضت، وكيف تعافيتُ منها، وعن نقاط عملية ومُرتبة تعلمتُها لاتباعها أثناء عملية الشراء، لضمان أنني لا أستسلم لأي مُغريات، ولا أشتري ما هو فائض عن حاجتي، فيما أطلق عليه My low buy year.

سأكون سعيدة أيضًا إن شاركتونني بقصصكم الخاصة عن نهم الشراء وإدمانه، وإن كانت لديكم أي نصائح بشأنه.

المقالة السابقةالحياة في صُحبة النساء أجمل
المقالة القادمةكيف أعرف أن طفلي عنده فرط حركة.. الأسباب والأعراض
مي فتحي
يبدو من الصعب التعريف عن نفسي، سأختصر الأمر، أنا أم، و زوجة. أكتب، أصور، أقرأ، وأملك فكرة جديدة كل يوم. وأمتلك 30 نبتة في بيتي، وهذا العدد قابل للزيادة دائماً، السرد والحكي هما الطرق الوحيدة التي أعرفها لأُثبت أنني قد وُجدتُ يوماً.

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا