تعلمت السنة الماضية المسؤولية والنضج والشعور بالإنجاز

1193

على طاولة الاجتماعات التي تتوسط الحجرة، تلقي صديقتي سؤالاً هو حجر أساس هذه المجموعة من المقالات التي تقرؤونها على موقع “نون” هذه الفترة، سألتنا جميعًا: ماذا تعلمتم في السنة الماضية؟ أجابت كل كاتبة على السؤال بطريقتها، وبقى السؤال معلقًا أمامي يهزأ بي؛ كلهن تقريبًا تعلمن أشياء مهمة، تتعلق بالعمل أو الهوايات أو حتى الحياة الشخصية، وأنا بقيت صامتة، ثم انتهى الاجتماع دون أن أجيب.

تعلمت أن أكبر

هذا العام أتممت واحد وثلاثين عامًا، وأتم زواجي خمسة أعوام، وأتم طفلي عامين. يبدو الأمر عاديًا للوهلة الأولى، كل الناس تبلغ الثلاثين، وكل الناس تتزوج، والكثير منهم يستمر زواجهم أعوامًا طويلة، وكل الناس أيضًا يكبر أطفالهم، إذًا مر العام دون أي إنجازات؟ في الحقيقة لم تحبطني الفكرة كثيرًا بعد أن هدأت، فأنا أعرف أن هذا العام لم يمر كأي عام في حياتي، فأنا ببساطة تعلمت أن أكبر.

كانت إحدى صديقاتي تخبرني أنني سوف أتغير في الثلاثينيات، سوف أصبح أكثر هدوءًا وروية، سوف أصبح أكثر نضجًا وعقلاً، سوف تخفت عصبيتي وسوف أكون أقدر على تمالك أعصابي. حسنًا، يجب أن أعترف أنني لم أصدقها، وأنني كنت أؤكد لها في كل مرة أنني لن أتغير، كنت أقول لها بسخرية ممرورة إنني أعاني نوعًا خاصًا من التأخر العقلي يجعلني لا أتعلم من أي تجارب، وأن الأمور لو أعيدت مرة أخرى سوف أتصرف بذات الطريقة. كانت بصبر وبابتسامة العالِم ببواطن الأمور تقول لي “طيب.. بكرة هتشوفي وهتقولي رحاب قالت. وهتيجي تقوليلي إنتي كنتي صح ولو مت هتترحمي عليَّ”.

أم بدوام كامل وكاتبة بدوام جزئي وزوجة بدوام قلبي

عندما بدأت التفكير في الأمر كانت تبزغ أمامي حقيقة مضحكة، تلح عليَّ حتى أضطر للاعتراف بها، أنا تعلمت في هذا العام أن أشم رائحة حفاض طفلي من على بُعد! يبدو الأمر مضحكًا وبسيطًا، ولكنه في الحقيقة ليس بسيطًا. لم أكن ذات حساسية مفرطة للروائح، ولكنني ما أن فطمت طفلي حتى أصبحت أشعر به عندما يوسخ حفاضه. اعذروني على هذا الكلام، يمكنني أن أكون واقفة في المطبخ وطفلي في الغرفة البعيدة، وأشم رائحة تنبئني أنني يجب أن أهرع لتغيير حفاضه، إنها معجزتي الخاصة، والتي أفخر بها كثيرًا.

تعلمت أيضًا أن أنظم وقتي، تعلمت كم من الوقت سوف يلزمني لإنهاء مقال معلق، رغم إنني أتأخر في العادة. وكم يلزمني من الوقت لإعداد الطعام، وكم من الوقت يلزمني لتنظيف المنزل. تعلمت كيف أرتب مهامي بحيث أنتهي من كل شيء قبل عودة صغيري من الحضانة. إنجاز آخر أفخر به، رغم أنه لا يعد إنجازًا في المطلق، اليوم مثلاً صنعت حلة محشي، وأجلس الآن لأكتب هذا المقال قبل عودة طفلي، يا له من إنجاز!

هذا العام تعلمت ماذا يعني بالضبط الزواج، ازدادت تجاربنا الصعبة تجربة، كانت أصعب من كل ما سبق، كان تحديًا حقيقيًا، وقد اجتزناه بنجاح. تعلمت ما هي المسؤولية، وتعلمت كيف أقدِّر نعم الله، تعلمت بالضبط أنني لست بطلة وحدي، وأنه يستلزم شخصين ناضجين حسني التربية لإنجاح العلاقات. تعلمت أن أحب زوجي أكثر وأراني الله صفات فيه لم يكن يمكن أن أصدقها سوى عبر هذه التجربة الصعبة التي أثبتت بطريقة عملية أنه نصفي الآخر حقًا.

الخروج من منطقتي الآمنة

هذا العام جرؤت على الخروج من منطقتي الآمنة في الكتابة، صحيح أنني عدت لها سريعًا ولكنني خرجت، جربت ونجحت، لم أسترح ولم أكمل في المنطقة الأخرى، ولكن يكفيني أنني عرفت أني تحت الضغط يمكنني أن أخرج وأن أنجز. لن أعتبره إنجازًا، لأنه ما زال ينقصني الكثير، ولكنني الآن وأنا أحاسب نفسي على إنجازاتي هذا العام يمكنني أن أغض الطرف عن أنني تراجعت، وأحتفل قليلاً.

لا زال ينقصني الكثير، ينقصني أن أخرج من منطقتي الآمنة وألا أعود إليها، وأستكمل ما أبدأه، ينقصني أن أبدأ في تحرير الكتاب الذي يقبع في رأسي ويطن طنينًا مستمرًا في قلبي مطالبًا بالخروج، ينقصني أن أتعلم الكروشيه، ينقصني أن أتعلم كيف أصنع الرز بلبن ولا ألقي به للقمامة، ينقصني أن أبدأ في خسارة الوزن واكتساب الصحة. ما زال ينقصني الكثير ولكنني راضية.

لا يجب أن أتعلم الطيران كي أشعر بالإنجاز، يكفي أن أروض نفسي أنه لا بأس لو لم أنم ليلة أو ليلتين، أن أتصالح مع فترات الأرق التي تزورني كل فترة، يكفي أن أتيقن أن مساعدة الآخرين بما أملكه وأستطيعه تستجلب لي -قطعًا- خيرًا كثيرًا، يكفيني أنني أستطيع أن أكون ملاذًا للكثيرين، يكفيني أنني أعتنيت بطفلي في فترات مرض قاسية كانت يمكن أن تصيبني بالانهيار، ولكنها لم تفعل، يكفيني أن أستغنى عن السكر في كوب القهوة اليومي كبداية لخسارتي للوزن، ويكفيني أن أشعر أنني كافية.

أنتِ أيضًا ناجحة

بالطبع لا يكفي اكتسابنا للعادات اليومية، حتى وإن كانت صحية وصعبة ولم نكن معتادين عليها، أن نركن إلى ذلك ونعتبر أننا فعلنا ما علينا، ولكن من المهم ألا نشعر أننا لسنا كافين، لو لم يكن متاحًا لكِ أن تنجزي أشياء ملموسة تضاف إلى سيرتك الذاتية يمكنك أن تنظري لما تملكينه بالفعل، أنتِ بالتأكيد تعلمت شيئًا ما، حتى وإن كان أكلة جديدة، أو مشاجرة اجتزتِها بأقل الخسائر.

أنتِ لست في سباق مع أحد، ولا يجب أن تكسبي الجائزة الأولى في أي شيء، أنتِ كافية عندما تعملين على أن تكوني كافية. لا يجب أن تهدي العالم وتبنيه، يكفي جدًا أن تحافظي على عالمك من الانهيار وسط هذا العالم المجنون، يكفي أن تحافظي على صحتك الجسدية والنفسية وتحافظي على من تحبينهم راضين. إذا منحتك الحياة فرصة اغتنميها بالطبع، وإذا لم تمنحك، تأكدي أنك تملكين أشياء، لا يعتبرها الآخرون إنجازًا، ولكن من يهتم بالآخرين؟! الأهم هو إحساسك أنتِ، وعندما يخبرك إحساسك أنك أنجزتِ شيئًا ما، صدقي إحساسك.

اقرأ أيضًا: ومن الفشل أصنع نجاحًا

المقالة السابقةازاي اسافر ببلاش من غير فلوس! طريق السفر للخارج مجانا
المقالة القادمةكيف يحسن التعلم الذاكرة ويحميك من أمراض الشيخوخة
إنجي إبراهيم
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا