رأسك هو من يتحكم في أغلب جوانب حياتك، إن لم تكن حياتك بأكملها. الأمر ليس دُعابة، الأمر جد خطير. السؤال: هل رأسك مصروف لك هكذا؟ هل لا يُمكنك تغيير أفكارك أو شكل دماغك؟ هل الطريقة التي تحيا بها والطريقة التي تنظر بها إلى الأمور أشياء ثابتة لا يُمكنك تعديلها أو تغييرها؟ هل يمكنك تحسين الذاكرة أو حماية نفسك من أمراض الشيخوخة ؟
إجابة كل ما سبق هي: لا، يُمكنك التعديل والتغيير والتبديل والتحسين، وهذا هو مشوار حياتك من الأساس، أن تدخل الحياة لا تعي شيئًا، وتخرج منها على قدر من العلم بقدر جهد ومثابرتك ودأبك. تحض الأديان على التعلم، القراءة، البحث والمعرفة. فالتوجه الفكري الذي يرغب من أتباعه أن لا يتحركون ولا يطورون رؤوسهم ولا يقرؤون ولا يعرفون، هو توجه لديه مُشكلة، ومشكلة ضخمة.
دعنا نلعب لعبة.. حاول في يوم من بدايته أن تُراقب دماغك، تصرفاتك.. أقوالك.. ما ينطق به لسانك وما يظل حوارًا داخليًا بينك وبين نفسك لا يعرف عنه أحد شيئًا، حاول أن تراقب كل هذا لتتعرف فقط على نفسك، دعني أخبرك بشيء، أنت ببساطة هو الطريقة التي يعمل بها دماغك، أنت هو أفكارك، حتى في ترجمتك لما يقوله الناس لك أو ردود أفعالك عليهم، كل شيء ينبع أولاً وبشكل أساسي ورئيسي وجوهري من رأسك. دعني أفاجئك، حتى مشاعرك، بشكل ما تنطلق من قناعاتك وأفكارك، ثم تصبح شعورًا يُسيطر على حالتك النفسية وحال قلبك.
التعليم ليس ترفًا بل احتياج وضرورة
عندما أنجبت ابني، كنت أنشغل بالتفكير في تعليمه ونوعية التعليم التي سيتلقاها أكثر من أي شيء. يُخبرني كثيرون أن ما عليّ هو أن يتعلم المتاح، وعندما يكبر يُطوّر مهاراته كما شاء ليجد فرصة عمل، كما فعل جيلنا. لكني لا أرى أن التعليم هو مجرد الحصول على فرصة عمل، ليس من أجل دخل شهري، التعليم هو شكل حياة، وطريقة تفكير، طريقة النظر إلى الأمور والتعاطي مع الحياة، التعليم هو نوعية حواره الداخلي مع نفسه، ونوعية الأفكار التي ستتحكم في مسار حياته وستجعله يقبل هذا أو يرفض ذاك.
تسألني أختي عن مبلغ من المال تملكه، وتضع أمامي خياراتها في إنفاقه، بلا تفكير يكون خياري هو الدورة التدريبية الفلانية أو الكورس العلاني، أُخبرها أن الشيء الذي يجعل الغد مُختلفًا عن اليوم هو التعلم، تعلم أي شيء، سواء أكان لغة جديدة أو آلة موسيقية أو حتى تعلم الحياكة. شكل رأسك يتغير كليًا مع التعلم، وعندما تتغير دماغك ستتغير بالتبعية كل حياتك.
التعليم ليس ترفًا، هل يعتبر أحدكم تناول الطعام أو الشراب ترفًا؟ بالطبع لا، هو احتياج أساسي وضرورة لحفظ الحياة، كذلك التعلم هو احتياج أساسي وضرورة لتحيا بشكل جيد، لكي لا تكون شخصًا مُدمرًا لنفسك أو لمن حولك، ولتخرج من الحياة ليس بنفس الشكل الذي دخلتها به.
فوائد أكثر مما تظن
يرتبط مستوى أعلى من التعليم بتحسين الأداء العقلي في الشيخوخة، يعتقد الخبراء أن التعليم المتقدم قد يساعد في الحفاظ على قوة الذاكرة من خلال جعل الشخص معتادًا على ممارسة النشاط العقلي. يُعتقد أن تحدي عقلك بالتمرين الذهني من خلال التعليم، يؤدي إلى تنشيط العمليات التي تساعد في الحفاظ على خلايا الدماغ الفردية وتحفيز التواصل فيما بينها. كثير من الناس لديهم وظائف تجعلهم نشطين عقليًا، لكن متابعة هواية أو تعلم مهارة جديدة يتضمن اكتساب مهارات جديدة، بإمكان هذه المهارات أن ترفع من مستوى الذكاء وتساعد على تحسين الذاكرة.
تعلم لغة جديدة
من طرق التعليم التي يُمكنك استخدامها لتعزيز قوة الدماغ، هي تعلم لغة جديدة أو عدة لغات أجنبية، فتعلم اللغات الأجنبية يشعل القدرات المعرفية لدى الرضع، ويفيد الدماغ المتقدم في السن، ويشحذ العقل. أفاد باحثون في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو/ روسيا، وكذلك في جامعة هلسنكي في فنلندا، أن تعلم اللغات الأجنبية يعزز مرونة الدماغ وقدرته على ترميز المعلومات، ويشرحون أنه كلما زاد عدد اللغات التي يتعلمها الشخص، زادت سرعة تفاعل شبكته العصبية لمعالجة البيانات المتراكمة.
كشفت الأبحاث الأخرى، التي قادتها جامعة أدنبرة في المملكة المتحدة، أن التحدث بلغتين أو أكثر قد يبطئ التراجع المعرفي المرتبط بالشيخوخة، حتى لو تم تعلم اللغات الأخرى أثناء مرحلة البلوغ.
تعلم آلة موسيقية
بغض النظر عما إذا كنت تدرس آلة موسيقية خلال مرحلة الطفولة أو البلوغ، فإن تعلم آلة موسيقية سيكون له تأثير مفيد على عقلك، فالتعرض للموسيقى في سن مبكرة يساهم في تحسين نمو الدماغ، وإنشاء شبكات عصبية، ويحفز الشبكات الموجودة بالفعل في الدماغ. ثبت أن تلقي التدريب الموسيقي للأطفال يمنع تدهور مهارات الاستماع للكلام في السنوات اللاحقة، وقد يتجنب التدهور المعرفي المرتبط بالعمر.
كشفت دراسة نشرت في مجلة العلوم العصبية، عن السبب في أن العزف على آلة موسيقية قد يكون له تأثير وقائي على الدماغ، فقد وجد العلماء أن العزف على أداة موسيقية يغير موجات المخ، بطريقة تؤدي إلى تحسين مهارات الاستماع والسمع بسرعة. ويوضح نشاط المخ الذي تم تغييره أنه يمكن للمخ إعادة تجديد الشبكات العصبية، ومعالجة الإصابات التي قد تعيق قدرة الشخص على أداء المهام. كما تبين أن تعلم حركات جسدية مع الموسيقى يزيد من الاتصال الهيكلي، بين مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة الأصوات، والسيطرة على الحركة.
استمر في التعلم
إذًا لا تتوقف عن التعلم، هذا ما وددت أن أُخبرك به، اجعل التعلم من أولويات حياتك، فالأمر أكثر أهمية من شراء سيارة جديدة، أو امتلاك ملابس من ماركة عالمية معينة، لا شيء من هذه الأشياء يُحسن دماغك، لا شيء منها يرتقي بروحك، فقط كتاب جديد تنتهي من قراءته أو شيء جديد تتعلمه هو ما يفعل هذا.
اقرأ أيضًا: التعلم الذي يغير الحياة: حكاية إيفيلين بوريه وندى ثابت