دايمًا لما حد بيقول قدامي كلمة “تسعينات” بحس بشعور غريب، لو حاولت أوصفه هيبقى شيء مشابه لإنك تترمي في البحر فتسيب نفسك للموج وقت الجزر يسحبك معاه وإنت فارد ضهرك وباصص للسما، بيتسلل لقلبك -رغم السقعة- سرسوب دفا، وبيجرفك الحنين مش عشان الحاضر –بالضرورة- أسوأ من الماضي، لكن لأن زمان كل شيء كان له طابع حميمي وطعم صابح مش ملعوب فيه زي دلوقتي.
التسعينات بالنسبالي بتتقسم لمراحل ملهاش علاقة بالتسلسل الزمني، إنما بالمضمون.
1- أكل وأسعار زماااان: فاكرين أهالينا لما كانوا يحكولنا إن أيامهم المصروف كان قرش صاغ ونستغرب إزااااي بيكفي، ويقعدوا يقارنوا زمنهم بزمنــنا فنتخنق من تكرارهم للحدوتة المملة دي؟
يبدو إننا انكتب علينا نمشي على نفس النهج، فهرجع معاكم بذاكرتي لورا، لأول التسعينات، كان مصروفي اليومي رُبع جنيه -زي ما بقولك كده- مصروف ملوكي، مش بس بصرف، لأ وبحوِّش منه كمان، وقتها كنت بشتري بسكويت بالعجوة بـ10 صاغ وكاراتيه بـ10 صاغ وبالشلن أشتري بيه نبء من راجل كان بيبيعه في الفسحة قدام المدرسة، أو مع البسكويت أشتري إزازة عملاااااقة من عصير الليمون اللي كان بيعمله مدرس العلوم في المدرسة ويبيعهولنا بـ15 قرش.
ثم حدثت النقلة الكونية العظمى وظهر اختراع الشيبسي، واللي كان أول ما طلع بطعم الملح بس، في كيس لونه أحمر صغير بربع جنيه. وتوالت اختراعات مستمرتش كتير رغم إن طعمها كان مميز، زي جمبريكا وطأطأ هشة توتوس، شوية وظهرت “المندولين”، وكان ده أول ظهور لياسمين عبد العزيز كفتاة إعلانات.. وللإعلانات حديث آخر، إذ أنها كانت من أيقونات التسعينيات المميزة.
بالتالي كان لازم يحصل نقلة للمصروف ويبقى 35 قرش، عشان ينفع نشتري كذا حاجة، والمبلغ ده أثبت فشله، إذ أن أبويا كان مبيبقاش معاه فكة فآخد نص جنيه ومرجّعش الباقي، فبقى مصروفي الرسمي 50 قرش وبقيت أجيب بيه يوم ماندولين أو بممبو وبيبسي (كان بربع جنيه حضرتك) ويوم بيبسي وشيبسي، وممكن أحوش ربع جنيه من مصروف يوم لليوم اللي وراه وأعيش ملكة زماني، وأشتري الـ3 حاجات مع بعض.
ملحوظة: في السنة اللي اشتغلتها مُدرّسة لقيت إن أطفال الكي جي مصروفهم اليومي 5 جنيه، الطفل مبيروحش يشتري كيس شيبسي بنص جنيه ولا جنيه، لأ ده بيشتري كيس عائلي!
كلمة نحوّش ونشتري كذا من مصروفنا أصبحت خيال علمي، وجملة مصروفك خلص مش بعيد يعاقب عليها القانون. وبعدين نرجع نستغرب الأجيال الجديدة.. استهلاكية، أنانية، ومعندهاش القدرة على التدبير ولا الاعتماد ع النفس!
2- هدوم التسعينات شياكة شياكة: كل حقبة كان بيبقى ليها لبسها وتسريحات شعرها، وفي الحقيقة أنا مش فاكرة من هدوم التسعينات غير إني لما بشوفها في الصور دلوقتي بقول إيه العار اللي كنا بنلبسه ده! خصوصًا هدوم العيد اللي كانت بتبقى حاجات منقوشة وفساتين منفوشة أو بِدَل غريبة الشكل. بس اللي فاكراه كويس إن لما انتشرت موضة البنطلونات الجينز في الهشيم كان اللي معندهوش بنطلون جينز “تلجي شارلستون” يبقى معداش على مصر.
في التسعينات مكانش لسه الحجاب انتشر وبقى واقع مفروغ منه زي دلوقتي، في أولى إعدادي قلت لوالدي إني عايزة أتحجب، وقتها بابا رفض بشدة، قالي إنتي لسه صغيرة. بعدها بسنة ونص كررت إني عايزة أتحجب مع إني مكنتش أعرف أي بنت محجبة إطلاقًا، بابا برضو رفض، بس لما لقاني مُصرّة قالي لو لبستيه مش هتقلعيه تاني فمتلبسيهوش غير وإنتي مقتنعة وهتلتزمي بيه، وفعلًا لبسته.
مكانش عندي أي هدوم تليق مع الحجاب، فصّلت جيبة وطرحتين فيزون كبداية، وفاكرة كويس اليوم اللي لبست فيه الحجاب، كان يوم أربع وكان عندنا بطولة تنس في النادي، نزلت الصبح ألعب تنس بهوت شورت وبعد الماتش قولتلهم هروح أغير وآجي ورجعتلهم لابسة حجاب!
كانت صدمة حضارية لكل الناس اللي تعرفني، كل اللي كان بيتقال “ياسمين عادل” تتحجب؟! إزاي؟!
3- الميديا: إحنا بالصلاة ع النبي مكانش عندنا غير قناتين بس في التليفزيون، الأولى والثانية، ورغم كده كان عندنا تنوع ثقافي قدر الإمكان نتيجة البرامج المختلفة، نادي السينما، بانوراما فرنسية، اخترنا لك، تاكسي السهرة، أوسكار. ويوم الخميس مسرحية والجمعة فيلم عربي. وطبعًا طبعًا يوميًا كان فيه مسلسل يتيم الساعة سبعة مصر كلها كانت بتشوفه، أما رمضان فيعني فوازير نيللي أو شيريهان، ألف ليلة وليلة وسلاحف النينجا، أو عمو فؤاد وفطوطة ع الفطار.
مصدر الأغاني بالنسبالنا كان برنامج أماني وأغاني، اللي كنا بنستناه عشان نسجل الأغاني فيديو فنعرف نشوفها في أي وقت، ولما ظهرت القنوات الإقليمية من الثالثة للثامنة ثم التاسعة (نايلT.V) حصل قلبان ومبقيناش عارفين نتفرج على إيه ولا إيه! (كنا طيبين أوي يا خال!).
في الوقت ده كان الوكمان صديق الإنسان الصدوق، وشرايط الكاسيت لذوي الإمكانيات. فاكرة إني في مرة طلبت من بابا شريط عمرو دياب الجديد هدية عيد ميلادي وملقاهوش في البلد اللي كنا فيها، ونزل القاهرة مخصوص يجيبهولي، وفي الآخر لما رجع اكتشفنا إن الكوفر كان لعمرو دياب لكن الشريط اللي جوة كان بتاع ليلى غفران ومعرفتش أغيره.
الإعلانات.. لو إنت من مواليد التسعينات نفسها وما يليها فاتك كتير جدًا، ادخل على يوتيوب واكتب إعلانات التسعينات، هتلاقي كنز، إيشي أميجو بينور على كوفرتينا ع العريس، محمود إيه ده يا محمود، وهتجوز يعني هتجوز، هاتلنا ريري، واشمعنى السحري مُصرّ عليه جرب وهتعرف وحدك ليه.. إعلانات مبهجة وموجهة لينا الطبقة المتوسطة لا المعدومة ولا أصحاب الملايين زي دلوقتي.. ومتنساش بالمرة تتفرج على أوبريتات وأغاني الأطفال، وقتها هتنبسط.
4- أنشطة: في ذاك العصر الذهبي وقت الفراغ كنا بنقضيه يا في اللعب يا القراية. ألعابنا كانت جماعية وفي النادي أو الشارع مش قاعدين ماسكين شاشة ومبحلقين فيها، كنا بنلعب استغماية، كهربا، صيد الحمام، السبع طوبات، أولى، وألعاب كتير تأكد إننا عيشنا طفولتنا بجد.
أما القراية فكنا دايمًا بنبقى عاملين اشتراك ف المكتبات، في الصيف نروح نقرا ونستعير ونشتري قصص ومجلات علاء الدين وميكي وسمير، المكتبة الخضرا، تان تان، رجل المستحيل وملف المستقبل وما وراء الطبيعة، كنا دود قراية، فطلعنا عندنا صبر وطولة بال وخيالنا واسع.
6- الحب التسعيناتي: يشبه للأفلام العربي القديمة، أيام ما كان الواحد بيتعب عشان يوصل للي بيحبه؛ مكانش فيه نت وفيسبوك وشات، ولا سكايب وفايبر وموبايلات، الحب في التسعينات هو إنك:
– تشتري للي بتحبه شيتوس من مصروفك.
– تلعب نفس الرياضة اللي بتلعبها حبيبتك عشان تبقوا مع بعض في الفريق.
– بعد ما تخلصوا التمرين تجري تسبقها عند الكولدير عشان لما توصل تلاقيك محضرلها كوباية المية.
– تاخدوا دروس سوا عشان تعرفوا تشوفوا بعض شوية زيادة.
– تتصل بالتليفون بحبيبتك ولما مامتها ترد تقفل وتتصل وتقفل، فتفهم إنك إنت اللي بتتكلم، وبس كده هي عرفت إنك بتسلم عليها.
– تروح تلعب تحت بيتها عشان تبص عليك من البلكونة.
– تسمي حبيبِك اسم بنت عشان تعرفي تجيبي سيرته قدام الناس، من غير ما اللي مش عارفين ياخدوا بالهم.
– تسجل أغنية من التليفزيون أو الراديو على شريط كاسيت، وتتصل باللي بتحبه ع التليفون الأرضي وتفضل تحاول لحد ما هو اللي يرد، وتشغل الغنوة من غير ما تقول ولا كلمة، وأول ما تخلص تقفل على طول.
– تدي كتاب للي بتحبه وإنت حاططله خط تحت الكلام اللي نفسك تقولهوله.
– تكتب جوابات غرامية.
وحاجات تانية كتير لما يقراها الجيل الجديد هيضحك ويتريق ويقول إنتو كنتم مكبرين المواضيع كده ليه؟ دلوقتي بيبقوا في حضانة وتلاقيهم بيقولولك جنى بتحب سيف بس سيف بيحب لوجي، وأنا أهو شحطة ومتجوزة مخلفة ولحد دلوقتي أهلي ميعرفوش إني كنت بحب وأنا صغيرة!
يمكن الحاجة الوحيدة اللي مكانتش موجودة على أيامنا، أو كانت موجودة بس مش عند كل الناس هي التكنولوجيا، أنا شخصيًا مدخلتش ع النت غير لما بقيت في الجامعة، ومجبتش موبايل غير في أجازة تالتة ثانوي أيام ما الخط كان بـ1000 جنيه، وكنا بنشحن الكارت أبو 100.
التكنولوجيا مفيدة وممتعة بس كُترها بيفقد الحياة معناها وبهجتها، وبيجَمِّد الممارسة ويحول كل المشاعر لضغطة زراير وسمايلي فيس مع شوية لايكات وشير، ويمكن بلوك.عشان كده على أد ما الجيل الحالي محظوظ بالتكنولوجيا على أد ما مسيره يكبر ويكتشف إن حياته اتسرقت قدام شاشات عملاقة وتطبيقات بتحث ع الوحدة، فبدل ما عاش الحياة اتفرج عليها من برة.
فنصيحة: عيشوا حياتكم يا بني آدمين لأن قطر الحياة بيجري أسرع مما تتخيلوا، ومهما كانت سرعتكم عمركم ما هتعرفوا تسبقوه.