عالم خيالي، حكاياته مشوِّقة، الخير ينتصر فيه دومًا على الشر، يمكنك أن تسمع فيه الحيوانات تتحدث لغة الإنسان بطلاقة، أما الشمس والقمر فقد تستطيع السفر إليهما بسهولة. وأنت تسير في شوارعه قد تقابل أحد الأقزام السبعة التي تعيش جنبًا إلى جنب مع البشر في سلام، وسوف تكون قادرًا على تحية أبطاله الذين لا يمكن هزيمتهم أبدًا، تشعر بالحيرة تجاه هذا المكان السحري.. هو عالم أفلام ديزني الذي يبهر الصغار، ويخلب لُبَّ الكبار بما يقدِّمه من أفلام سينمائية وكارتونية ساحرة.
تُعد شركة ديزني من أقدم وأضخم شركات إنتاج الترفيه في العالم، والمتخصصة في صنع أفلام الكارتون، على يد صاحبها والت ديزني وأخوه روي عام 1923. ومع تنامي الاهتمام بأفلام الكارتون بسبب مساهمتها بشكل غير مباشر في تشكيل عقول الأطفال، وبالتالي شخصيتهم وسلوكهم، فقد اهتم الكثير من علماء النفس والاجتماع بدراسة ما تبثه شركة ديزني في أفلامها من قيم ورسائل.
كان مثيرًا للانتباه أن الرسائل المُقدَّمة ليست كلها إيجابية، بل هناك مفاهيم وقيم غير مرغوبة قد تؤثر على عقول الأطفال بشكل سلبي، أما استمرار التعرض لتلك القيم فقد يفسد شخصية الأطفال تمامًا، ومن تلك الرسائل:
1- تبادل الإساءة بين الأبناء والآباء شيء عادي
كما حدث في أفلام “بينوكيو”، و”brave”، و”little mermaid”، ففي فيلم “بينوكيو” ظهر مشهد إساءة الأب العجوز لـ”بينوكيو” بينما يقف هو بلا حيلة، وكذلك في فيلم “brave” مشهد الإساءة المتبادلة بين “ميريدا” ووالدتها، لدرجة أنها حاولت التخلص من أمها، وفي فيلم little mermaid ظهر أن حورية البحر تحدت أوامر والدها وصعدت إلى سطح المياه من ورائه وتخلصت من ذيلها، والنتيجة النهائية كانت إيجابية، فتزوجت الأمير وعاشت في سعادة، وكأن الرسالة تقول إنك حتى وإن عصيت عائلتك فيمكنك النجاح والعيش في سعادة.
2- الجمال المثالي شرط القبول
في كل فيلم، تظهر الأميرة نحيفة، جميلة، مثالية، وليس بها أي عيوب، وترتدي الملابس الجميلة. وبسبب جمالها فهي تحظى بالأمير المثالي، وليس الأمر مقتصرًا على النساء، بل أيضًا الرجال، فالأبطال دومًا أقوياء وعلى درجة عالية من الوسامة، أما القبح فهو مرتبط دومًا بالشر والخبث، وظهر ذلك في أفلام مثل “سنو وايت” و”سندريلا” و”فروزن” وغيرها.
تعرفي على: مميزات البشرة السمراء
3- النهاية سعيدة
نهايات معظم أفلام ديزني سعيدة من خلال انتصار الخير على الشر، ورغم أن البعض يرى ملاءمة ذلك للأطفال حتى لا نخدش براءتهم، لكنه على المدى البعيد قد يكون هناك أضرار نفسية، عندما يصطدم الأطفال بالواقع الحقيقي، ويدركون أن من مبادئ الحياة أن الخير لا ينتصر دائمًا، وأحيانًا قد يتعرض المرء لخسائر، سواء كانت مادية أو نفسية، وعليه فقط عدم الاستسلام لها.
4- صورة نمطية للفتاة المثالية
وجدت الدراسات أن أفلام ديزني تؤثر على رؤية الفتيات لأنفسهن ودورهن في الحياة، من خلال الصورة التي تُصدِّرها تلك الأفلام، فالفتاة تظهر دومًا وهي تتجنب التجارب التعليمية الهامة، ولا تخرج أبدًا للبحث عن وظيفة. فقط تنتظر الأمير الذي تحبه وكأنه دورها الوحيد في الحياة، بالإضافة إلى الكثير من مشاهد التنظيف والطهو.
5- العنصرية الشديدة
تركز أفلام ديزني على الطبقة المتوسطة في أمريكا، فينشأ الطفل على أن المجتمع الطبيعي هو إما الطبقة المتوسطة التي لديها مختلف الأجهزة الكهربائية والتكنولوجية، وإما الطبقة الغنية. لكن الطبقة الفقيرة هي دومًا طبقة مُهمَّشة تنتمي إليها كل العناصر الإجرامية في المجتمع. كما تبدو العنصرية في التفرقة بين الأجناس على أساس اللون، فالإنسان الأبيض شخصية متعلمة وذكية، أما الإنسان ذو البشرة السمراء فهو إما مجرم وإما جاهل، كما ظهر في فيلم “علاء الدين”.
وإذا خرج الرجل الأمريكي أو الأوروبي من بلاده، فهو مستكشف ذو شخصية متطورة، وينتمي إلى عالم متقدم، يبحث عن الثروة أو الكنوز في دول أجنبية دومًا بدائية وسكانها رعاة سذج، لبناء حضارة وصناعة.
6- السحر يحل أي مشكلة وليس الإنسان
في معظم أفلام ديزني يبدو أن الحل الحقيقي لأي مشكلة يواجهها البطل هو الاعتماد على السحر، وليس التفكير المنطقي أو الاعتماد على إرادته، مثل أفلام سندريلا، سنو وايت، حورية البحر، الأميرة والضفدع. والأخير يُعد أكثر أفلام ديزني سلبية بسبب احتوائه على مختلف أشكال السحر، بما فيها سحر الفودو الأسود الذي لا يعد مناسبًا للأطفال.
المقاطعة ليست حلاً.. ولكن بتوجيه الأطفال
وعلى الرغم من سلبية تلك الرسائل، فإن منع الأطفال من مشاهدة تلك الأفلام بشكل نهائي لا يُعد الحل الأنسب، فالطفل إن لم يتعرض لأفلام ديزني في المنزل فقد يتعرض لها في المدرسة أو مع الأصدقاء، كما أن عالم ديزني ليس مجرد أفلام سينمائية وكارتونية فقط، بل هي صناعة متكاملة منتشرة في كل أنحاء العالم، بها جانب تجاري هائل يشمل تسويق ألعاب وأحذية وحقائب وحتى ملابس تتخذ أشكالاً كارتونية مفضلة من عالم ديزني بين الأطفال.
لذا فالحل هو:
– مناقشة ما تُقدِّمه وسائل الإعلام من محتوى مع الأطفال، فهو أمر هام للغاية بحسب الدراسات، حتى لو كانت سنهم صغيرة، لأنه يؤثر على سلوكهم إيجابيًا وتجعلهم أكثر وعيًا بالإعلام الذي يستهلكونه.
– كذلك لا بد للأمهات والآباء التحدث مع الفتيات عن ثقافة “الأميرات”، التي تُصدِّرها ديزني طوال الوقت، مع توضيح أن الفتاة أكثر من كونها أميرة، بل هي إنسان لديها احتياجات وقادرة على فعل الكثير من الأشياء العظيمة.
– كما يجب دفع الأطفال للمشاركة في مختلف أنواع الأنشطة، وعدم الاقتصار على مشاهدة أفلام الكارتون فقط، بمعنى آخر دقيق لا نجعل عالمهم الصغير يتمحور حول الكارتون وشخصياته المختلفة، بل نجعل الكارتون مجرد جزء في حياة الصغار إلى جانب الهوايات الأخرى.
ويمكن ملاحظة أن أفلام ديزني أدركت تلك السلبيات، فبدأت تتلاشاها تدريجيًا في أفلامها المُنتجة مؤخرًا، حتى تواكِب التطورات الاجتماعية العالمية المختلفة. وظهر ذلك في “frozen” الذي قدم أن الحب لا يقتصر فقط على الأميرة والأمير، بل هناك روابط حب أخرى مثل الأشقاء. و”zootopia” يدعو إلى تقبُّل الآخر، و”Moana” حيث البطلة التي تتمكن من حماية شعبها من الجوع. وهو ما يؤكد الدور العظيم الذي تلعبه شركة ديزني في حياة أي طفل، أو كما قال عنها عالم الاجتماع “هربرت شيلر”: “إنها المعلم الأعظم في هذا القرن”.
أهم المصادر:
1-
Bispo, Ashley Fairytale Dreams: Disney Princesses’ Effect on Young Girls’ Self-Images pg 2.
Brantz, Loryn. “If Disney Princesses Had Realistic Waistlines.” BuzzFeed. N.p., 29 Oct. 2014. Web. 05 May 2016.
2-
https://www.comedylion.com/how-walt-disney-corrupts-children-1602
3-
https://phys.org/news/2016-06-disney-princess-culture-magnifies-stereotypes.html
4-
هربرت شيللر كتاب “بناء العقول”
5-
6-
https://www.teenink.com/opinion/movies_music_tv/article/895607/Long-Term-Negative-Effects-of-Disney/