بقلم: بدر أحمد السراوي
نصحتني صديقة منذ شهر تقريبًا بمشاهدة فيلم “كلاوس“. في الحقيقة لم أهتم كثيرًا لأن ذوقها السنيمائي يختلف عني، إلا أن صديقة أخرى أخبرتني أن الفيلم تحفة وعليّ أن أشاهده، وبعد أحد أيام العمل الشاقة قررت خوض المغامرة، وبالفعل كانت مغامرة، لأن معظم الأفلام التي شاهدتها مؤخرًا لم تجذبني، حتى صاحبة التقييمات العالية منها. وبعد مشاهدة الفيلم كلما قابلت أحدًا أقول له: هل شاهدت “كلاوس“؟
الأفلام الإسبانية، التي تشهد طفرة مؤخرًا، كان من ضمنها فيلم الرسوم المتحركة “كلاوس” الناطق بالإنجليزية، والذي ترشح لجائزة الأوسكار هذا العام، من إنتاج وإخراج سيرجيو بابلوس، ومن توزيع نتفليكس، والذي تقدمه عملاً أصليًا لها. يحكي الفيلم عن ساعي بريد مستهتر ينتمي لعائلة ثرية، غضب عليه والده فأرسله إلى منطقة نائية ومتجمدة، اسمها سميرنسبرغ، ومُنِح عامًا واحدًا ليرسل ويستقبل آلاف الخطابات، وإلا سيحرمه والده من الميراث. ليكتشف “جيسبر” ساعي البريد أن أهل هذه البلدة دائمو الصراعات، ولا يضحكون، ويعلمون أولادهم أصول النزاع ونصب الفخاخ، ولا يرسلونهم للمدرسة، ولا يستخدمون بالبريد من الأساس.
الأسطورة الأولى: بابا نويل ضخم له لحية بيضاء ويعيش في الثلج
الملابس الحريرية والطعام الجيد والفراش المريح كانوا نصب عين “جيسبر“، وأراد بأي طريقة أن ينهي مهمته ليعود لبلاده الدافئة، ويعيش بين أناس طبيعيين لا يتصارعون لأسباب غير مفهومة. وبعد محاولاته العديدة الفاشلة التي كانت دائمًا ما تنتهي بالركل أو الضرب، وأثناء مروره على أحد المنازل المحصنة بأسلاك شائكة وكلاب حراسة ككل بيوت البلدة، وجد طفلاً واقفًا في الشرفة يناديه، ويطلب منه أن يعيد إليه رسمته التي وقعت منه، يجدها “جيسبر” فرصة ويطلب من الولد مالاً مقابل أن يضع ساعي البريد الجواب في مظروف ويلصق عليه طابعًا ويوصله إليه، إلا أن والد الطفل خاف من هذا الساعي الغريب على ابنه، وأطلق عليه الكلاب، فانطلق وبيده رسمة الطفل التي رسم فيها الطفل نفسه حزينًا واقفًا خلف أسوار وكأنها قضبان.
فكر “جيسبر” أن يذهب إلى كوخ بعيد يقطن به رجل عجوز، ليقنعه بإرسال الخطابات واستقبالها، وعندما ذهب وجد الكوخ خاليًا إلا من ألعاب، الكثير من الألعاب، وبعد دقائق دخل صاحب المنزل، ضخم الجثة، كثيف اللحية، ويحمل في يده فأسًا، انتفض “جيسبر” فزعًا من هيئة الرجل، وفر هاربًا، إلا أن خطاب الطفل سقط منه، لتحمله الرياح إلى الرجل الغريب “كلاوس“، والذي منه -كما نستكشف من الفيلم- أتت أسطورة بابا نويل أو سانتا كلوز.
الأسطورة الثانية: بابا نويل يوزع الهدايا على الأطفال
ذات يوم يطرق أحدهم باب المنزل القديم، أو الكوخ، الذي يعيش فيه “جيسبر“، فيفتح الباب، ليجد “كلاوس” يحمل طردًا ويطلب منه بصوته الرخيم (الذي أداه الممثل J.K. Simmons صاحب الأوسكار كأفضل أداء لممثل مساعد عن فيلم Whiplash) أن يوصله للطفل صاحب الرسمه، بما أنه ساعي بريد. وبعد معاناة لاختراق القلعة الحصينة التي دشَّنها والد الطفل حول منزله، وصل الطرد. يفتحه الولد فيجد لعبة ضفدع خشبي، حين أدار زنبركه ظل يقفز فلامسته السعادة لأول مرة، وكذلك لمست “كلاوس”، الذي كان يراقب من بعيد. ثم يذيع الولد بين باقي الأطفال أن رجلاً غريبًا إذا كتبت له خطابًا يبعث لك بهدية، ليجد “جيسبر” في اليوم التالي عددًا من الأطفال أمام مكتب البريد يريدون مراسلة “كلاوس”، لكن الأزمة كانت أنهم غير قادرين على القراءة والكتابة، لذا طلب منهم “جيسبر” الذهاب إلى المدرسة.
A simple act of kindness always sparks another, even in a frozen, faraway place
الأسطورة الثالثة: بابا نويل لا يوصل الهدايا سوى للأطفال المهذبين
في يوم من الأيام التي كان فيها “جيسبر” يوزع الهدايا على الأطفال مع “كلاوس“، وجد أن أحد هؤلاء الأطفال في أول يوم ذهب فيه “جيسبر” لهذه البلدة الغريبة نصب له فخًا، فلم يترك له الهدية، وفي اليوم التالي ذهب الطفل ليتشاجر معه، لأنه يعتقد أنه أوشى له عند “كلاوس“. وبينما يقف الكثير من الأطفال، قال “جيسبر” إن “كلاوس” لا يقدم الهدايا إلا للأطفال المهذبين، وأنه يراقبهم جميعًا. كان هذا دافعًا للأطفال لأن يُحسِّنوا من سلوكهم، فينظمون المرور، وينظفون الشوارع، ويساعدون الجيران، الأمر الذي أدى إلى أن يتواصل الجيران مع بعضهم شيئًا فشيئًا
A simple act of kindness always sparks another, even in a frozen, faraway place
الأسطورة الرابعة: بابا نويل يقود عربة تحلق عاليًا تقودها حيوانات الرنة
رؤساء العائلات المتنازعة في بلدة سميرنسبرغ وبعض المنتمين إليهم، لم تعجبهم الحال. بالطبع لا أحد يكره السلام، لكن ما كان يزعجهم أن الأمر يخرج من أيديهم، ليسوا المتحكمين في الأحداث، وأهل البلدة البلدة لم يعودوا عرائس الماريونت، فقرروا أن يحاولوا بكل الطرق عرقلة طريق “كلاوس” وساعي البريد، وبالفعل نصبوا له فخًا، بينما كان يقود عربة تجرها حيوانات الرنة بدلاً من الحصان، نظرًا لأن الهدايا أصبحت ثقيلة، وحين اقترب من الفخ حاول تفاديه فقفز بالعربة لمسافة القصيرة، في هذه الأثناء طفل كان يطل من النافذة ورأى هذا المشهد، وفي اليوم التالي حكى للأطفال ما رآه، “كلاوس” يركب عربة تطير بها حيوانات الرنة.
A simple act of kindness always sparks another, even in a frozen, faraway place
الحقيقة
هل يهم إن كانت أسطورة بابا نويل مستوحاة من “كلاوس” الذي اختفى، وظل يأتي بالهدايا التي كان يصنعها لابنه، الذي لم يأتِ إلى الحياة قط، للأطفال في أعياد الكريسماس، أو من قصة حقيقية عن قديس يعيش في اليونان أو تركيا أو روسيا، ثري لكنه زاهد ويغدق بأمواله على الفقراء والأطفال؟ وهل يهم إن كان حقًا سمينًا ضحوكًا يرتدي زيًا أحمر، أو أن هذا الوصف من وحي خيال شاعر أمريكي؟ المهم هو الإحسان، الخير لوجه الخير، هدية لأجل ابتسامة طفل، هدية كانت سببًا لأن يتعلم أطفال القراءة والكتابة، هدية كانت سببًا أن يشيع الود للبلدة، ويخفف دفء الحب من وطأة برودة طقسها. الأسطورة أتت من الحقيقة، والحقيقة أنه لا جزاء للإحسان إلا الإحسان.
A simple act of kindness always sparks another, even in a frozen, faraway place
اقرأ أيضًا: عودة ماري بوبنز.. كيف ينقذنا السحر من إخفاقات الحياة