عزيزي الرجل.. أحبني بلا عقد

988

يقولون إن “الصورة بألف كلمة مما تعدون”.

بدا ذلك حقيقيًا وأنا أتأمل صورة “رنيم الوليلي” المصرية التي فازت ببطولة العالم للاسكواش للسيدات في بريطانيا، وهي تركض تجاه زوجها بعد الفوز وتحضنه أمام الجميع بلا قيود أو خوف، فالصورة تنطق بالكثير، البعض رأى فيها سعادة وفخرًا، ولكن بالنسبة لي كان فقط فيض من الحب اللا نهائي يطل من “رنيم”.

 

المرأة التي أعطت ظهرها للعالم أجمع، لكل تلك الجماهير التي تهتف باسمها، وتلك الكاميرات التي تنتظر فقط مجرد حركة منها، وهؤلاء الحكام الذين بجرة قلم قد يغيرون مستقبلها وحياتها و”تشب” على قدميها لتذهب إلى المكان الذي تدرك جيدًا أنه سيحتويها ويفهمها ويقدر فوزها دون أي مجاملات أو تعظيم أجوف، أي حضن زوجها، الذي كان يبكي هو الآخر.

 

كادت تغلبني دموعي وأنا أراقب الصورة في صمت.. نعم، فقد خطر على بالي تلك الكلمة التي لا أسمع عنها سوى في القصص الرومانسية التي كنت أقرأها في الثانوي، الحب غير المشروط، فالزوج “طارق مؤمن” هو الآخر كان يشارك في البطولة ولكنه خرج من الدور الـ16، ومع ذلك لم يشعر لو للحظة بأنه غير قادر على الفرح من أجل زوجته أو دعمها أو مشاركتها لحظة النجاح، كما نرى في كثير من نهايات قصص الحب. والصدق في الصورة خير دليل.

 

هل الحب غير المشروط يقتصر على قصص المشاهير وحكايات “السوشيال ميديا”؟ لا، فقد صادفت قصصًا تشي في تفاصيلها بحب لا نهائي لا قيود فيه ولا شرط، كما تصف فيروز حبها لحبيبها “كبر البحر بحبك”.

 

ففي أحد الأفراح الخاصة بأقاربي، وجدتها تجلس بين أبنائها، أو هكذا تصفهم، تحرص على أن يتناولوا الطعام المقدم لهم بحنان بالغ وضحكاتهم تملأ المكان، لكنها لم تكن أمهم، بل زوجة أبيهم، أما الفرح فكان خاصًا بأقارب أبناء زوجها وهي قررت ألا تخذلهم وتتركهم يحضرون بلا أم وسط المدعوين، فكان حبها لهم بلا حدود، ولا يمكن قياسه بأي وسيلة حسابية عادية، بل يمكن مقارنته مثلاً بأشعة شمس ذهبية لا تتوقف أبدًا عن تدفئة قلوبهم من برد يتم ومرارة.

 

وهناك تلك الزوجة التي دعمت زوجها في كل قرارته، مرة بترك العمل الحكومي وبدء عمله الخاص، رغم معرفتها بمدى الحاجة والعوز اللذين سيصيباهما، ودومًا كانت السند والعون خلال تربية فتياتهما الثلاثة. قابلتها مصادفة في إحدى الزيارات العائلية، ليهمس أحدهم في أذني بأن تلك السيدة البسيطة غير المتعلمة ظلت بجانب زوجها حتى شُفِي من الإدمان.

 

فقد تحملته سبع سنوات بلا كلل ولا ملل، كان فيها السم القاتل يدمر قطعًا من ذكرياتهما معًا بقسوة متناهية، ولكن قلبها كان كالماء في صفائه، غفر ذلك وظل على حبه غير المشروط حتى عاد بالفعل إلى حضنها هى وبناتها.

 

وتلك القصة التي حكاها مأذون، وكان أبطالها اثنين من الأقارب حبهما ينمو معهما من الصغر، حتى وصلا إلى السن التي قرر فيها الشاب أن حبيبته يجب أن تكون زوجته، وبعد الخطوبة تشاجرت الأسرتان وانفصلا نهائيًا، وكانت النتيجة أن ترك الشاب فتاته وهو لا يصدق أن حب سنوات ينتهي بتلك السهولة.

 

وأُجبِرَت الفتاة على الزواج، فالعمر يمر وهي لن تبقى بلا رجل، أما الحبيب فرفض الزواج إطلاقًا، يهرب من أي مناسبة تجمعهما ويخشى الكلام معها خوفًا عليها رغم ألمه، ولكن ظل قلبه فائضًا بحبها، حبًا لا حدود له يمكن حسابه فقط بعدد رمال أكبر صحراء في العالم، لذا عندما طٌلقت تقدم إليها متمنيًا أن توافق هي وأهلها على الزواج منه، رغم أن لديها طفلة صغيرة، فلم يهتم بكلام المجتمع أو يصغي لتلك التقاليد البالية، وتزوجها فقط لأن حبه كان بلا شروط.

***

ستعطيني جناحًا في فندق الريتز.. لا أريد ذلك

ستمنحني مجوهرات من شانيل.. لا أريد ذلك

حتى لو جئت لي بسيارة ليموزين. فماذا سأفعل بها؟!

حتى لو قررت شراء برج إيفل هدية لي. فماذا سأفعل به؟!

أنا أريد الحب والفرح والروح الجيدة.

ليس مالك هو الذي سيجعلني سعيدة

أنا أريد الموت وهناك يد تربت على قلبي

هيا ننطلق معًا. لنكتشف حريتي. وننسى كبرياءنا

 

كلمات أغنية المطربة”zaz”  الفرنسية، تبدو وكأنها تمرد على الواقع، أو فتاة طائشة لا تعرف مصلحتها، ولكنها في الحقيقة تصف حلم أي فتاة في حب بلا شروط، حب لا قسوة فيه ولا تعنت بأن تفعل هذا ولا تفعل هذا، حب يسمح لها بالنمو العاطفي والنفسي بالتوازي مع النمو الجسدي، حب تعرف تستطيع من خلاله اكتشاف نفسها ومواطن الجمال فيها ومواهبها، وحب يساعدها على تحقيق النجاح في حياتها بلا خوف أو قلق من رأي حبيبها أو محاولة منه لوأد أحلامها، وأخيرًا حب يدفعها لحب نفسها وقبولها كما هي بهفواتها وزلاتها وعيوبها.

 

المغنية تخبر حبيبها أنها ترغب بحبه وحنانه، ولكنها لا تريد أن يكون حبه بشروط معينة، حتى لو كان سيحقق لها الغنى الفاحش والرفاهية التي بلا حدود، فهي في النهاية ستكون كعروس ماريونيت تتصرف وفق تقاليد معينة لا تعرف نفسها، لذا إن كان حبه في أحد الأيام سيكون قيدًا لها، فهي لا تريده، هي تريد الحرية والحب غير المشروط.

 

أغنية “je veux” لـ”zaz”، ترجمتها من الفرنسية “أنا أريد”، هي الرد المنتظر على الأغنية الشهيرة لكاظم الساهر “أحبيني بلا عقد”، فإذا كنت عزيزي الرجل ترغب في حب بلا عقد، فأنا أرغب أيضًا بحب بلا شروط.

إن أردت حبًا بلا عقد فاحببني بلا شروط

 

المقالة السابقةمسك الليل
المقالة القادمةلأجل هذا رواتب النساء أقل
إنجي الطوخي
كاتبة وصحفية مصرية

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا