لفتاة لم يكن طموحها يتمحور حول الزواج بأي شكل من الأشكال، خوفًا من أن تأخذها المسؤولية بعيدًا عن الخطط التي ترسمها لمستقبلها الممتلئ بأحلام من لم تُكمِل الخامسة والعشرين بعد، أو لربما لأنها لم تكن قد اكتشفت بعد أن وجود شريك حياة يؤمن بك حتى النهاية ويدعم خططك وأحلامك، وإن لم تكن واقعية في نظر الكثيرين، ويحب أن يمنحك مساحتك الخاصة، هو أجمل بكثير من أن تحقق أحلامك وحيدًا، أو لأنها مهووسة بالتحكُم بزمام أمرها، وتكره أن يُكرِهها أحدهم على أي شيء.
لم أشغل بالي مُطلقًا بأي مما تفعله بعض الفتيات المُهتمَّات بأمور الزواج، بالسعي لتجهيز أنفسهن مبكرًا، وشراء احتياجاتهن من ملابس منزلية وملابس للخروج وأجهزة خفيفة ومفارش للسفرة وللسرير، وأشياء من هذا القبيل، لم أكن حتى أعرف إلا مؤخرًا أن هذا قرار حكيم جدًا، لأن أسعارها تتمادى يومًا تلو الآخر، برغم كونها احتياجات عادية لأي منزل، ولذلك لم يكن لديَّ أدنى فكرة عن بعض العادات والتقاليد -غير المهمة في نظري- المطلوبة في شراء هذه الأشياء، خصوصًا حين يمس الأمر “قمصان النوم”.
اتضح لي بالتجربة أن شراء قمصان النوم عملية دقيقة جدًا، ومُكلِّفة جدًا، وهناك طقوس معينة، خصوصًا فيما يتعلق بالألوان، فالأبيض مثلاً للصباحية، والأسود لبعض الشقاوة، أما الأحمر فهو الأساس، لماذا؟ لا أعرف، لا أعرف سوى أنني لا أطيق اللون الأحمر ولا أحبه ولا أستطيع أن أتحمله لحظة واحدة، وكلما عبرت عن هذا في أوساط النساء، نظرن إليّ باعتباري خائنة للجنس البشري، وسأتسبب في وقف عملية التناسل وفناء الكوكب، فاليوم عروس ترفض أن تشتري لرجلها قميص نوم أحمر، ماذا سيحدث غدًا؟! عروس لا تشتري قمصان النوم نهائيًا؟!
أمي والبائعة وصديقاتي يظنن أن لا بد من وجود قميص النوم الأحمر في جهاز العروسة من أجل السعادة الجنسية والزوجية، وإلا نالت مني لعنات السماء، فأنظر إليهن نظرة عبد المنعم مدبولي في فيلم الحفيد قائلاً “آه طبعًا لازم البوفتيك.. الناس تقول علينا إيه؟!”.
ورغم إيماني الشديد بتفاهة الأمر، لكني صممت ألا أشتري اللون الأحمر، وسط نظرات استهجان الجميع، وأعني بالجميع كل النساء اللاتي عرفن ما أنتوي فعله، بالأحرى الفاحشة التي ارتكبتها في حق زوجي المستقبلي. فأغلب الرجال يحبون الأحمر، ولذلك ليس مهمًا بالضرورة أن تحبينه أنتِ، فهو من سيراه، وكأنني لن أقف في المرآة، ولن أشعر بالرضا عن شكلي، أو أن الرضا عن شكلك ليس مهمًا حقًا، فالمهم هو رضا الآخرين عن شكلك.
ما جعلني في بحثي عن ذرة من المنطق أسألهن: “هل لو طلبت من زوجي أن يضع عطر آكس بالشوكولاتة لأنه المفضل لديَّ، لكنه يتحسس من العطور سأعيش عمري أراه قد أهدر حقي؟”، لتكون الإجابة بأن هذا غير مهم في العلاقة الزوجية بالمرة، لألتفت بشدة ودهشة لمدى حرص النساء في مجتمعنا على إرضاء أزواجهن في الحياة الجنسية، لكنهن لا يسعين بالمقابل لإرضاء أنفسهن!
تعوَّدن النساء في بلادي على أن يلبين رغبات الآخرين، لكنهن نادرًا ما يلتفتن إلى رغباتهن الخاصة، لدرجة أن أصبح هذا هو العادي والمعتاد، حتى أنه أصبح من المتعارف عليه أن المرأة التي تطلب من زوجها شيئًا يتعلق بحياتهما الجنسية فهي وقحة ولم يربِّها أهلها بالشكل الكافي، لأنها يجب ألا تتناقش في مثل هذه الأمور العيب، حتى أن أحدهم طلَّق زوجته حلاله حينما طلبت منه شيئًا يتعلق بهذا، وأهلها قد تنصلوا منها واصمين لها، لأن المرأة المحترمة ليس لها طلبات، لا تناقش الجنس، ولا تعرف ما الذي يسعدها فيه، وإلا فهذا يعني أنها خبرة، وأنها جربته مسبقًا قبل الزواج.
لذلك أصبح الجنس يتمحور حول ما يطلبه الرجال وما يرغبون به، لكن هذه ليست الحقيقة، لأن بهذا تتصنع مئات النساء يوميًا -إلا من رحم ربي- الاستمتاع مع أزواجهن، مما يتسبب بهدم الأسر والاستقرار العائلي بشكل عام، لأن الإنسان المُحبط جنسيًا غير قادر على العمل والإنجاز والتقدم، وإن كان مُعافرًا قادرًا على هذا، فهو يفعله وهو منطفئ، في غير حماسة ولا اتقاد.
التحدث مع الشريك في العلاقات الإنسانية بشكل عام مفيد للغاية، والتحدث عن الجنس بشكل خاص مهم لأبعد الحدود. وعدم التوافق الجنسي بين الشريكين سينعكس لا محالة على حالة زواجهما الصحية، حين يصبح الخجل سيد الموقف ستزيد الضبابية بين الشريكين، ولن يقدرا على إسعاد بعضهما من الأساس، وحين يُتَّهَم أحد الطرفين بالوصم لتعبيره عن احتياجاته ومشاعره سيكف عنها، ويكبت مشاعره بداخله، لندخل في عالم الخيانة، وفقد الحب والسَكَنْ والمودة.
وحتى في هذه الحالة، يُبرر المجتمع كثيرًا للرجل، لكنه لا يرحم المرأة أبدًا، ومع هذا لا يلتفت المجتمع بعد لأهمية تعبير النساء عن احتياجاتهن الجنسية بدعوى العيب، ولا يلقى بالاً لما سيحدث جرّاء عدم حدوث هذا التعبير.
المجتمع لا يلتفت إلى النساء اللاتي يكتبن على جروبات المشكلات الخاصة “أنا لم أعد أحب زوجي”، “لم أعد أشعر أنني متزوجة أصلاً”، “أتهرَّب من علاقتنا الآن”، “أتحجج بآلاف الأشياء فقط ليتركني أنام في سلام”، لكنه يلتفت إلى الرجال الذين يشكون زوجاتهم ويعبرون عن رغباتهم في أن يتزوجوا مجددًا، لأنهم لا يشعرون بالإشباع الكافي.
ليس من حق أحد أن يجبرنا أن نفعل أشياء لا نريدها، أو أن نخاف أو نكره أن نعبر عما بداخلنا من مشاعر ورغبات، وليس من الطبيعي أن يكون إخفاء المشاعر اعتيادًا، أو التهرب من البوح والبحث عن السعادة الزوجية عاديًا، والقدرة الحقيقية على تفهم بعضنا البعض في كل شيء، هو الانطلاقة الحقيقية لعلاقة زواج صحية جدًا، وحب يدوم ويعبر حدود الجسد ذاته.. فلا تخافي المصارحة، ولا تشتري قميص النوم الأحمر أبدًا إذا لم تحبي لونه!