أقضي ما يزيد عن نصف يومي يوميًا في المطبخ. أطبخ لي ولعائلتي. أجرب وصفات جديدة. أحيانًا أقرأ وأكتب ملاحظاتي وأحيانًا أطعم قطي الصغير. وبالطبع لا يخلو الأمر من مهام التنظيف اليومية.
كل هذا الوقت الذي أقضيه في المطبخ علمني الكثير من الدروس، التي وجدت بالفعل أنها ليست دروسًا هامة في الطبخ فقط، وإنما هي دروس للحياة.
1ـ كل ثانية لها ثمنها
منذ أن بدأت في استخدام جهاز الميكروويف وقد أدركت أن لكل ثانية ثمنها. فخمس ثوانٍ أو عشر ثوان قد لا نلحظها في يومنا. أما في المطبخ فخمس ثوان زائدة قد تعني خبزًا محترقًا في الميكروويف.
في الحياة أيضًا خمس ثوان قد تفرق بين الحياة والموت.
2ـ مفيش حاجة ملهاش لازمة
من بواقي الأكلات أصنع أكلات جديدة تمامًا. كأن أصنع مافن الأرز من الأرز البائت أو أصنع ساندوتش البيض بالمايونيز من بواقي بيض الإفطار. في حياتي العادية أيضًا تعلمت أن أستفيد من البواقي. أدّخر العملات المعدنية حتى تصبح مبلغًا كبيرًا. أعيد تدوير برطمانات المربى والصلصة وأستخدمها في التخزين، أو في صنع الشمع، أو في حفظ الأزرار والأغراض الصغيرة.
3ـ لا أحد يرى الصورة الكاملة
في المطبخ تحدث الكثير من الإخفاقات. فقد يفور اللبن على الموقد أو يحترق وجه الكيك في الفرن أو يتكسر قرص العجة أثناء قلبه. كل هده الإخفاقات يتم مداراتها في المطبخ قبل تقديم الطعام على السفرة. كذلك في الحياة.. ربما أكون حزينة أو أعاني الأرق أو حتى حياتي غير سعيدة، لكن ابتسامتي وثقتي بنفسي تداري كل هذا، ولا أحد يتعامل معي وفقًا لما أعانيه، بل الجميع يتعامل معي وقفًا لمظهري. فلا يرى أحد الصورة الكاملة أبدًا.
4ـ لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد
في المطبخ تراكم عملية التنظيف ليومين متتاليين تعني كارثة حقيقية. وجميعنا يعرف كوم الصحون المتراكم في الحوض.
في الحياة أيضًا أي أعمال متراكمة أو واجبات اجتماعية مؤجلة تعني إرهاقًا ومجهودًا مضاعفًا للوفاء بها.
5ـ التفاصيل الصغيرة تصنع فروقًا كبيرة
إضافة القليل من الزعتر ورشة من بشر الليمون لبعض الأكلات تغير تمامًا من نكهتها ورائحتها. بعض البابريكا تعطي عمقًا للطبق. الفلفل الأسود يمنح الوصفة حرارة وحيوية. كلها تفاصيل صغيرة لكنها تغيّر تمامًا من الطعم وتصنع فروقًا كبيرة في النكهة.
كذلك في حياتنا.. بعض التصرفات الصغيرة وكلمات الود البسيطة قد تنقذ علاقات وتُطمْئن قلوبًا وتغلق الباب في وجه عداوات قد تأكل من عمرنا سنوات.
6ـ التجديد مطلوب
حتى اللازانيا والمينستروني أصبحت بالنسبة لي وصفات عادية أقوم بطبخها باستمرار في مطبخي. فأنا دائمًا ما أبحث عن وصفات جديدة وأبتكر وصفات مختلفة حتى لا أشعر بالملل من الطعام. كذلك في حياتي.. أنا أفضّل أن أقضي وقتي في أنشطة متجددة كالرسم والتلوين والتصوير وأماكن جديدة، حتى لو كان التغيير يقتصر على المول الذي سأتسوق منه، حتى أقضي على الشعور بالملل.
7ـ من فات قديمه تاه
أحب كل يوم أن أجرب طعمًا جديدًا. قد يكون وصفة جديدة أو نوع توابل لم أجربه من قبل أو حتى وصفة أتقنها ولكني أجرب أن أغير في مكوناتها قليلاً. ورغم ذلك كله تأتي صباحات لا أفكر فيها سوى في حلة محشي الكرنب أو صينية البطاطس بالدجاج كما تعدها أمي أو طاجن الأزر المعمر بالسمن البلدي.
في حياتي اليومية أيضًا لا أتخلى عن سوق السيدة زينب والغورية وشارع المعز مهما ذهبت إلى مولات ومهما اشتريت ماركات تظل هذه الأسواق الشعبية هي وجهتي المفضلة في التسوق.
8ـ لا تبكِ على اللبن المسكوب
في المطبخ يسقط من يدي كوب فيتحطم أو ينكسر طبق غال على قلبي. لا أحزن؛ هذا مكتوب. في حياتي أيضًا تنتهي علاقات، ما كنت أتمنى لها أن تنتهي أبدًا. لا أحزن.. هذا مقدر ومكتوب.
أنا لا أبكي على اللبن المسكوب.
9ـ البدايات الجديدة لها بهجتها
مثلما تنكسر أكواب وأطباق في المطبخ ولا أحزن عليها، أشتري أيضًا أغراضًا جديدة أفرح بها وأبتهج. أسارع بتصويرها والتمتع بها. في حياتي أيضًا أفرح وأبتهج بصداقة جديدة تنشأ بيني وبين إحداهن. أفرح بنزهة في مكان لم أذهب إليه من قبل أو حتى بوصفة طعام أجربها للمرة الأولى.
علمني المطبخ أن البدايات الجديدة لها بهجة تكسر الأحزان.. فلا تفوّتوا الاحتفاء بها.
10ـ التكرار يعلّم الشطار
في الحقيقة أنا لم أكن أتقن الخَبْز. كلما كانت تصادفني وصفة للخبز أو الكيك أصاب بما أسميه رهاب المعجنات. مؤخرًا تغلبت على خوفي وأتقنت صنع أنواع الكيك المختلفة. لم أيأس في البداية وكررت المحاولة أكثر من مرة حتى نجح الكيك وأتقنت خَبزَه تمامًا. في الحياة أيضًا أنا لا أيأس.. أحاول دائمًا وأكرر المحاولة حتى أنجح في النهاية.
11ـ عينك في راسك تعرف خلاصك
التركيز ثم التركيز ثم التركيز. معظم مشكلات المطبخ سببها انعدام التركيز. احتراق الطعام وزيادة أو نقص التوابل سبببه انعدام التركيز. جروح السكاكين والانزلاق بسبب الأرض المبتلة سببه انعدام التركيز.
خارج المطبخ أيضًا التركيز هام جدًا ويمنع عنا الكثير من المشكلات والحوادث والصدمات. أو كما قال الأقدمون “عينك في راسك تعرف خلاصك”.
12ـ القرش الأبيض ينفع في اليوم الاسود
اعتدت دائمًا التسوق في أول الشهر. أشتري اللحم والدواجن والأسماك مرة واحدة وأنضفها وأقسمها على أكياس كل كيس بكمية تناسب وجبة واحدة. وأضع كل الأكياس في الديب فريزر. في منتصف الشهر إذا وجدت أي مبالغ زائدة عن حاجتي أدعم مخزون ثلاجتي حتى أستطيع أن أتجنب المواقف الطارئة والعزومات المفاجئة. وإن لم يجدّ جديد. فالمخزون صالح لعدة أشهر أستطيع خلالها صرف النقود في أوجه أخرى غير شراء الطعام.
في حياتي أيضًا اعتدت أن أشتري احتياجاتي مرة واحدة حتى أوفر مصاريف الانتقالات والتاكسي، وهذا مما يوفر الوقت والجهد والمال.
13ـ الفرحة لما بتتقسم على أكتر من واحد بتزيد
اعتدت دائما أن أشارك زوجي أو قطي الصغير الطعام. أفرح حينما تمتدح أمي طبخي. أبتهج حينما تخبرني صديقة أنها جربت إحدى وصفاتي وأسعدتها هي وعائلتها. الحقيقة أنه كلما زاد عدد من أقتسم معهم طعامي شعرت بسعادة أكبر. في حياتي أيضًا أفرح أكثر وأبتهج أكثر حينما أتشارك مع صديقاتي وأهلي مناسباتنا الخاصة.
14 ـ وحدي لكن ونسان
القراية والموسيقى والأفكار الجديدة.
في المطبخ صنعت عالمًا خاصًا. أسمع موسيقى دائمًا. أقرأ في الفترة التي يستغرقها الطعام حتى ينضج. أفكر في ملايين الأفكار الجديدة عندما أغسل الصحون. ما عاد الوقت الذي أقضيه في المطبخ وقتًا ضائعًا مثلما يعتقد كثير من السيدات. في حياتي العادية أيضًا صنعت عالمًا خاصًا بي تملؤه الموسيقى والألوان والزرع والقطط الصغيرة.
لا أضيّع وقتي ولا أنتظر شيئًا من أحد.
15 ـ الديليفري مش دايمًا وحش
رغم حبي غير المنتهي للمطبخ، لكنه في بعض الأوقات أكون معتلة المزاج أو مرهقة أو متعبة. في هذه الأوقات أفضّل شراء الطعام الجاهز ولا أطبخ أبدًا. في حياتي العادية أيضًا لا أضغط على نفسي ولا أتقبل موقفًا لا يريحني.
حيث إن كل ما يُصنع تحت ضغط سواء كان وجبة طعام أو زيارة عائلية لا يصنع أبدًا بحب.
وهكذا أثّر المطبخ في حياتي.. وهكذا تعلمت منه الكثير من الدروس.