أنتِ لستِ السبب: 4 أعمال فنية عن التحرش وأشياء أخرى

1436

تسببت أخبار حوادث التحرش المتداولة مؤخرًا، والتي راح ضحيتها مئات من الفتيات القُصَّر وشابات بمقتبل العمر، بل وبعض الفتيان أيضًا، جدلاً كبيرًا على السوشيال ميديا. ومع محاولات البعض لتبرير قيام الذكور بفعل التحرش الآثم مُتهمين الضحية بالتسبب ولو جزئيًا بما حدث لها، ظهر صوت يبدو أعلى هذه المرة، يدعم الضحايا ويُساندهنّ، مؤكدًا أن الخطأ ليس خطأهن على الإطلاق، وإنما هو جريمة مُرتكب فعل التحرش -الجسدي أو اللفظي- والاغتصاب أولاً وأخيرًا.

وهو ما تزامن مع صوت آخر أكثر دراية وعلمًا، حاول أصحابه شرح الآثار السلبية النفسية التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يخُضن مثل تلك التجارب، لمراعاتها والتصُّرف على أساسها معهن، والتي وفقًا لبعض الدراسات النفسية جاءت تتراوح بين الاكتئاب الشديد والشعور بعدم الثقة بالآخرين حتى أقرب الناس، أو القلق والتوتر ونوبات الفزع.

بالإضافة إلى اضطرابات النوم والإصابة بالكوابيس، بل وقد يصل الأمر بالبعض للتصرف بعدوانية وكره النفس، خصوصًا في غياب الدعم والاستعاضة عنه بالكثير من اللوم المعتاد والإشعار بالذنب، وهو ما قد ينتج عنه بالتبعية التفكير بالانتحار، وهذه بعض النماذج الفنية التي تُعزز ذلك:

1. سجن النسا: حين يصبح الموت الخَيار الأكثر راحةً وأمانًا

في رمضان 2014 عُرض أحد أهم الأعمال الدرامية المصرية التي صدرت بالعشرة سنوات الأخيرة وهو “سجن النسا”، إذ تميز العمل بحكاياته النسائية القاسية، والتي عكست وجعًا حقيقيًا على الشاشة، إحدى بطلات المسلسل هي “حياة” الزوجة والأم التي تنتمي لطبقة أقل من المتوسطة. تعمل “حياة” بصنع الملابس في مصنع يتعامل صاحبه مع النساء بشكل ملتوٍ تعرفه جيدًا أي امرأة، إذ يقع تمامًا في المنتصف بين التحرش واللطف الزائد، مما يجعل المرأة تتساءل: تُرى هل الأمر بهذا السوء فعلاً أم أنها تتخيل النية الخبيثة بسبب التاريخ الذي لديها من الانتهاكات الأخرى؟!

فـ”حياة” كغيرها من السيدات المصريات، اعتادت أن تتعرض للتحرش في المواصلات، وفي الطرق، وحتى في العمل، وهو ما يُصيبها بالقلق والتوتر الدائمين اللذين ينعكسان حتى على تعاملها مع زوجها. إلا أن المسألة تتحول إلى مأساة بعد أن تصير أمًا. فمع انتشار الحوادث التي تتناولها الأخبار عن التحرشات والاغتصابات التي يتعرض لها الأطفال على اختلاف أعمارهم بل وجنسهم، يتحول قلقها إلى وسواس قهري يجعلها تُبالغ في ردود أفعالها واستشعار الخطر.

حتى أنها تمنع أطفالها من التعليم وتحبسهم في المنزل. ومع زيادة الاضطراب لديها والشعور بالضعف وقلة الحيلة تُقرر قتل نفسها وطفليها وزوجها بالسم، ظنًا منها أنها هكذا تقيهم من شر لا بد منه، إلا أن سوء الحظ يُلازمها، فيموتون جميعًا وتنجو هي، لتنهار تمامًا وتتحول حياتها إلى جحيم.

2. 678: عن التحرش ولا شيء آخر

مما لا شك فيه أن فيلم “678” كان طفرة عند ظهوره، فبالرغم من أنه ناقش ظاهرة قديمة قِدم الدهر وهي التحرش الجنسي بالنساء، فإنه لا عمل غيره سلَّط الضوء على الظاهرة نفسها بهذا القدر من التركيز والقوة. فبطلات الفيلم هن ثلاث شابات، تتعرَّض كل واحدة منهن للتحرش، ورغم اختلاف بيئتهن وردود أفعالهن، لكنهن ينزعجن بالقدر نفسه، ويحاولن بذل قصارى جهدهن للوقوف بوجه هذا التعدي الغاشم والقميء.

الأولى هي “فايزة” زوجة وأم من طبقة فقيرة، تضطرها ظروفها المادية لركوب الأتوبيس العام، حيث تتعرض للتحرش بشكل شبه يومي، وهو ما يسبب لها قلقًا دائمًا، يؤثر بدوره على سلوكها العام، وحتى على موقفها من علاقتها الزوجية بزوجها الذي يزداد اشمئزازها منه مع كل حادث اعتداء تمر به، قبل أن تُقرر الدفاع عن نفسها، ولو كان ذلك يعني أن تتسبب بالإيذاء الجسدي للمتحرشين.

والثانية هي “نيللي”، الشابة ابنة الطبقة المتوسطة وذات التعليم العالي، التي تتعرض للتحرش أمام منزلها من سائق عربة نقل، فتقرر الإبلاغ عنه حتى ولو كان ذلك يَعني استنكار المجتمع لفعلها، بما فيه عائلتها، وتهديد مصير خطبتها من الرجل الذي تحبه.

أما الثالثة فهي “صبا”، زوجة من طبقة ثرية، لسوء حظها تقع ضحية للتحرش الجماعي على مرأى ومسمع من زوجها بعد إحدى المباريات المهمة. الأمر الذي يؤثر سلبًا على زيجتها بعد أن وقف زوجها غير قادر على نجدتها، خصوصًا أنها تفقد جنينها بسبب الحادث، مما ينتج عنه طلاقها. غير أنها تواجه قلقها بفاعلية عساها تنتصر عليه، فتُنشئ جمعية لتعليم النساء كيفية الدفاع عن أنفسهن ضد التحرش، وهكذا تتقاطع طرق البطلات الثلاث.

3. Big Little Lies: وَهم المثالية الهَش

في الغرب أيضًا يتعرضون للتحرش ويخشون المواجهة، ولأن العالم يتغير من حولنا في كل مكان ظهر مسلسل Big Little Lies، وهو عمل قصير من سبع حلقات من فئة الدراما التشويقية، والذي نجح في تحقيق نجاح مُدَوٍّ وقت عرضه كُلل بالفوز بعشرات الجوائز، خصوصًا مع تزامنه مع حركة “Me Too”.

المسلسل بطولة نسائية، تتمحور حول ثلاث أمهات تعِشن في مجتمع أرستقراطي يتشاركن جميعًا مدرسة أطفالهن، ورغم تظاهرهن بالسعادة والرضا عن حياتهن فإن خلف هذا الستار تُخفي كل واحدة منهن أسرارًا من شأنها هدم هذه الصورة المثالية الهشة، وهو ما يحدث بالفعل بعد وقوع جريمة قتل غير متوقعة. إحدى النساء الثلاث هي “جين” التي وصلت المدينة حديثًا مع طفلها، ومع أنه يرتاد المدرسة نفسها لكنها أقل في المستوى الاجتماعي والمادي من الأخريات، الأمر الذي يجعلها غير مُرحب بها إلا مِن البطلتين الأخريين دونًا عن باقي الأمهات.

“جين” مثلها مثل الباقيات تُخفي سرًا رهيبًا رُبما يكون الأفظع، فهي تعرضت في إحدى الليالي للاغتصاب الوحشي من رجل لم يسمع يومًا عن أن “لا تعني لا”، وهو ما نتج عنه حملها بطفلها الصغير الذي هربت به بعيدًا عن تلك التجربة المريرة. ومع كل حبها لطفلها ومرور السنوات فإنها لم تشفَ من تجربتها المريرة، التي ما زالت حاضرة معها من خلال الكوابيس الدائمة ونوبات الفزع والقلق المستمر من المجهول.

4. Perks of Being a Wallflower: الإنكار لا يفيد

بعد دخول “تشارلي” المستشفى في الصيف إثر انتحار صديقه المقرّب، ومعاناته من القلق واضطراب ما بعد الصدمة، سرعان ما يخرج ليستعد لدخول المدرسة الثانوية، فيما يخشى أن يسخر منه الجميع ويتعاملون معه باعتباره الصبي الغريب الذي قضى الصيف في المستشفى. هكذا تبدأ أحداث فيلم Perks of Being a Wallflower، ومع توالي الأحداث نكتشف أن تشارلي يظن أن بداية قلقه تعود إلى وفاة عمته التي كان يُحبها كثيرًا، خصوصًا أنها توفيت في حادث سيارة حين كان صبيًا صغيرًا بينما كانت في طريقها لإعداد مفاجأة له.

ومع أنه ينجح بالفعل في تكوين صداقات جديدة، لكن قلقه لا ينتهي، وهو ما يتضح عبر استرجاعه الدائم للذكريات المقتطفة والمرتبكة التي تترائى له بين وقتٍ وآخر. فيلجأ لطبيب نفسي لمساعدته على إعادة النظر في ذكرياته التي يقمعها، ليتضح أن الصبي سبق له التعرُّض للتحرش الجنسي من قِبَل عمته نفسها. وهو ما تسبب له بصدمة تلاها ردود فعل انفصالية في محاولة منه لتجنب المنبهات والمواقف المرتبطة بالحادث، وهو ما نجح فيه لدرجة النسيان التام، وإن بقي القلق ولقطات “الفلاش باك” يُطاردانه.

اقرأ أيضًا: اطمئن لست وحدك.. 5 أفلام أبطالها مثلك يُعانون من القلق

المقالة السابقةاخرج من دائرة الاكتئاب
المقالة القادمةصفراء وجميلة
ياسمين عادل
امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفن بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا