فيلم PS. I love you: هكذا أحببت سوء الحظ

1817

عادة ما يتساءل أصدقائي الرجال عن سبب رغبتنا المتجددة نحن النساء في مشاهدة الأفلام الرومانسية، بينما يرونها غير واقعية ومملة. الحقيقه إننا نرى بها فسحة أمل ومهرب لدقائق من سوء حظ واقعنا اليومي، حيث عادة ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن إلى واقع نتمنى ان نعيشه، ونرضى برحابة صدر أن نعيشه مع البطلة لساعة أو أقل خلال مشاهدتنا للفيلم.

فيلم PS. I love you

منعت نفسي كثيرًا من مشاهدة فيلم PS. I love you ؛ كنت أعلم أني لن أستطيع كبح دموعي في مواجهة مشاعر الحب الصافية تلك، فهو من الأفلام التي تتحدث عن الحب بأصدق وأنقى صوره، وعلى أصعدة مختلفة. هذا النوع من الأفلام الذي يجعلك تبتسم وتنسى مدى سوء حظك الحالي، بينما ترى باقة من الأحداث المنسقة والمرتبة بعناية فائقة من القدر، لإيصال البطلة إلى أقصى سعادة ممكنة.

هذا النوع من الأفلام الذي يفصلك عن واقعنا اليومي من توقع السيئ الذي دومًا ما لم يخلف موعد زيارته بكل أسف، فبعد أن ننفض عن لعن الواقع وصب جام غضبنا على الظروف وعلى الأجواء المحيطة التي جعلت من حياتنا أرضًا بورًا لسعادة مماثلة، نهرب بكل إرادة إلى هذا النوع من الأفلام، الذي يفصلنا عن الواقع ويجعل الإمكانيات لا زالت متاحة، وكأنها فسحة الأمل، حيث نملأ رئتينا بالهواء، لنعود من جديد للغوص بواقعنا وتحدياتنا اليومية.

تعرفي على: فيلم “شوكة وسكينة”: هو إحنا بنتجوز ليه؟

يبتسم القدر للبعض.. أحيانًا

نسعد بشدة عندما نرى القدر يرضى عن البطلة بتشكيلة منتقاة من التباديل والتوافيق، التي تترتب بالدقيقة والثانية، لتسوق البطلة إلى حب حياتها، في موقف بهيج ومكان رومانسي يصلح كحكاية ترويها لأولادهما فيما بعد. بينما يتوالى الرضا الكامل من القدر الذي يهب نفس البطلة أسرة جميلة ومحبة وبصحة وسعادة تغدقها بالاهتمام والمساندة والمشورة. فبينما نعاني نحن في حياتنا الواقعية من لعنة الحلول الوسط، حيث نرى أنفسنا دومًا في موقف اختيار بين سيئ وأسوأ، لنختار مماطلة السيئ واهمين أنفسنا بأنه أفضل المتاح، وبأننا بذلك نتذاكى على الواقع. أعلم أن ذلك يجعل الفيلم بعيدًا عن واقعنا اليومي المعتاد، إلا أنه لمن الجميل أن نصدق ولو لدقائق أن في بقعة ما من بقاع العالم، ينعم شخص ما بكل هذا الحب الصادق من كل من حوله. كم جميل أن نؤمن بأن الحظ يبتسم في وجه البعض أحيانًا!

اقرأ أيضًا: بعد رحيل الأحباب: كيف شكَّلتني تجارب الفقد

يبتسم أحيانًا.. وليس دومًا

مع الأسف ومع احترامي لطاقم عمل فيلم PS. I love you الذي قرر إعطاء الفيلم حقنة واقعية زائدة عن الحد، فنرى الأحداث السعيدة تنقلب رأسًا على عقب وتتحول كل ابتسامات الحظ الى اقتضاب مبالغ فيه بموت الحبيب، في موقف درامي لا يذكرونه، ولكن نفهمه من السياق، ليترسخ بأذهاننا نحن المشاهدين هذا الخوف من الأمور السعيدة، وكأنها منذرة لسيئ قادم، فدومًا ما يكون للقدر ترتيبات أخرى ضد رغبتنا. الحقيقة أنك حتى إن حظيت بشخص يحبك أكثر من ذاته فحبه هذا لن يحيل بينك وبين الزمن، ولن يستطيع -وإن حاول- أن يؤمنك مكره، فالقدر خارق وغير قابل للإيقاف، وهذا هو الواقع للأسف.

هذا ما جعلني أتذكر قصيدة كنت قد قرأتها للشاعرة لانج لييف

بعض الناس لا يدركون قيمة ما لديهم حتى يزول

لكن، ماذا عن أولئك الذين يعرفون؟

الذين لم يأخذوا شيئًا كأمر مسلم به؟

الذين تمسكوا باستماتة، ورغم هذا، لم يكن بوسعهم

إلا النظر عاجزين

بينما يفقدون ما أحبوه بشدة؟

أليس الأمر أسوأ كثيرًا بالنسبة إليهم؟

ممتنة لسوء حظي

بينما كنت أغسل وجهي بعد وصلة بكاء طويله أثناء مشاهدة الفيلم، أيقنت أن هذا الفيلم جعلني ممتنة لحظي السيئ، فبينما كنت دومًاما أشكو أني قليلة الحظ أو أن الأمور لا تسير دومًا كما أتمنى، فقصص حبي الطفولية كلها انتهت نهايات درامية للغاية، بقصد مني أو بتدخل عاقل من القدر، وإن كنت أحمد القدر على تدخلاته هذه الآن بينما صرت واعية، ولكن حينها لن أنكر أني كنت غاضبة بكل ما تحويه الكلمة من براكين، غاضبة من نفسي ومن القدر ومن الظروف ومن اختياراتي السيئة، ومن كل شيء، بالمعنى الحرفي لكل شيء.

باءت بالفشل كل خططي لامتلاك حياة أهدأ وأنجح وأقل توترًا، بدليل أني لا زلت مريضة بالقولون العصبي، والأصعب أني مصابة بالهلع من القادم. المستقبل ككلمة في حد ذاتها بما تحمله بين طياتها من أيام أسير نحوها يومًا بعد يوم مسلحة باللا شيء، وبلا أي خطط تؤمن ظهري وتشعرني بثبات ما هو ثابت على الأقل، وبالتأكيد في ظل الظروف الحالية من موجات فقد الأقارب والأعزاء، كل هذا يشعرني بالخوف ويجعلني أتحسس من وقت لآخر كل ما أملك، لأقنع عقلي بكوني لا زلت أملكه، بكل واقعية وحقيقية منزهة عن أي افتراضات.

لوجودكم وحده أصلي

أنا الطفلة التي لم تمل من تحسس مجرى تنفس والديها وأخيها لتتأكد أنهم لا زالوا على قيد الحياة، وأن القدر أعطاها فرصة جديدة لتحيا معهم ليوم آخر تنعم فيه بدفء وجودهم المجرد، فقط لوجودهم وحده أصلي يوميًا. تلك الفتاة التي تخاف وتتردد كثيرًا عند شعورها بالقرب نحو أحدهم، لكونها تعلم أنها بحبها له فسيثقل كاهلها بخوف جديد من فقدانه، أو أن يصيبه أذى، وربما تصيبه هي ذاتها بأذى في هوجة غضب غير موجهة نحوه بالأساس، فكلنا في أحيان كثيرة نصير كالدب الذي قتل صاحبه.

ما أيقنته بنهاية الفيلم، أنني حقًا ممتنة لكون كل من أحبهم ليسوا بكمال بطل الفيلم، لأنهم لو كانوا بكماله لربما اعتصر عليهم قلبي كما كان حال البطلة، وأنا أفضل أن أعيش مع إخفاقاتهم وأن أتصالح مع غبائهم في بعض الأحيان، على أن أعيش بدونهم ليوم واحد. نعم، أنا أفضل الحياة معهم، وإن كانت حياة مليئة بالخلافات واحتمالات الفشل الذريع بين لحظة وأخرى تليها، فهى على الأقل تظل حياة، ويكفيني كونها بقربهم.

برغم سوء حظي، فأنا لا زلت محظوظة فقط لكونكم معي. ونهاية، أشكركم لكونكم لستم بهذا الكمال، لأن شخصًا بمثل سوء حظي ستكون علامة مخيفة أن يحظى بأشخاص كاملين، وأشكركم أنكم لا زلتم أحياء، وأنكم لا زلتم معي نواجه معًا الخوف من المستقبل، الذي لا أتمنى من الله إلا أن أعيشه معكم، وأتمنى من الله أن لا يذيقنا الفقد في حبيب.

 

المقالة السابقةعن الجائحة والبحث عن السلام الداخلي
المقالة القادمةسيرة ذاتية نسائية: 6 كتب تمنحك الهدوء والسكينة

1 تعليق

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا