سيرة ذاتية نسائية: 6 كتب تمنحك الهدوء والسكينة

3004

لفت نظري سؤال إحدى الصديقات على فيسبوك عن COMFORT BOOKS أو الكتب المريحة، تلك الكتب التي تعود إليها مرة بعد أخرى كلما شعرت بالضيق أو في أوقات الأزمات. الكتب التي تربت على كتفك، وتمنحك السكينة، وتمنحك هدية جديدة في كل مرة تعود لقراءتها فلا تمل أبدًا. وحين فكرت في قائمتي، وجدت أن أغلب العناوين فيها هي كتب سيرة ذاتية. وهو ما جعلني أتساءل عن السبب. ما الذي تقدمه لي السيرة الذاتية ولا تقدمه الرواية، ولا الشعر، ولا حتى القصة القصيرة التي أكتبها؟ لماذا أعود لقراءة هذه الكتب مرة بعد أخرى دون ملل؟

الفهم والعزاء

بينما تمنحك كتب التنمية الذاتية وأشباهها خطوات عملية مختصرة لتغيير حياتك أو تطويرها وتحسينها، لا تفعل ذلك السير الذاتية. لا تمنحك حلولاً ولا إجابات. لكنها تحكي حكاية أصحابها. تحكي وتكشف وتُعرِّي، وتمنحك فرصة الاكتشاف والفهم. والسير خطوة بخطوة مع أصحابها في رحلاتهم، ومع آلامهم. هذه الرحلة تسمح لك بالرؤية والاستكشاف، وكأنها تعيرك حياة شخص آخر وآلامه. وهو ما يمنحك فرصة التعلم من تجارب حياتية حقيقية بلا اختصارات. تعزينا هذه الرحلات، يعزينا الألم الذي ربما مررنا بمثله. تمنحنا تربيتة على الكتف وتفتح لنا نافذة لاستيعاب الألم وفهمه ورؤيته بعين أخرى.

إطلالة على التاريخ

تقدم لك الكتب التاريخية المتخصصة تأريخ الأحداث وعرضها، وربما تحليلها، في الغالب تقدم هذا من خلال معلومات جافة. أما السيرة الذاتية فستقدم لك رؤية شخصية فردية، معاصرة للأحداث. تاريخ شخصي يرتدي ثوب الحياة اليومية وإنسانيتها. تاريخ بعين فرد عاشه يومًا بيوم. تاريخ يحمل الأفراد الهامشيون فيه أسماء لا مجرد أرقام. وخصوصًا إذا كانت السيرة لشخص غير مشتغل بالسياسة.

التلصص عبر ثقب الباب

نحن نحب التلصص على حياة الآخرين، يدفعنا الفضول للنظر إليها، ومعرفة المزيد عنها، خصوصًا المشاهير. هل يمكننا إنكار ذلك؟ تمنحنا السيرة فرصة التلصص ورؤية ما وراء الصورة الظاهرة. خصوصًا إذا امتلك الكاتب درجة عالية من الصراحة والكشف تسمح له بإتاحة المزيد من التفاصيل. على أي حال تبدو السيرة وكأنها ثقب في باب يسمح لنا صاحبها بالتلصص منه.

السيرة الذاتية والسيرة

أعي منذ بدأت في كتابة هذا النص أنني أجمع فيه بين السيرة الذاتية والمذكرات، وهما نوعان مختلفان من الكتابة، وإن اشتركا في التأريخ للذات وتقديم التجربة الشخصية وتصنيفها وتأملها والتعليق عليها، باسترجاع مراحل العمر بشكل متسلسل زمنيًا أو يخلط بين الأزمنة. وأعي أنهما -أعني السيرة و المذكرات- على تشابههما، يختلفان في أن المتوقع غالبًا من الشكل الأول هو حكاية العمر بمختلف مراحله، أما المذكرات فغالبًا ما تركز على مرحلة بعينها أو تجربة بالذات من تجارب حياة ممتدة. ولكن ما جدَّ عليَّ دون سابق نية أو إعداد هو النقل المباشر لحدث يومي أسجل بعض تفاصيله ومشاعري تجاهه، وهو ما يدخلنا في نوع ثالث من الكتابة أقرب لليوميات.. لا استرجاع هنا، بل مواكبة آنية، كل يوم بيومه. وفي التعريف الشائع، تتميز اليوميات بأن كاتبتها أو كاتبها لا يسعى إلى مشاركة الآخرين فيها، فهو يكتبها لنفسه، كأنما يريد أن يتأمل حاله ومجريات يومه…

أثقل من رضوى – مقاطع من سيرة ذاتية – رضوى عاشور

هكذا تتحدث رضوى عاشور في كتابها عن الفوارق بين السيرة الذاتية والمذكرات واليوميات. لكن الأنواع الثلاثة تبقى في النهاية في الإطار الذاتي Autobiography. وهو ما يفرقها عن السيرة Biography، وهي سرد حياة إنسان بقلم إنسان آخر.


تنتمي الكتب المذكورة هنا إلى النوع الأول، رافقتني ومنحتني الكثير، منحتني الرؤية والعزاء، وساعدتني على تجديد شغفي بالحياة، أنقذتني من الموت ربما مرة أو مرتين.

1. الرحلة – أيام طالبة مصرية في أمريكا: رضوى عاشور

رضوى عاشور

مازلت أذكر قراءتي الأولى لهذا الكتاب، رأيت عبر صفحاته رضوى عاشور في حماس ابنة العشرين، الطالبة الشابة التي سافرت لنيل الدكتوراة في الأدب الأفرو-أمريكي من الولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ ذلك الحين قرأته مرات كثيرة، قرأته في السفر، وأثناء حملي بابنتي الكبرى، قرأته وأنا محبطة، وقرأته في بدايات الحماس. قرأته في المطارات، وفي كل بيت سكنته.

ربما لا يكون أنضج ما كتبته رضوى عاشور، بل على العكس، يحمل طزاجة البواكير الأولى، وربما لهذا أحبه. يتناول الكتاب تفاصيل الرحلة ويومياتها. مركزًا على تفاصيل حياتها في الخارج، ويومياتها في الجامعة، وعلاقاتها بزملائها وأساتذتها. حماسها للاكتشاف والمعرفة والتعلم.

2. أثقل من رضوى – مقاطع من سيرة ذاتية

أثقل من رضوى

هناك احتمال آخر لتتويج مسعانا بغير الهزيمة، ما دمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا.

“أستاذة في التنكر” هكذا تصف رضوى عاشور نفسها، لكنها تهدينا قطعة من روحها وأوجهها المتعددة في هذا الكتاب. كتاب آخر لرضوى عاشور، لكنها هنا تركت مقاعد الطالبة الجامعية، وانتقلت إلى مقعد الأستاذة. وإن كانت ما زالت تحمل نفس الشغف والحماس والرغبة في المقاومة. يروي الكتاب جانبًا من رحلتها في مقاومة الورم الخبيث الذي أصيبت به، وأسفارها المتتالية في رحلة العلاج. ويتناول أجزاء من طفولتها، وحكايات ثورة يناير. وحكايات عن الجامعة، والنضال الطلابي، وصفحات من نضال أساتذة الجامعات.

ستأخذ بيدك معها في رحلة المرض وتفاصيلها المؤلمة، والسفر، وانتظار نتائج التحاليل والترقب والقلق.. كلها مشاعر متباينة نعيشها معها. وتأخذنا معها إلى رحلة هادئة في شوارع القاهرة القديمة، تعرفنا على تاريخ الشوارع وأسمائها، ونركض مع رضوى الصغيرة تلميذة المدرسة. ثم تنقلنا إلى الجامعة، إلى نضالها وشهدائها. وحكايات الثورة وأغانيها. الكتاب هو الأخير الذي صدر في حياتها.

3. الصرخة – رضوى عاشور

آخر ما كتبت د. رضوى عاشور، وهو الجزء الثاني من الكتاب السابق، لكنه نُشر بعد وفاتها، حيث تكمل فيه رحلتها مع عودة المرض، ومع ما جرى في مصر من أحداث. طبقًا للمقدمة فقد نشر دون تعديله. بعض الفصول غير مكتوبة مجرد عناوين أو رؤوس أقلام، أفكار لم تكملها الكاتبة وسبقها الموت، أفكار حول المرض والموت والمرآة، عن البنات والنساء وحكاياتهن وثوراتهن، وعن زياراتها للمتاحف.

4. أوراق شخصية – حملة تفتيش: لطيفة الزيات

لطيفة الزيات

الروائية لطيفة الزيات صاحبة الرواية الأشهر “الباب المفتوح”، والتي تحولت إلى فيلم من بطولة فاتن حمامة. تكتب هنا أجزاء من سيرتها الذاتية، لكنها لا تتخذ الشكل التقليدي للسيرة الذاتية، فهي تتنقل بسلاسة في الضمائر بين ضمير المتكلم وضمير الغائب، وكأنها تحكي عن امرأة غيرها. كذلك تتنقل بين التجارب في حديثها عن طفولتها، وزواجها الأول والثاني، وكذلك عن تجربة الطلاق. وتتحدث  أيضًا عن تجربة كتابة رواية “الباب المفتوح” وتجربة السجن، وبعض الفصول كتبت خلال وجودها في السجن.

تتحدث عن البيت، وعن معناه، وعن معنى البيت الذي افتقدته في زواجها. تحكي بصراحة كاشفة وحرة. وتبدو خلال حكايتها وكأنها تكتشف حياتها، وتسائلها، ولا تكتفي برواية أحداثها.

5. باولا: إيزابيل الليندي

إيزابيل ألليندي

عندما سقطت باولا، ابنة إيزابيل ألليندي في غيبوبة مرضها الأخير. فعلت إيزابيل ألليندي الأمر الوحيد الذي تجيد فعله للتعزي، أن تكتب وتحكي حكاياتها التي لا تنتهي. بدأت الكتاب في المستشفى أثناء انتظارها بجوار ابنتها المريضة. والحكاية هنا قديمة تبدأ من الأجداد والأم، والأب الغائب. حكايات الأجداد السحرية، طفولتها وعلاقتها بزوجيها. والتغيرات السياسية والاجتماعية التي مرت بها تشيلي، عن الانقلاب العسكري، وخروجها من بلادها. تحكي عن الزواج والطلاق والخيانة، هذه حكاية تعزي وتربت على الأكتاف. وتفتح الأبواب على احتمالات لا نهائية للتجدد.

6. جبل الرمل: راندا شعث

راندا شعث مصورة صحفية، ابنة لأم مصرية وأب فلسطيني، عاشت بين مصر وبيروت والولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن استقرت في القاهرة. رحلة ينقل لنا الكتاب الكثير عنها، يسرد لنا القضايا السياسية العربية وانعكاساتها على حياتها الشخصية بهدوء وبلا ضجيج. سرد هادئ عن أوطان متعددة، وابنة ﻷب سياسي، وبيت عائلة دافئ. في نصوص صغيرة تبدو وكأنها غير مكتملة لتسمح للقارئ بإكمال التفاصيل.

رحلة ممتدة من ذكريات الطفولة، ورحلتها في مهنة التصوير الفوتوغرافي.

“ولم يخطر لي أن يصبح هذا الصندوق كل ما تبقى لي من سنوات طفولتي في بيروت، باستثناء ذكريات تومض في خيالي من حين إلى آخر وتظهر لي أحلامًا لا نهائية”

المقالة السابقةفيلم PS. I love you: هكذا أحببت سوء الحظ
المقالة القادمةصدق أو لا تصدق: الأصدقاء ودوائر الدعم ترفع المناعة

1 تعليق

  1. مقال جميل. كان سيخيب ظني إن لم تذكر الكاتبة روايات رضوى ورواية پاولا. ربما هذا ليس عدلا ولكني ما شعرت به وانتظرته. ربما ارتباطي بهذه الكتب أضفى لمسة انحياز لهم عليّ. شكرا

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا