A Royal night out .. فلنغمض أعيننا قليلاً عن المسؤوليات

445

في الكثير من الأحيان نحتاج لمهرب مؤقت من الواقع، فترة راحة قصيرة نعود بعدها لمسؤولياتنا المعتادة، في هذه الأوقات غالبًا ما أشاهد فيلمًا خياليًا لا تمت أحداثه لحياتي بصلة، فقط أريد أن أنسى كل شيء وأعيش لحظات بين شخصيات من عالم آخر، تلك كانت نيتي وأنا أشاهد فيلم A Royal Night Out ، ولكن يبدو أن واقعي أبى أن يفارقني وأصر على دس أنفه في حياة الأبطال وإجراء بعض المقارنات غير المنطقية مع حياتي.

 

تدور أحداث الفيلم ليلة استسلام ألمانيا، وإعلان انتهاء الحرب العالمية الثانية، ليس فقط في لندن ولكن كذلك في القصر الملكي، حيث نتعرف على الأميرتين الشابتين “إليزابيث” و”مرجريت” ورجائهما الحار لوالدهما حتى يسمح لهما بالخروج من أسوار القصر والاحتفال بالليلة كأي فرد من أفراد الشعب متخفيتين دون أن يعلم هويتهما أحد.

 

بعد الكثير من العناء وافق الملك بناء على ثقته العظيمة في كبرى بناته وولية عهده “إليزابيث”، التي اشتركت في الحرب ودعمت والدها وشعبها على الدوام.

 

تخرج الفتاتان من القصر وتباين الشخصية بينهما واضح، فـ”مرجريت” عيناها يطل منهما الفرح والرغبة في الحصول على أقصى مرح ممكن، بينما يسكن في عيني الكبرى الإحساس بعبء المسؤولية والخوف من المستقبل والمجهول، وثقل وضعها في القصر الحاكم، وحتى بعد تخفيها لم تستطيع الخروج من عباءة ولية العهد التي ينتظر منها والدها السلوك الحسن والمثالي على الدوام.

 

بعد قليل تنفصل الأختان بسبب خطأ من “مرجريت” لتبدأ “إليزابيث” في رحلة بحث محموم عنها، ولكن تكتشف أنها لا تعرف سوى القليل عن مدينتها التي ستحكمها في يوم من الأيام، لذلك تطلب المساعدة من ضابط شاب هارب من الجيش، لا يرى طائلاً من الحرب، مع نظرة محتقرة للعائلة الحاكمة.

 

التضاد في الشخصيتين كان واضحًا وعنيفًا لكنها لم تجد ملجأ سواه، يساعدها في تتبع خطوات أختها من ملهى لآخر، مع نقاشات جادة بينهما دون أن تفصح عن هويتها الحقيقية.

 

أهم مشاهد الفيلم في رأيي هو عندما وجدت “إليزابيث” أختها في إحدى الحفلات، وتم عزف الأغنية التي عقدتا العزم على الرقص عليها معًا بعد عناء الليلة، والخوف الذي عاشته في البحث عن أختها، ومحاولتها الدفاع عن عائلتها أمام صديقها الجديد، قررت “بيث” أن تنسى أنها ولية العهد وترقص كأي فتاة عادية، تحظى بخمس دقائق من المرح لا أكثر، بعدها تعود لقواعدها مرة أخرى.

 

أردت أن أحل مكان “إليزابيث” تلك الدقائق الخمس فقط، أن أنسى كل مسؤولياتي وأعبائي، وأقوم بشيء من المرح الخالص، فحتى في أوقات فراغي أو عندما أتنزه مع صديقاتي تتنازع في رأسي طوال الوقت الأفكار حول ما سيحدث بعدما أعود، هل سألحق أتوبيس الحضانة الخاص بابنتي؟ هل أكلت جيدًا اليوم؟ هل شفيت من دور البرد الأبدي الذي أصابها منذ بدأ الشتاء؟ ماذا سأطبخ من طعام؟ هل سأستطيع إنهاء عملي اليوم أم سأتأخر وأضطر للسهر مرة أخرى؟

دوامة من الأسئلة والمسؤوليات تجتاحني كل لحظات حياتي، ولا أستطيع الفكاك منها، أتمنى لو كان لديّ قابس كهربي في رأسي أفصله لبعض الوقت كل يوم، وأنعم بالفراغ التام لدقائق قليلة.

 

قد لا أكون أميرة أو ولية عهد مثل “إليزابيث” من الناحية الحرفية، لكني حاكمة على منزل لا أتلقى من هذا الحكم سوى مسؤولياته، بل لست الحاكمة فقط، أنا كذلك المجلس الوزاري بالكامل، وزيرة الاقتصاد التي تصنع ميزانية “متخرّش المية” -كما يقولون- كل شهر، ووزيرة التخطيط، التي تأخذ أغلب القرارات المصيرية والتافهة التي تتعلق بالأسرة، بداية من المدرسة التي ستدخلها ابنتي وحتى لون الشراب الملائم مع فستانها، وزيرة الصحة التي تهتم بالوقاية والعلاج في حالة مرض أي من أعضاء أسرتي الصغيرة، ووزيرة التربية والتعليم بالطبع على رغم من أن عمر ابنتي لم يتجاوز ثلاث سنوات، اختر أي وزارة ستجد أن لديّ منها في المنزل واحدة وأنا -بعون الله- وزيرتها، أنجح في بعض مهامي وأفشل في أخرى، فشلت كوزيرة زراعة بشهادة نباتاتي الذابلة.

 

وأتساءل في بعض الأحيان أليس لي الحق في إجازة سنوية مثل أي موظف آخر؟

في الحقيقة.. من سيعطيني هذه الإجازة هو أنا، فأنا الوحيدة التي تستطيع إجبار نفسها على ترك كل شيء خلفها لبعض الوقت والاهتمام بنفسها فقط، تلك ليست منحة من أحد أستجديها مثلما فعلت “إليزابيث” مع أبيها، ولكن –للأسف- الإحساس بالمسؤولية الذي يسكن بداخل كل أم وزوجة هو ما يضعها في أدنى قائمة اهتماماتها، وقد آن أوان إعادة ترتيبها لنجد لنفسنا مكانًا أسمى قليلاً قبل الحاجة لإجازة مرضية إجبارية لا قدر الله.

 

 

 

المقالة السابقةالتقديم للمدارس.. موتة ولا أكتر؟!
المقالة القادمةأنا وهيكتور والبحث عن السعادة

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا