أنا وهيكتور والبحث عن السعادة

830

العام الجديد، البداية الجديدة التي تحمل الكثير من الآمال والأحلام، والخطة الجديدة التي تأتي بعد حصاد خيبات العام المنصرم. وأنا حالي كحال كُثر، ما إن بدأ العد التنازلي لرحيل 2015 حتى بدأت الأحلام تتشكل في رأسي كسحابةٍ أمطرت عليّ الكثير من الآمال، أمطرت ولم تفلح سدود الخيبات الماضية في كبح جماح السيل الذي انتهى بخطة وردية، لا أدري هل ستظل وردية أم أن للحياة كلمة أخرى.

 

وكأي شخصٍ حالم جاء دور الاحتفال بالعام الجديد، وكأي شخصٍ وحيد كان الاحتفال مجرد مشاهدة فيلم على شاشة اللاب توب وأنا ملتفة بغطاءٍ صوفي يقيني البرد الذي لا أدري هل هو آتٍ من داخلي أم هو الشتاء لا أكثر. نظرة سريعة على الأفلام التي لديّ ثم جاء الاختيار “Hector and the search for happiness”، ومن ذا الذي لا يبحث عن السعادة؟! ها أنا أستعد لمرافقة “هيكتور” علّي أجد السعادة على خطاه.

 

الفيلم البريطاني الذي تم إصداره عام 2014 مأخوذ عن كتاب روائي لطبيبٍ نفسي فرنسي يُدعى “فرانسو ليلورد” حمل نفس عنوان الفيلم الذي تدور أحداثه حول الطبيب النفسي “هيكتور” الذي يعيش حياة روتينية للغاية مع مرضاه، مع حبيبته، وحتى مع نفسه. تنتهي الرتابة والروتينية بـ”هيكتور” للشعور فجأة بعدم جدوى ما يقدمه لمرضاه، لأنه لا يصل بهم للسعادة، كما يشعر أن علاقته العاطفية -رغم استقرارها- لا تصل به للسعادة أيضًا، من هنا قرر أن يحزم أمتعته ليسافر حول العالم للبحث عن مفاهيم جديدة للسعادة.

 

مع “هيكتور” سافرت للصين، إفريقيا، ولوس أنجلس. توحدت معه تمامًا حتى شعرت أنني أرافقه فعليًا لا مجازًا في كل موقف يمر به. تشاركنا الضحك، البكاء، والمعرفة، هو يدون كل مفهوم جديد للسعادة في مفكرته، وأدونه أنا في قلبي. واكتشفت معه خمس عشرة قاعدة جديدة للوصول إلى السعادة، وهي كالتالي:

 

1- إجراء المقارنات يمكن أن يفسد سعادتك

أولى القواعد، وهي قاعدة هامة تظهر دراية واعية لنفسيات البشر، فقد درج كل واحد منّا على أن يقارن حاله بحال غيره. وتجر هذه المقارنات دومًا الشعور بالدونية وتفوّق الآخر، ثم جلد الذات، فالحزن، وقد يصل الأمر حد الاكتئاب. إذا كنت تريد السعادة فعليك أن تتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين، فلا الشخصيات تتشابه ولا الظروف، حتى تصح المقارنة. قارن نفسك بنفسك فقط لا غير، فهذه المقارنة الوحيدة الصحيحة والمنطقية.

 

2- الكثير من الناس يظنون أن السعادة في أن تكون غنيًا أو مهمًا

هذا صحيح بالطبع، فليس هناك مفهوم موحد للسعادة. المفاهيم تختلف باختلاف الأشخاص واختلاف الميول واختلاف سبل راحة كل واحد منّا. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخبر أحدهم أن مفهومه للسعادة خاطئ. أنا عن نفسي أرى السعادة في الرضا الذي يجعلني أتقبّل كل ما تمنحني الحياة إن كان خيرًا أو شرًا.

 

3- الكثير من الناس يظنون أن السعادة في المستقبل لا الحاضر

يُرهق الناس أنفسهم بالعمل لأجل مستقبلٍ أفضل، فيظلمون حاضرهم بشدة. لا بأس في التفكير في المستقبل ولكن ليس على حساب الحاضر، استمتعوا بكل يومٍ تعيشونه، لأن اليوم الذي يذهب لن يعود أبدًا، وتذكروا أن الغد مستقبل أيضًا، فافرحوا تصحوا.

 

4- السعادة يمكن أن تكون الحرية في حب امرأتين في وقتٍ واحد

“بس حضرتك دي تبقى خيانة!” هكذا كان ردّي على هذا الجزء، بالتأكيد لا أوافق “هيكتور” مطلقًا هنا. الحب حرية بالتأكيد، ويكفيني حب شخصٍ واحدٍ، لست من مناصري التعدد.

 

5- في بعض الأحيان السعادة هي عدم معرفة كل تفاصيل القصة

المعرفة أحيانًا تجلب التعاسة، فالحزن يكمن في التفاصيل. يشبه الأمر لوحة رائعة الجمال تراها من بعيد، فما إن تقترب حتى ترى خدشًا هنا وآخر هناك يبددان شيئًا من جمال اللوحة. كلُ شيءٍ في هذه الحياة له جانبٌ مظلم وآخر مشرق، أحيانًا يكون أمر سعادتنا معلقًا في عدم رؤية الجانب المظلم. أحيانًا يكون الخلاص من التعاسة في الكف عن البحث في التفاصيل المؤلمة، والاكتفاء بالمعرفة التي تريحنا وتسعدنا فحسب.

 

6- تجنب التعاسة ليست الطريقة الصحيحة للوصول للسعادة

التعاسة مؤلمة ولا أحد يحب الألم. البعض منّا يكبلون أنفسهم بالخوف والمحاذير خشيةً أن يطالهم هذا الألم، لكن ماذا يكسبون من تجنب التعاسة؟ فعليًا لا شيء، لا حلاوة التجربة ولا جمال المعرفة ولا لذة الفرح. صدقوني من لم يجرب التعاسة لن يعرف طعم السعادة، فالشيء يُعرف بنقيضه. انطلقوا دون خوف، واطرقوا كل الأبواب في سبيل سعادتكم، وإن أخطأتم أحدها يكفيكم أن خضتم التجربة، فهي المعلم الأول والأخير في هذه الحياة.

 

7- هل الأشخاص في حياتك يجعلونك أفضل أم أسوأ؟

إجابة هذا السؤال يصل بك إلى أهم مفاتيح السعادة. في البيت، العمل، الحب، الصداقة… هل الأشخاص يجعلونك في حالٍ أفضل أم أسوأ؟ إن كانت الإجابة “أفضل” هنيئًا لك، أنت تملك كنزًا بالفعل. وإن كانت الإجابة “أسوأ” فأنا آسفةٌ لك، أنت بعيد كل البعد عن السعادة، وعليك تصحيح المسار.

 

8- السعادة هي الاستجابة لندائك

ليس هناك أجمل من شعورك بالاطمئنان لوجود آخرين في حياتك لن يتجاهلوك مطلقًا، لن يتركوك، ولن يخذلوك، آخرين يودون سماعك، مساعدتك، إسعادك. السعادة حقًا هي أن تكون مطمئنًا لكونك في منأى عن الخذلان والتجاهل.

 

9- السعادة أن تكون محبوبًا على طبيعتك

في نظري قمة السعادة في قبولك كما أنت دون محاولات لتغييرك لتناسب هوى الآخرين. السعادة في احترامك أيًا كان شكلك، لونك، هويتك، واتجاهاتك. السعادة في التعامل معك ككيان حر يجب أن تٌحترم اختياراته، لا أن تٌملى عليه. السعادة في أن تُحب لأنك أنت، أنت بكل ما فيك.

 

10- يخنة البطاطا الحلوة

تبدو طعامًا شهيًا يخنة البطاطا الحلوة حد جلب السعادة، وبالتأكيد أي طعامٍ شهي قادر على جلبها أيضًا. كلقاء السعادة من وجهة نظري هي “إنك متعملش دايت”.

 

11- الخوف يقف عائقًا أمام السعادة

تحرر من الخوف، من كل أنواع الخوف. تحرر من خوف التجربة وجرب. تحرر من الخوف من نظرات الآخرين وانطلق. تحرر من الخوف من التعاسة، وابحث عن سعادتك. لا تخف، عش حياتك، وستجد سعادتك.

 

12- السعادة هي كونك حيًا

السعادة في أن تتجاوز محنة، تُشفى من مرض، أو تخرج من حادثة مُعافى. السعادة في كونك حيًا تُرزق، وما زالت أمامك فرصة لتعيش الحياة بالشكل الذي ترضاه.

 

13- السعادة هي أن تعرف كيف تحتفل

البعض لا يعرف كيف يحتفل، لأنه لم يعد هناك ما يثير في نفسه السعادة، لم يعد قادرًا على الاحتفاء بالأشياء، لأن كلها في نظره سواء. طالما أنت قادر على الاحتفال فاطمئن وافرح. افرح لأنك ما زلت تُقدّر قيمة الأشياء، وما زالت هناك أشياء قادرة على أن تشعرك بالسعادة.

 

14- الاستماع هو الحب

إن وجدت من يستمع إليك بكل اهتمام في وقت حزنك، فرحك، جنونك، شكواك… دون تبرم ولا ملل فأنت محظوظ. الاستماع اهتمام، والاهتمام حب، والحب سعادة لا مثيل لها.

 

15- النوستالجيا ليست دائمًا جيدة

قليل من النوستالجيا من وقت لآخر لا يضر، لكن أن نصنع من الماضي سجنًا ونحبس أنفسنا داخله هنا تتحول النوستالجيا إلى مرضٍ يحتاج للعلاج. ما كان في الماضي فليبقَ في الماضي، لأن اجتراره لا يجلب أي سعادة على الإطلاق، بل يفتح في بعض الأحيان بابًا لتعاسةٍ لا قِبل لنا بها.

 

رحلة “هيكتور” انتهت عند نقطة النوستالجيا، ليكتشف أن أسباب سعادته كانت دائمًا بجواره، فقط رتابة الحياة ألقت بظلالها عليها فلم يعد يبصرها، وجاءت الرحلة لتفتح عينيه من جديد، ليراها بشكلٍ أفضل ويُحسن تقديرها. نحن أيضًا كـ”هيكتور” أسباب سعادتنا موجودة حولنا بالتأكيد، فقط علينا أن نعيد اكتشافها من جديد.

 

 

 

 

 

المقالة السابقةA Royal night out .. فلنغمض أعيننا قليلاً عن المسؤوليات
المقالة القادمةالعام الذي اخترق وجداني

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا