بالتزامن مع قراءة رواية “ذات” لـ”صنع الله إبراهيم”، شاهدت المسلسل المأخوذ عنها، والذي حمل اسم “بنت اسمها ذات”.
تفوق المسلسل على الرواية في سابقة لا تحدث كثيرًا، فطالما كان العمل المكتوب أكثر جمالًا من المصوَّر.
“ذات” نموذج المرأة التي جعلوها فـانجعلت.
في طفولتها، مراهقتها، شبابها، كهولتها، شيخوختها، كانت تتبع خطواتهم لا خطواتها.
نعيش في مجتمعاتٍ تدفعنا لنكون هذا النموذج، لنتحول لذواتٍ.
ونحن نحارب وسنظل.. بألا نكون.
حياة “ذات” التي عرضها المسلسل ببراعة لا مثيل لها، ملهمة لكل ذي قلم.
لكن ما لمسني بشدة ودفعني إلى الكتابة هو “محاكمة ذات”.
تلك المحاكمة التي امتدت على طول حياتها، اختلف قضاتها وظل المتهم واحد.
“ذات”.
“ذات” المذنبة دائمًا وأبدًا، في نظر الأم الصارمة، والزوج اللا مبالي، وحتى في نظر نفسها.
“إنتي السبب “.
“ما إنتي اللي خايبة”.
“عقلك مش في راسك “.
“إنتي مش عارفة تربي نفسك.. هتربي البنات!”.
“اتصرفي يا ذات “.
“فتحي عينيكي يا ذات”.
“حطي عينيكي في وسط راسك يا ذات”.
“ربي البنات”.
“معرفتيش تربي”.
تبدأ المحاكمة، ترتفع كل الأصوات ويبقى صوت “ذات” لا وجود له.
تنتهي، فتسرع إلى الحمام الذي تحوّل إلى حائط مبكى، تبكي فيه ضعفها وقلة حيلتها.
تتخذ من المرحاض مقعدًا، تبكي في صمت، وتبدأ في داخلها محاكمة أخرى، تكون فيها الخصم والحكم.
المحاكمة التي تعقدها لنفسها لا تختلف في نتيجتها عن غيرها.
مذنبة.. دائمًا مذنبة.
هكذا تربت وبهذا اقتنعت ولن تستطيع أن تنصف نفسها مرة.
ينتهي البكاء، تقوم من مكانها لتلقي على نفسها نظرة في مرآة الحمام.
نظرة تتأكد معها من ثبوت التهمة عليها، ثم تغادر الحمام لتتابع الطريق المرسوم لها سلفًا.