لماذا يصاب البعض بالاكتئاب؟

395

هناك شخصيات اكتئابية هشة  تحتاج للعلاقات الشخصية، كما تحتاج إلى الدعم والاطمئنان من الآخرين، بالإضافة إلى ضعفها في مواجهة الكرب، أي أنها شخصيات هشة معرضة أكثر من غيرها للوقوع في الاكتئاب.

في كتابه “تشريح الاكتئاب”، يعرفنا لويس ولبرت على تجربته الخاصة في الاكتئاب  ويغوص في نفس مريض الاكتئاب ليس من وجهة نظر طبيب أو معالج نفسي، لكن من وجهة نظر مريض بالاكتئاب، يصف الاكتئاب بأنه سرطان ينهش الروح والنفس  ويجعل الشخص المصاب منعزلا تماما عن كل ما يحيط به، غير مهتم لأمر الأشخاص من حوله، ولا يرى أي مسببات للبهجة في الحياة، حتى إنه سأل نفسه “ماذا لو تحققت كل أحلامي الآن، هل أشعر بالسعادة ؟”، وكانت إجابته بالنفي.

وفي فصل من أهم فصول الكتاب، يعرفنا على أكثر الشرائح المعرضة للاكتئاب في الحياة، قائلا إن هناك عوامل كثيرة قد تحفز الاكتئاب، لا سيما تلك المتعلقة بالفقد، بالإضافة إلى البيئة الاجتماعية والتاريخ المرضي للشخص.

من أهم الشرائح المعرضة للاكتئاب:

  • المرض العضوي عندما يتحول لهاجس مقلق للمريض خاصة إذا كان مرض له نوبات قلبية أو صرع أو ما شابه ، يفكر المريض أن النوبات ستداهمه في أي وقت وأي مكان ولا يستطيع التصرف.

ويحكي عن مريض كان أحيانا يذهب ويقف  في مدخل المستشفى لساعات في انتظار  حدوث أزمة قلبية، ليسهل على المسعفين نقله إلى قسم الطوارئ.

  • صدمات الطفولة مثل فقد أحد الواادين أو الأحداث المؤلمة وخيبات الأمل المتكررة التي تترسخ في العقل الباطن.

كذلك المعاملة القاسية وتجاهل الطفل من الأهل يعرضه للاكتئاب في المستقبل.

  • أقارب الشخص المصاب بالاكتئاب معرضون للإصابة بالمرض بنسبة 20% واحتمالية اصابة الأطفال لأبوين مصابين بالاكتئاب تتجاوز 50%.

 

ومن أعراض اكتئاب الأطفال: النزق (سرعة الانفعال)، الصداع، وعدم التفاعل الاجتماعي.

وهناك أعراض أخرى مثل: “الفتور، الكسل، اضطرابات النوم، اختلاف العادات الغذائية”، لكنها أعراض قد نلاحظها لأسباب مختلفة، ولا تشير بالضرورة إلى وجود اكتئاب، لذلك يبقى الكثير من الأطفال المكتئبين دون علاج بسبب صعوبة تشخيص المرض لديهم.

  • العوامل الوراثية مع عوامل البيئة الخارجية، ويظهر ذلك عن طريق تفحص التاريخ المرضي العائلي، وتتبع الإصابة بالاكتئاب عبر الأجيال المختلفة، لأن الاكتئاب ينتقل كما ينتقل لون العينين ونسبة الذكاء وكل الجينات الأخرى.
  • الأشخاص الذين يعيشون منفردين أو في مجتمعات فردية، بسبب التغير الذي حدث في نمط المجتمع وتفتيت الشكل التقليدي للعائلة، وتسارع وتيرة الحياة والمسئوليات المتزايدة دون فرص كافية.

الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات ناتجة عن العنف والحروب، مثل المهجرين واللاجئين وضحايا الحروب.

  • المكانة الاجتماعية المتدنية ومصاعب الحياة وافتقاد الثقة بالنفس، يؤدي إلى الاضطرابات النفسية.
  • هناك أدلة تربط بين الهرمونات الأنثوية (الأستروجين) والاكتئاب قبل موعد الدورة الشهرية أو ما بعد الولادة وكذلك اكتئاب الحمل.

الأمهات اللواتي أصبن سابقا بالقلق أو الاكتئاب معرضات أكثر للإصابة باكتئاب الحمل وما بعد الولادة خاصة في غياب الدعم الاجتماعي.

يظل الفارق بين نسبة إصابة الرجال بالاكتئاب ونسبة إصابة النساء من أشد الفروق وضوحا: النساء ضعف الرجال، في حين يتفوق الرجال في نسبة الانتحار، ربما كان سبب ذلك أن النساء يسارعن لطلب المساعدة الطبية في حالة الشعور بالاكتئاب في حين يتجنب الرجال ذلك.

في الفصل الأخير من كتابه يبحث في فكرة الانتحار، هذه الفكرة التي تحولت إلى واقع مؤلم نسمع عنه ونشاهده حولنا كل يوم.

يحكي أنه فكر شخصيا اثناء وقوعه تحت مرض الاكتئاب بالانتحار أكثر من مرة، لكنه لم يجد طريقة آمنة ليقتل نفسه دون ألم.

تظهر الرغبة في قتل النفس بسبب عوامل متعددة تتشابك معا، مثل أعباء الحياة  وعدم القدرة على التعامل مع الواقع الصعب، بالإضافة إلى الإصابة بأمراض مختلفة، ما يدفع المكتئب إلى التفكير في الانتحار باستمرار، إذ يسيطر على المريض شعور كاسح باليأس يدفعه للتخلص من حياته.

في كتابه “تشريح الاكتئاب”، يوضح لنا لويس ويلبرت أن وصمة العار المرتبطة بمرض الاكتئاب لا تخص فقط المجتمعات الشرقية، ولكنها موجودة أيضا في المجتمعات الغربية، الأمر الذي يجعل بعض المرضى يخفون آلامهم ومرضهم عن أقرب الأشخاص لهم ، حتى لا يوصموا بوصمة المرض النفسي ويفقدون أعمالهم أو عائلتهم وأصدقائهم.

يحكي ويلبرت أن تجربة العلاج النفسي كان لها الأثر الأكبر في شفائه بجانب  الدعم الذي لاقاه من زوجته وأصدقائه، وهذا بالتحديد الذي بسببه تقل فرص استمرار الاكتئاب أو التفكير في الانتحار.

يظهر لنا الكتاب تشابه البشر في الشرق والغرب عندما يصابون بالاكتئاب وحاجتهم الحقيقية للدعم وليس إجبارهم على إخفاء المرض، خوفا من الوصم بالمرض النفسي أو العزل الاجتماعي.

لذلك راقبوا أحباءكم جيدا واستمعوا لهم لا تستهينوا عندما تسمعون منهم جملة “أنا تعبان” أو “أنا عندي اكتئاب”، ربما  تأخذون الجملة أنتم على محمل المبالغة، ولكنهم يقصدونها جدا وليس عندهم أكثر من ذلك، لينبهوكم إلى حاجتهم إليكم.

 

 

 

المقالة السابقة15 فتاة.. واحدة منهن على الأقل ستُشبهك
المقالة القادمةسامحوني مكانش قصدي

ترك الرد

الرجاء إدخال تعليقك!
الرجاء إدخال اسمك هنا